أوراق ضغط عربية مهدورة لوقف حرب غزة

1 day ago 2
ARTICLE AD BOX

بينما تتجه أغلبية دول الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل احتجاجاً على حرب إبادة غزة، تزداد التساؤلات حول موقف الدول العربية، التي تمتلك من الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية ما يمكن أن يشكّل رافعة ضغط حقيقية، لكنها لم تستخدمها. ففي الوقت الذي يبدو فيه الموقف الأوروبي "سابقة سياسية مهمة"، يغيب عن المشهد العربي أي تحرك مماثل، رغم استمرار حرب غزة واتساع المجازر وتوثيق الجرائم بحق المدنيين، بما يشمل استهداف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء.

بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، أحمد رشيد خطابي، في تصريح قبل أيام، فإن الموقف الأوروبي "إيجابي ويعكس وعياً متقدماً بحجم الانتهاكات الإسرائيلية". يعيد هذا التوصيف إلى الواجهة أزمة الأداء العربي الجماعي، وتحديداً مدى استعداد الحكومات العربية لاستثمار أدواتها الاقتصادية والدبلوماسية والتجارية لممارسة ضغط فاعل على تل أبيب لوقف حرب غزة.

مفارقة مؤلمة

يقول الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن إشادة الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية بموقف الاتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل "تثير الدهشة، وتعكس مفارقة مؤلمة". ويضيف أن "خطوات أوروبية متأخرة تُشجَّع في الضغط على الاحتلال، في الوقت الذي تواصل فيه عدة دول عربية تربطها علاقات رسمية مع إسرائيل، تعاملاتها التجارية والعسكرية معها". دول مثل مصر والأردن والإمارات والمغرب، بحسب فايد، لم تُجمّد علاقاتها الاقتصادية أو الدبلوماسية مع إسرائيل رغم استمرار حرب غزة "بل واصلت أشكال التعاون المختلفة، بما في ذلك خلال فترات تصاعد العدوان".

عمار فايد: الأَوْلى بالقيادات العربية حثّ الدول العربية ذات النفوذ والعلاقات مع إسرائيل على اتخاذ مواقف أكثر جدية

وبرأيه فإن "الأَوْلى بالقيادات العربية حثّ الدول العربية ذات النفوذ والعلاقات مع إسرائيل على اتخاذ مواقف أكثر جدية، بدلاً من الاكتفاء بالإشادة بتحركات أوروبية جاءت بعد شهور من دعم حرب الإبادة". ويرى فايد أن "الدول العربية تملك أوراق ضغط حقيقية، لكنها تفتقر إلى الإرادة السياسية، وتقع رهينة لشراكات استراتيجية مع الولايات المتحدة، تعتمد فيها على واشنطن اقتصادياً أو عسكرياً وأمنياً، وهو ما يقيّد تحرّكها في مواجهة إسرائيل". يعتبر مراقبون سياسيون أن التباين الكبير بين مواقف الدول العربية من حرب غزة وانقسامها بين دول مطبعة وأخرى متحفظة، يعكس غياب الإرادة السياسية لإحداث أي تحول فعلي في العلاقة مع إسرائيل. ويشير هؤلاء إلى أن بعض الدول تتمسك بعلاقاتها مع تل أبيب لأسباب استراتيجية أو اقتصادية، بينما تكتفي أخرى بالإدانة الخطابية من دون أن تبادر إلى خطوات عملية.

ووفق مراقبين، فإن الجامعة العربية -بما هي إطار إقليمي جامع- لم تُفعّل أياً من أدواتها الدبلوماسية الجماعية، مكتفية ببيانات رسمية تراوحت بين الدعوة إلى "وقف التصعيد" ومناشدة "المجتمع الدولي التدخل"، دون قرارات تنفيذية تعكس حجم الكارثة الإنسانية في غزة. ويرى آخرون أن استمرار حرب غزة وارتفاع وتيرة المجازر قد يفرضان على بعض الحكومات اتخاذ خطوات رمزية على الأقل، كاستدعاء سفراء كما فعلت الإمارات، أو تجميد لقاءات ثنائية، أو تصعيد لهجتها السياسية، لكنها تظل خطوات محدودة التأثير ما لم تترافق مع ضغوط اقتصادية أو دبلوماسية حقيقية.

غياب مبادرات لوقف حرب غزة

يقول المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، رخا أحمد حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "أقصى ما يمكن أن تتخذه الدول العربية حتى الآن تجاه إسرائيل في ظل حربها الوحشية على قطاع غزة والضفة الغربية، يظل محصوراً في ما صدر وما قد يصدر عنها من قرارات وبيانات". يأتي ذلك إلى جانب "الجهود والمساعي المبذولة لوقف حرب غزة وإدخال المساعدات، والدفع نحو انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، وبدء عملية إعادة الإعمار". ولدى العديد من الدول العربية اتفاقيات سلام أو تطبيع مع إسرائيل، تشمل التعاون الدبلوماسي والتجاري، والسياحي والأمني في بعض الأحيان. لكن لم تسجَّل حتى الآن أي مبادرة لتجميد هذه الاتفاقيات أو تلويحاً بتجميدها وبتعليق اتفاقات السلام أو إعادة تقييمها في ضوء الجرائم المرتكبة. يؤكد خبراء في العلاقات الدولية أن هذه الاتفاقيات، شأنها شأن اتفاقية الشراكة الأوروبية، تتضمن بنوداً تتيح مراجعتها في حال ارتكاب أحد الأطراف انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني. ومع ذلك، فإن خيار تفعيل هذه البنود يظل غائباً عن المداولات العربية، على الأقل بشكل معلن.

وتعزو مصادر دبلوماسية عدم تحرك الحكومات العربية إلى جملة من الاعتبارات، بينها الخوف من الإضرار بالعلاقات مع الولايات المتحدة، أو الإضرار بمصالح اقتصادية وتجارية مرتبطة بمشاريع إقليمية مع إسرائيل. وتشير هذه المصادر إلى أن بعض العواصم ترى أن أي تصعيد في العلاقات مع تل أبيب قد ينعكس سلباً على استقرارها الداخلي أو مكانتها الدولية. وتضيف أن بعض الدول تنظر إلى الملف الفلسطيني بوصفه عبئاً سياسياً أكثر من كونه قضية قومية، ما يفسّر إحجامها عن تبني خطوات تصعيدية حتى في أوقات الأزمات الكبرى.

حسن نافعة: العالم العربي لن يكون قادراً على الادعاء بأنه يمثل نظاماً إقليمياً فاعلاً

برأي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، فإن "العالم العربي كان يمكنه لعب دور أكثر فاعلية في وقف حرب غزة". ويوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ذلك كان ليتحقق "لو أن الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل اجتمعت، واتخذت قراراً جماعياً بقطع هذه العلاقات، ما لم توقف إسرائيل عدوانها وتفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية". ويضيف نافعة، أن "العالم الإسلامي أيضاً كان بوسعه التأثير بشكل مختلف في مجريات الأحداث، لو أن منظمة التعاون الإسلامي تبنت موقفاً جماعياً قوياً يدفع الولايات المتحدة نحو سياسات أقل انحيازاً لإسرائيل". ويعتبر أن "العالم العربي لن يكون قادراً على الادعاء بأنه يمثل نظاماً إقليمياً فاعلاً، ما لم يُصلح أوضاعه من الداخل، ويؤسس أنظمة حكم تعبّر عن إرادة شعوبها وتلبي طموحاتها الحقيقية".

Read Entire Article