ARTICLE AD BOX

<p>أحد المواقع النووية الإيرانية (أ ف ب)</p>
واجه مفتشو "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" التابعة للأمم المتحدة، والمكلفون بمراقبة "موقع فوردو" النووي الإيراني، فجوة كبيرة في معلوماتهم حياله عام 2024 عندما شاهدوا شاحنات تحمل أجهزة طرد مركزي متطورة لتخصيب اليورانيوم تدخل إلى المنشأة المقامة داخل جبل جنوب طهران.
وقال مسؤول مطلع على أعمال المراقبة التي تقوم بها الوكالة، مع اشتراط عدم الكشف عن هويته، إن إيران كانت قد أخطرت الوكالة بأنه سيجري تركيب مئات أجهزة الطرد المركزي الإضافية من طراز "آي آر-6" في منشأة فوردو، لكن المفتشين لم تكن لديهم أية فكرة عن مصدر تلك الأجهزة المتطورة.
وسلطت الواقعة الضوء على حجم الفجوة والغموض في متابعة الوكالة لمسار بعض العناصر الحاسمة في أنشطة إيران النووية منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق عام 2015 الذي فرض قيوداً صارمة وإشرافاً دقيقاً من الوكالة على أنشطة طهران.
وتظهر التقارير الفصلية للوكالة أن نقاط الغموض الرئيسة تتمثل في عدم معرفة عدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها إيران أو مكان إنتاج وتخزين هذه الأجهزة وأجزائها، ولم يكن بمقدور الوكالة أيضاً إجراء عمليات تفتيش مفاجئة في مواقع لم تعلنها إيران.
وبدأت الولايات المتحدة محادثات جديدة مع إيران بهدف فرض قيود نووية جديدة على طهران، لكن أكثر من 10 مصادر مطلعة على أنشطة إيران الذرية، من بينها مسؤولون ودبلوماسيون ومحللون، يرون أن نجاح أي اتفاق مرهون بمعالجة نقاط الغموض تلك بالنسبة إلى الوكالة.
ثغرات في المعلومات
وقال مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، علي واعظ، إن "هناك ثغرات في معرفتنا بالبرنامج النووي الإيراني تجب معالجتها من أجل الحصول على فهم أساس لحجمه ونطاقه الحاليين"، مضيفاً "قد نحتاج إلى شهور لمعرفة ذلك لكنه أمر بالغ الأهمية إذا ما أرادت 'الوكالة الدولية للطاقة الذرية' والأطراف المشاركة في المفاوضات أن تكون لديهم الثقة في مزايا عدم الانتشار النووي التي يحققها الاتفاق".
وأحجمت الوكالة التي ترفع تقاريرها إلى الدول الأعضاء، وعددها 180، عن التعليق على هذا التقرير، فيما لم ترد وزارة الخارجية الإيرانية ومنظمة الطاقة الذرية الإيرانية على أسئلة من "رويترز".
وترى إيران منذ فترة طويلة أنه يحق لها التخلي عن التزاماتها بتعزيز إشراف الوكالة بموجب اتفاق عام 2015 بعد انسحاب الولايات المتحدة الأحادي من الاتفاق، فيما تنفي طهران اتهامات الغرب لها بأنها تبقي في الأقل خيار صنع سلاح نووي قائماً، وتقول إن أهدافها سلمية بحتة، غير أن طهران حققت قفزات كبيرة
في مجال تخصيب اليورانيوم خلال الأعوام القليلة الماضية.
وعند إبرام الاتفاق النووي عام 2015 سعت الولايات المتحدة والقوى العالمية إلى تقليص المدة التي ستحتاجها طهران لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع قنبلة نووية واحدة إلى عام في الأقل، وذلك من خلال تحديد درجة النقاء التي يمكن أن تصل إليها في تخصيب اليورانيوم عند أقل من أربعة في المئة، لكن تلك الفترة الزمنية انتهت تقريباً، إذ ركبت إيران أجهزة طرد مركزي أكثر تطوراً من أي وقت مضى وتخصب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60 في المئة، أي ما يقارب 90 في المئة من الدرجة المطلوبة لصنع اسلحة نووية.
تقرير سري
وذكر تقرير سري أصدرته وكالة الطاقة الذرية مطلع هذا الأسبوع أن إيران لديها ما يكفي من اليورانيوم المخصب لمستوى 60 في المئة، والذي يمكن في حال تخصيبه لمستوى أعلى أن يستخدم في صنع تسعة أسلحة نووية.
وأضافت الوكالة أنه لا يوجد بلد آخر خصب اليورانيوم إلى هذا المستوى العالي من دون إنتاج أسلحة نووية، وغالباً ما تستخدم محطات الكهرباء التي تعمل بالطاقة النووية وقوداً مخصباً بنسبة تتراوح بين ثلاثة وخمسة في المئة.
وقال مسؤول أوروبي متابع للبرنامج النووي الإيراني إن برنامج التخصيب صار الآن متقدماً جداً لدرجة أنه حتى لو جرى وقفه بالكامل فإن الإيرانيين يمكنهم إعادة بنائه وتشغيله في غضون بضعة أشهر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد خمس جولات من المناقشات بين المفاوضين الإيرانيين والأميركيين لا تزال هناك عقبات عدة ومنها رفض إيران مطلباً أميركياً بأن تلتزم بوقف التخصيب، ورفضها شحن مخزونها الحالي من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج.
وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية المسألة، إنه في ظل صعوبة استعادة تطبيق القيود الزمنية الواردة في اتفاق عام 2015 والتي تحد من قدرة إيران على إنتاج مواد انشطارية لصنع سلاح نووي، فإن أي اتفاق جديد سيتطلب تعزيز إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرنامج النووي.
وقبل ما يقارب ثلاثة أعوام أمرت إيران بإزالة جميع معدات المراقبة والرصد التي جرى تركيبها بموجب اتفاق عام 2015، بما في ذلك كاميرات المراقبة في الورش التي تصنع أجزاء أجهزة الطرد المركزي، وبحلول ذلك الوقت لم تكن الوكالة قد اطلعت على تسجيلات تلك الكاميرات لما يزيد على عام.
وتعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأمر تركيب 20 ألف جهاز طرد مركزي في منشآت التخصيب الإيرانية، لكنها لا تعرف عدد الأجهزة الأخرى التي جرى إنتاجها خلال الأعوام الماضية أو أماكن وجودها.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن رقابة الوكالة أمر بالغ الأهمية للمجتمع الدولي لفهم المدى الكامل للبرنامج النووي الإيراني، لكنه أضاف أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة "التفاوض في شأن هذه المسائل علناً".
رفض إيراني
وحدد الاتفاق المبرم عام 2015 في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما درجة النقاء المسموح بها لإيران لتخصيب اليورانيوم عند 3.67 في المئة، وهي أقل بكثير من 20 في المئة التي وصلت إليها آنذاك، كما قيّد الاتفاق أيضاً عدد ونوع أجهزة الطرد المركزي التي يمكن لطهران استخدامها ومكانها، ولم يُسمح بالتخصيب في منشأة فوردو.
وفي الوقت نفسه وافقت إيران على عمليات التفتيش المفاجئة وتوسيع نطاق إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ليشمل مجالات مثل إنتاج أجهزة الطرد المركزي ومخزون إيران من المادة التي يطلق عليها الكعكة الصفراء من اليورانيوم غير المخصب.
وأظهرت تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران التزمت بالقيود المفروضة على العناصر الرئيسة لبرنامجها النووي، ومنها التخصيب، حتى بعد أكثر من عام من انسحاب ترمب من الاتفاق عام 2018 خلال ولايته الأولى، حين ندد بالاتفاق ووصفه بأنه "اتفاق مروع أحادي الجانب"، كونه لم يعالج قضايا أخرى مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني أو دورها في الصراعات الإقليمية.
ودفع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق طهران إلى الرد، سواء من خلال تجاوز حدود التخصيب والقيود على عدد أجهزة الطرد المركزي أو إلغاء تصاريح الإشراف الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي وضع بعد اتفاق عام 2015، ومع ذلك لا تزال إيران تسمح لمفتشي الوكالة الدولية بالوصول المنتظم إلى منشآتها في إطار التزاماتها طويلة الأمد، كونها أحد الأطراف الموقعة على معاهدة عدم الانتشار النووي والتي لا يوجد بموجبها قيود على مستوى التخصيب ولكنها تقتصر على استخدام التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية.
وبدأ المفاوضون الأمريكيون والإيرانيون محادثاتهم النووية الجديدة في أبريل (نيسان) الماضي، فيما هدد ترمب بعمل عسكري في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
حل اللغز
ويتوقع دبلوماسيون منذ أعوام أن يكلف أي اتفاق جديد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمهمة إنشاء ما يسمى بخط الأساس، أي تكوين صورة كاملة عن جميع جوانب البرنامج النووي الإيراني وسد الثغرات في المعلومات التي تملكها الوكالة قدر الإمكان، وسيمثل وضع خط أساس تحدياً كبيراً نظراً إلى أن بعض النقاط الغامضة قائمة منذ وقت طويل ولا يمكن استيضاحها بالكامل، وقالت الوكالة في تقارير فصلية للدول الأعضاء إنها فقدت "استمرارية المعرفة" ولن تكون قادرة على استعادتها في شأن إنتاج ومخزون أجهزة الطرد المركزي وبعض أجزاء أجهزة الطرد المركزي ومادة الكعكة الصفراء.