استبدال "فاغنر" بالفيلق الأفريقي في مالي يعزّز الدور الروسي

20 hours ago 4
ARTICLE AD BOX

أثار إعلان مقاتلي شركة فاغنر العسكرية الخاصة انسحابهم من مالي واستبدالهم بقوات الفيلق الأفريقي الخاضعة لوزارة الدفاع الروسية، سيلاً من التكهنات حول مستقبل الوجود الروسي في أفريقيا وآفاق العلاقات بين موسكو والجزائر التي تبدي حساسية بالغة حيال الأنشطة العسكرية الروسية على مقربة من حدودها، ولا سيما في مالي والنيجر وليبيا.

إلا أن ثمة مؤشرات تؤكد أن انسحاب "فاغنر" من مالي لا يعني بأي حال من الأحوال انسحاباً روسياً، إذ باشرت وزارة الدفاع الروسية بعد تمرد مؤسس الشركة ذائعة الصيت، يفغيني بريغوجين، ومقتله في حادثة طيران غامضة في عام 2023، بـ"تأميم فاغنر" عبر تشكيل ما يعرف بالفيلق الأفريقي لأداء المهام العسكرية في الدول الأفريقية مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي تسعى موسكو من خلالها لأن تزاحم النفوذ الفرنسي وتعزز وجودها في القارة الثرية بالموارد الطبيعية.

"ترقية" للدور الروسي

واعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية ومعهد دراسات الشرق الأوسط في موسكو، سيرغي بالماسوف، أن استبدال "فاغنر" بالفيلق الأفريقي يُرقّي وضع الوجود الروسي في مالي وأفريقيا جنوب الصحراء عموماً من شركة خاصة تعمل لصالح من يدفع لها، إلى قوات خاضعة للدولة، ما سيثني دول الجوار مثل الجزائر عن دعم أي أطراف تقف في وجهها ومنع تكرار الحوادث على غرار مقتل عشرات من عناصر "فاغنر" على أيدي مسلحي الطوارق في منتصف العام الماضي.

وقال بالماسوف في حديث لـ"العربي الجديد": "لن يترك انسحاب فاغنر فراغا أمنياً في مالي، بل يندرج ضمن تبدل طال انتظاره للمواقع مع الفيلق الأفريقي، وهذا يصب في مصلحة موسكو من جهة كبح جماح الجزائر التي تبدي حساسية كبيرة تجاه أي وجود أجنبي في دول الجوار مثل ليبيا ومالي والنيجر، ولا تخفي تقديمها دعماً فنياً إلى الانفصاليين الطوارق الذين قضوا على مجموعة من عناصر فاغنر قبل عام". وبرأيه، فإن "الجزائر لن تقدم على مثل هذه الخطوة تجاه قوات خاضعة رسمياً لوزارة الدفاع الروسية كما هو حال الفيلق الأفريقي، ما يزيد مواقع روسيا قوة".

أكدت موسكو أخيراً أن تركيزها في أفريقيا ينصب بالدرجة الاولى على التعاون الاقتصادي والاستثماري

وحول رؤيته لأسباب استياء الجزائر من النشاط الروسي في دول الجوار، اعتبر الخبير الروسي أن الجزائر "تتخوف من تعثر خطط مد خط أنابيب الغاز العابر للصحراء من نيجيريا إلى إيطاليا بطاقة تمريرية تصل إلى 30 مليار متر مكعب سنوياً، وما دام يتولى نظام غير صديق للجزائر والمدعوم من روسيا مقاليد الحكم في النيجر، ينطوي تحقيق مثل هذا المشروع على مخاطر بالغة".

"فاغنر" تنهي مهمتها

وقلّل بالماسوف من أهمية المزاعم أن انسحاب "فاغنر" من مالي يؤثر سلباً بمواقع روسيا في أفريقيا، لافتاً إلى أن "الدعم المباشر من وزارة الدفاع الروسية سيعزّز مجموعة القوات في مالي على عكس شركة فاغنر التي عانت اضطرابات في الإمدادات، فضلاً عن التوصل إلى توافق بين اللاعبين الإقليميين في حال امتناع الفيلق الأفريقي عن الضلوع في الأعمال المشبوهة مثل حوادث الاستيلاء على مناجم ذهب التي اتهمت بها فاغنر". كذلك تكتسب روسيا وفق رأيه، "ورقة قوية أخرى بمواجهة الغرب عبر حصولها على إمكانية تعطيل إمدادات المواد الخام من أفريقيا، إن واصل التصعيد عبر دعم أوكرانيا مثلاً".

وأعلن مقاتلو "فاغنر" في وقت سابق من يونيو/حزيران الحالي، إنهاء مهمتهم في مالي التي دامت لثلاث سنوات ونصف سنة، ونفذ عناصرها خلالها مهمات دعم السلطات المركزية في القضاء على المجموعات المسلحة وإحكام السيطرة على المدن ذات الأهمية الاستراتيجية وتدريب العسكريين وإعادة تسليح الجيش المالي.

ومع ذلك، أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، يوم الاثنين الماضي، أن روسيا تعتزم مواصلة التعاون مع الدول الأفريقية في مجال ضمان الأمن. وقال بيسكوف: "يتطور الوجود الروسي في أفريقيا بشكل مطرد. نحن حقاً عازمون على الدفع بتعاوننا مع البلدان الأفريقية في الجوانب كافة، مع التركيز بالدرجة الأولى على التعاون الاقتصادي والاستثماري. يشمل هذا التعاون القطاعات الحساسة المتعلقة بالدفاع والأمن". وفي معرض تعليقه على التغييرات التي قد تطرأ على الوجود الروسي في أفريقيا بعد استبدال مجموعة فاغنر في مالي بالفيلق الأفريقي، أضاف بيسكوف بشكل مقتضب: "من هذه الجهة، ستواصل روسيا تعاونها مع الدول الأفريقية".

سيرغي بالماسوف: تكتسب روسيا ورقة قوية بمواجهة الغرب عبر إمكانية تعطيلها إمدادات المواد الخام من أفريقيا

وبدأت "فاغنر" بتنفيذ مهامها في مالي في خريف عام 2021 بعد تسع سنوات من الحرب الأهلية الناجمة عن تمرد الطوارق في عام 2012 وإعلانهم قيام دويلة مستقلة شمالي البلاد وبدئهم حرباً مع الحكومة المركزية. وبعد تدخلها عسكرياً في مالي عام 2013 وإيفادها نحو 3 آلاف جندي إلى المنطقة، تمكنت فرنسا من إبعاد المسلحين إلى الصحراء، ولكنهم اتّبعوا تكتيك حرب العصابات عبر شنّ تمردات في مختلف المدن واحدة تلو الأخرى، مع تنفيذ هجمات إرهابية فالتراجع عند اقتراب القوات الحكومية أو الفرنسية.

وبعد وقوع الانقلاب العسكري في مالي في مايو/أيار 2021، بدأ العقيد أسيمي غويتا الذي وصل إلى سدة الحكم، بالبحث عن حلفاء جدد مع رهانه على شركة فاغنر التي ذاع صيتها في أفريقيا بعد تنفيذها مهمات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى. وسرعان ما طالبت الحكومة الجديدة فرنسا بسحب قواتها، ما أنهى عقوداً طويلة من النفوذ الفرنسي في مالي التي ظلت مستعمرة فرنسية لنحو 70 عاماً، وخضعت لنفوذ باريس لـ60 عاماً أخرى، فاتحاً الباب على مصراعيه أمام تعاظم النفوذ الروسي.

Read Entire Article