ARTICLE AD BOX
في أثناء حفل استقبال أقامه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالقصر الملكي في "منى"، في 7 حزيران/يونيو الجاري، تحدث أمام كبار الشخصيات الإسلامية وضيوف خادم الحرمين الشريفين الذين أدوا فريضة الحج لهذا العام، معلناً موقفاً سعودياً ثابتاً بشأن القضية الفلسطينية، قائلاً: "يأتي عيد الأضحى المبارك هذا العام، ومعاناة إخوتنا في فلسطين مستمرة نتيجة العدوان الإسرائيلي، ونشدد على دور المجتمع الدولي في إنهاء التداعيات الكارثية لهذا العدوان، وحماية المدنيين الأبرياء، وإيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية".
كلمة ولي العهد ألقاها في زمان خاص، في موسم الحج، وفي مكانٍ له شأنه، المشعر الحرام. لهذه الحيثيات أهميتها، وليست مجرد تفاصيل عابرة. رغم قُصرِ الكلمة، فإن الأمير محمد بن سلمان خصّ القضية الفلسطينية بنصيب وافرٍ منها، وفي ذلك رسالة سياسية ودينية وأخلاقية، بأن السعودية بوصفها راعية الحرمين الشريفين والمؤتمنة عليهما، وبأن الملك سلمان بن عبد العزيز الذي هو خادم الحرمين الشريفين، بما يمثل من مكانة وزعامة، لن يتخليا عن دعمهما حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
يأتي هذا الموقف امتداداً لما يمكن اعتباره "حجر الزاوية" الذي أعلن عنه الأمير محمد بن سلمان في 18 ديسمبر 2024، وذلك في خطابه بـ"مجلس الشورى" السعودي، حيث قال صراحة: "لن تتوقف المملكة عن عملها الدؤوب، في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ونؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل من دون ذلك".
إذاً، هنالك معادلة واضحة أرستها الرياض، وهي أن أي علاقات مستقبلية مع تل أبيب، مشروطة بقيام الدولة الفلسطينية، ولا شيء دون ذلك. من هنا، يمكن فهم سرعة إصدار وزارة الخارجية السعودية بياناً في 5 شباط/فبراير، عقب تصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكدت فيه أن "موقف المملكة العربية السعودية من قيام الدولة الفلسطينية هو موقف راسخ وثابت لا يتزعزع"، مشددة على أن "هذا الموقف الثابت ليس محل تفاوض أو مزايدات، وأن السلام الدائم والعادل لا يمكن تحقيقه من دون حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفقًا لقرارات الشرعية الدولية"، مبينة أن "هذا ما سبق إيضاحه للإدارة الأميركية السابقة والإدارة الحالية".
ضمن هذا السياق، يأتي تبني المملكة "التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين"، والذي عقد مؤتمراً له في الرياض في 30 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بمشاركة أكثر من 90 دولة، إضافة إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، حيث بحث المسارات المؤدية إلى قيام الدولة الفلسطينية. شدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في كلمته أمام الحضور على أنه "لم يعد مجدياً الاكتفاء بالإدانات والحلول الجزئية، خاصة أمام حجم المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ومضاعفة المستوطنات، وتغيير الوضع التاريخي والقانوني للقدس الشريف، وتفشي خطاب الكراهية والتحريض"، معتبراً أن ذلك "يؤدي إلى تقويض فرص تحقيق حل الدولتين ويدفع نحو مزيد من العنف وعدم الاستقرار"، قائلاً بشكل صريح إن استمرار الإخفاق في إيجاد حل مستدام للصراع في الشرق الأوسط سيكون له تداعيات خطيرة على السلم والأمن الدولين، بما في ذلك نشر التطرف والإرهاب والهجرة غير الشرعية.
من هنا، تأتي أهمية المؤتمر الذي يُحضر له برئاسة سعودية – فرنسية مشتركة في 17 حزيران/يونيو الجاري، والذي يعتبر فرصة لأن يُظهر المجتمع الدولي قدراً من المسؤولية والخطوات العملية التي تجبر إسرائيل على وقف عدوانها المستمر على قطاع غزة، لأن مجرد الإدانات اللفظية لم تعد كافية!