ARTICLE AD BOX
بدأت الأحزاب السياسية في الجزائر الاستعداد مبكراً للانتخابات النيابية والمحلية المقررة في منتصف العام المقبل والتي ستجرى في ظروف مغايرة وسياقات سياسية تزيد من حدة المنافسة على المقاعد النيابية.
لا يخفي السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، أقدم قوة معارضة في البلاد، يوسف أوشيش، أن التحركات الأخيرة لحزبه جزء من خطة مبكرة للاستعداد للاستحقاق الانتخابي المقبل. وقال أوشيش، في جلسة المجلس الوطني للحزب، السبت الماضي، "سنُعيد تنشيط هياكل الحزب، وسنُحدث أدواتنا من خلال سلسلة لقاءات وطنية تحضيرية، استعدادًا للمشاركة في الاستحقاقات القادمة، التشريعية والمحلية، وهدفنا واضح، أن نجعل من جبهة القوى الاشتراكية قوة سياسية مركزية، حاملة لمشروع بديل وطني ديمقراطي، اجتماعي"، مضيفاً "نعمل بجدّ من أجل بناء البديل الديمقراطي. نحن نؤمن أن الوصول إلى السلطة ينبغي أن يكون عبر الإرادة الشعبية، بالوسائل السلمية، وبالعمل الميداني". وفي سياق التحضير المبكر للانتخابات النيابية المقبلة، أعلن أوشيش عن "انطلاق مرحلة جديدة من مسار الهيكلة السياسية والتنظيمية للحزب في كل ولايات الوطن". وأضاف أن جبهة القوى الاشتراكية "تتوجه بنداء لكل القوى الحية من الشبال والنساء والعمال، والمثقفين، للانضمام إلى الجبهة كفضاء نضالي حر". وتابع: "لقد حان وقت الالتزام والانخراط، والوقوف من أجل جزائر حر عادلة وموحدة".
من جهتها، تكثف قيادات حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان الحالي، في الفترة الأخيرة، من اللقاءات مع القيادات المحلية في الولايات، ضمن سياق الاستعدادات المبكرة للانتخابات النيابية المقبلة، حيث قاد رئيس الحركة عبد العالي حساني سلسلة مؤتمرات سياسية في الولايات لحث الهياكل التنظيمية للحزب لإعادة تنظيم شؤونها والتحضير المبكر للانتخابات المقبلة، كما طالبت الحركة في بيان، الجمعة الماضي، السلطة بسرعة إصدار القوانين المطروحة على الساحة السياسية، ومراجعة قانون الانتخابات، قبل أي استحقاق قادم، لضمان تكافؤ الفرص وترسيخ مبادئ الديمقراطية التمثيلية والتنافس الانتخابي النزيه، وكذلك "القوانين الناظمة للحياة السياسية، كقوانين الأحزاب والبلدية، باعتبارها قوانين ستُتيح الفرصة لتحريك الساحة، وتفتح الأفق السياسي أمام الشباب الطموح، وهو ما يفرض المبادرة إلى استعجال إصدارها، وضرورة صناعة إجماع حولها"، قبل الانتخابات المقبلة.
وينتظر أن يطرح الرئيس عبد المجيد تبون نسخة معدلة جديدة للقانون الانتخابي، قبل الانتخابات المقبلة، بعدما كان قد أعلن في مارس/ آذار 2024 نيته تعديله. وكان من المقرر اعتماد تعديل القانون قبل الانتخابات الرئاسية الماضية التي جرت في سبتمبر/ أيلول الماضي، حيث كانت نيات تبون، وبدعم صريح من عدة أحزاب سياسية موالية ومعارضة، تتوجه نحو تنظيم انتخابات نيابية ومحلية مباشرة عقب الرئاسيات، بهدف احتواء بعض قوى المعارضة غير الموجودة في البرلمان (قاطعت انتخابات 2021)، قبل أن يصرف تبون النظر عن ذلك، لكون عهدة البرلمان والمجالس المحلية ستنتهي في غضون عام.
ثلاثة معطيات وسياق مختلف
لكن اللافت أن أكثر الأحزاب السياسية تحركاً في الساحة في هذه الفترة هي التي كانت قاطعت الانتخابات النيابية الماضية، على غرار حزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، إذ تعيد هذه الأحزاب تمركزها في الساحة بشكل كبير، وتعمل على استغلال هامش الوقت المتاح حتى موعد الانتخابات المقبلة، لترتيب صفها الداخلي وتعبئة كوادرها وطرح خطابها السياسي حول مختلف القضايا الوطنية. وأجرت الأمينة العام لحزب العمال لويزة حنون سلسلة لقاءات مع قواعدها في الولايات، فيما تتحرك قيادة التجمع ورئيسه عثمان معزوز في نفس السياق وبعدد من الولايات التي يسعى الحزب إلى إثبات حضوره السياسي فيها تمهيداً للانتخابات.
وتبدو أحزاب الموالاة نفسها معنية بهذه الاستعدادات المبكرة، قبل تسعة أشهر من موعد إطلاق الترشيحات النيابية، إذ تبدو التغييرات القيادية التي شهدها التجمع الوطني الديمقراطي، بعد تنحي أمينه العام مصطفى ياحي، ومحاولة التمرد الداخلي لتغيير قيادة حزب جبهة التحرير الوطني، في مسعى لإبعاد الأمين العام الحالي عبد الكريم مبارك، ضمن نفس سياق التحضير المبكر للانتخابات، ووضع قيادات أكثر قدرة على المنافسة الانتخابية ومواجهة تشكيلات قوى المعارضة التي تبدو أكثر تحفزاً واستعداداً لخوض المنافسة الانتخابية.
ويعتبر مراقبون أن ما يدفع مجموع القوى السياسية إلى هذه الاستعدادات المبكرة ثلاثة معطيات أساسية، تميز الانتخابات المقبلة عن سابقاتها، وسياقها المختلف. ويشرح المحلل السياسي عادل وضاح هذه المعطيات قائلاً "تتعلق الأولى بكون الانتخابات المقبلة ستجرى في ظل قانون انتخابي جديد قد يعقد المنافسة الانتخابية ويحد أكثر من إمكانية التزوير أو التلاعب بالنتائج، وهو ما لا يخدم بالدرجة الأولى أحزاب الموالاة التي كانت تستفيد في الاستحقاقات النيابية السابقة، من محاباة السلطة والمسؤولين لتسيير النتائج بشكل يخدم هذه الأحزاب"، مضيفاً أن "الانتخابات المقبلة ستشهد عودة ومشاركة عدد من الأحزاب التي كانت قد قاطعت انتخابات 2021، وبعضها أحزاب لها ثقلها السياسي كجبهة القوى الاشتراكية، وهذا يعني أن الخريطة الانتخابية وطبيعة المنافسة ستكونان أكثر حدة، وهو ما يفسّر هذا التحرك السياسي المبكر للأحزاب". ويلفت عادل إلى مسألة أخرى تخصّ احتمال عدم تكرار السلطة المراهنة مجدداً في الانتخابات المقبلة على المستقلين ومرشحي المجتمع المدني، بعد فشل هذه التجربة في انتخابات عام 2021، حيث لم يحقق المستقلون ما كان متوقعاً منهم، كما أن أداء النواب المستقلين من خارج الوعاء الحزبي، كان ضعيفاً خلال العهدة النيابية الحالية.
