أن تحاور أميركا حماس

2 weeks ago 5
ARTICLE AD BOX

بالتأكيد، لا وجه لأي مشابهةٍ بين مصافحة (وحوار دقائق معدوداتٍ) مندوب أميركا في الأمم المتحدة، أندرو يونغ، ومندوب منظّمة التحرير الفلسطينية في الهيئة الأممية، زهدي الطرزي، في أغسطس/ آب 1979، وجلسة مبعوث الرئيس ترامب لشؤون الرهائن، آدم بولر، في الدوحة في مارس/ آذار الماضي، مع قياداتٍ عليا في حركة حماس، ليس فقط لأن بولر صرّح لـ"سي إن إن" إن رجال "حماس" لطيفون جدّاً، فيما أقيل يونغ على الفور من موقعه، ولكن أيضاً لأن الدنيا في الراهن غير الدنيا في الولايات المتحدة والمنطقة قبل 45 عاماً. ولأن قياديّاً من الحركة الإسلامية أبلغ صاحب هذه الكلمات أن بولر بدا شديد التحفّظ في مصافحته الخجولة في بدء الجلسة، لكنه، في وداع مضيفيه، كان شديد الحميميّة، وعانق بعضهم. وقد سمع منهم عن قبول الحركة دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران (1967)، وتفريقاً ناضحاً بين التعامل مع اليهود أصحاب دينٍ سماوي ومع الإسرائيليين المحتلين، ونيةً صادقةً للإفراج عن جميع المحتجزين لدى الحركة في غزّة إذا استجاب الاحتلال لمطالب الشعب المحاصر هناك، وأولها وقف العدوان، وتوجّهاً لدى الحركة إلى عدم الحكم في غزّة. وقد تأكّدت نية "حماس" في اتجاهٍ إيجابيٍّ تجاه إدارة الرئيس ترامب، أياماً بعد هذا الاجتماع، بإفراجها، من دون مقابل، عن الجندي الأميركي/ الإسرائيلي، ألكسندر عيدان. أما الإدارة فرأت أن تشقّ بنفسها مسار اتصالٍ وتواصلٍ غير مباشرٍ مع "حماس"، بإشراف المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عبر رجل الأعمال الفلسطيني/ الأميركي، بشارة بحبح، والذي، للمفارفة، عرّفت الحركة به سهى عرفات، الأمر الذي يبعث على الإعجاب بمدى تنوّع علاقات الحركة وانفتاحها على شخصياتٍ وفاعلياتٍ ملوّنة المشاغل والأمزجة، ما يأخذُها إلى تعاونٍ، بدرجةٍ وبأخرى، مع محمّد دحلان، مع تبرّمها، في الوقت نفسه، من ماجد فرج وحسين الشيخ وأمثالهما.

اقتضى الإتيانُ أعلاه على مسافات الأزمنة بين مصافحة دبلوماسيٍّ في إدارة الرئيس كارتر دبلوماسياً في منظّمة التحرير، التي كانت في تلك الغضون، قبل أربعة عقود، مصنّفة إرهابية، وجلسة الدوحة قبل شهرين بين مبعوث رئاسي أميركي وقيادات في "حماس" المصنّفة كذلك، اقتضاه سؤالٌ أظنّه وجيهاً: لماذا لا تحاور الولايات المتحدة الحركة الفلسطينية الإسلامية المقاومة، مباشرة، وتغادر اللفّ والدوران، فتتخلّص من الرّهاب الذي يجعل جلسة بولر يتيمة، تعقُبها محادثاتٌ للرجل نفسه مع ممثلين من حركة طالبان في مطار كابول، بهدف الإفراج عن محتجزين أميركيين في أفغانستان؟ لم يبتدع دونالد ترامب خرقاً تاريخياً، عندما أذِن لبولر أن يجتمع برجالٍ "لطيفين" من "حماس"، فقد التقى سفير الولايات المتحدة في القاهرة نوّابا من الإخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري، في خريف حكم حسني مبارك، ثم التقت السفيرة آن باترسون، بعيْد إطاحة مبارك مرشد عام الجماعة محمد بديع. وحتى لا نذهب بعيداً، هذا هو الرئيس ترامب يُجالس أحمد الشرع، في الرياض، ويبتهج به، نوعاً من التسليم بأمر واقعٍ، موصولٍ بأمرٍ واقعٍ من لونٍ مختلفـ، عندما التقى السفير الأميركي السابق في دمشق، روبرت فورد، (ولم يكن في منصبه ذاك) زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمّد الجولاني، إبّان كانت المكافأة الأميركية لمن يدلّ على الرجل عشرة ملايين دولار، ولا يُخبر عن هذا اللقاء إلا عندما عاد الجولاني إلى اسمِه الأساس، أحمد الشرع، وصار رئيساً للجمهورية العربية السورية.

ليست براغماتيةً من "حماس" ولا من ترامب محاورة ستيف ويتكوف المواربة الحركة من قناة بحبح، وقبلها تلك الجلسة مع بولر، وإنما هي الضرورات الملحّة. والتفكير السليم في عقلٍ سليمٍ يسوق إلى أن من الملحّ أن تتخفّف أكثر وأكثر إدارة ترامب من الارتهان للمنظور الإسرائيلي في تصنيف الإرهابيين وغير الإرهابيين، فتُلاقي كل خطوةٍ من الحركة الإسلامية المجاهدة بخطوةٍ متقدّمةٍ تساعد كثيراً في الوصول إلى تسوياتٍ مطلوبةٍ، ميدانيةٍ وسياسيةٍ، في غزّة والضفة الغربية. ويُقال هذا الطرح، فيما المعلوم أن طواقم ترامب لا يأخُذون دروساً في السياسة من صاحب تعليقٍ مرتجلٍ في صحيفة، وإنما هو السؤال الذي لا يغيّب توقّعا مثل هذا، فمسبقاتٌ غير قليلة تتيح القول إن حواراً مباشراً ومكثفاً بين واشنطن وحركة حماس وارد، وممكن، ولن يكون مستبعداً أو مفاجئاً... سيما أنه سيصير ضرورياً، أكثر وأكثر مع الوقت.

Read Entire Article