اشتعال حدة التنافس بين زعامات "الحشد الشعبي" في العراق

5 days ago 4
ARTICLE AD BOX

على غرار ما حدث في انتخابات عامي 2018 و2021، تعود الخلافات بين زعامات بارزة في "الحشد الشعبي"، المظلة الجامعة لنحو 70 فصيلاً مسلحاً في العراق إلى السطح، متخذة طابعاً حزبياً سياسياً أكثر من كونه تنظيمياً. ومنذ أسابيع، يتفرغ عدد من الأجنحة السياسية للفصائل المسلحة وأبرزها "عصائب أهل الحق"، لمهاجمة رئيس "الحشد الشعبي"، فالح الفياض، مع مطالبات بإقالته أو إحالته للتقاعد، علاوة على تهم تتركز على استغلاله "الحشد الشعبي"، انتخابيا لمصلحة كتلة "عطاء"، التي يتزعمها.

الفياض، الذي ظل لسنوات عديدة مبعوثاً عراقياً لنظام الأسد في سورية، ومستشاراً للأمن الوطني العراقي، يحظى بدعم سياسي من أقطاب وزانة داخل التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي"، ليس من بينهم نوري المالكي، وقيس الخزعلي، الذين يتزعمون الحراك الداعي لإقالة الفياض حاليا. وتتنافس أكثر من عشر قوى عربية شيعية، في تسع محافظات جنوب ووسط البلاد، على نحو 130 مقعداً انتخابياً في البرلمان العراقي البالغ عدد مقاعده 329، أعلاها في البصرة بعدد مقاعد 25 نائباً تليها ذي قار بتسعة عشر مقعداً.

وتدفع هذه التركيبة إلى اشتعال حدة التنافس السياسي بين مختلف القوى، بهدف الحصول على الأغلبية، خاصة في ظل عدم اليقين من مشاركة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر في الانتخابات، وهو صاحب أعلى قاعدة شعبية بالجنوب. ويتهم زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، خصمه فالح الفياض (رئيس الحشد الشعبي) بـ"الفشل بإدارة الحشد الشعبي"، كما تسعى كتلة الخزعلي في البرلمان وهي "صادقون" لإقالة الفياض من منصبه لأسباب تتعلق باستغلاله الحشد لغايات انتخابية وتعديه السن بعدما تجاوز عمره (69 عاماً).

وسبق أن شهد تحالف "الإطار التنسيقي"، الحاكم في العراق، خلافات حادة من جراء المشكلات على ملفات "الحشد الشعبي"، وتحديداً قانونه الذي كان من المفترض أن يمر عبر البرلمان العراقي، إلا أن مجلس النواب فشل في إقراره بسبب الخلافات حول هيكلة الحشد من جهة، والمناصب المستحدثة فيه، فضلاً عن إقالة الفياض بمجرد إقراره. وأدت هذه الأسباب إلى إرجاء الجلسات الخاصة بالتصويت على القانون لأكثر من مرة، حتى سُحب نهائياً من جداول أعمال السلطة التشريعية، بعدما قاطعت عدة كتل برلمانية جلسات البرلمان المقررة.

ويدفع كل من قيس الخزعلي، وحليفه نوري المالكي، نحو إخراج الفياض من منصبه وقادة آخرين، فيما يعارض ذلك كل من منظمة "بدر"، بزعامة هادي العامري، وكذلك "تيار الحكمة"، بزعامة عمار الحكيم، إضافة إلى رئيس ائتلاف "النصر"، حيدر العبادي. وخلال الأيام الأخيرة، أصدر كل من رئاسة "الحشد الشعبي"، وفصائل مسلحة مواقف بين مؤيدة، وأخرى رافضة للاتهامات والتراشق على وسائل الإعلام.

وتقول مصادر من تحالف الإطار التنسيقي لـ"العربي الجديد"، إن الفياض سبب رئيسي في المشاكل التي ضربت أخيرا التحالف الحاكم (الإطار التنسيقي)، والسبب يعود إلى اتهامات تواجه الفياض باستغلال فصائل الحشد انتخابيا وحزبيا، وتشكيل ألوية جديدة من عشائر ومناطق بهدف كسب الولاء له. ويدفع كل من قيس الخزعلي، وقيادات ميدانية في "الحشد الشعبي"، لإقالة الفياض من منصبه، قبل الانتخابات المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وفقا للمصادر ذاتها التي أكدت أن نوري المالكي انخرط فعليا في الخلافات داخل منظومة الحشد الشعبي بالاصطفاف مع الأصوات المناهضة لبقاء الفياض بمنصبه.

بالمقابل، يقف هادي العامري، وحيدر العبادي، وعمار الحكيم، وأحمد الأسدي، إلى جانب فالح الفياض، ويرفضون إقالته، وهو ما سبب انشقاقاً بالمواقف داخل التحالف الحاكم، دفعت رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى التحرك لإرجاء أي تغييرات داخل الحشد الشعبي، لحين انتهاء الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة، وفقا للمصادر ذاتها، التي أكدت لـ"العربي الجديد"، أن هذه الخلافات ستؤثر على طبيعة التحالفات الانتخابات داخل القوى السياسية الشيعية بالانتخابات المقبلة.

وأخيراً، وصف الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق"، الوضع الحالي بـ"الصيف الساخن"، متهما جهات سياسية لم يسمها بأنها "تمنح الحماية للفياض"، وتعمل على الإبقاء عليه لغاية ما بعد إجراء الانتخابات. وعقب ذلك، هاجم عضو البرلمان أحمد الموسوي، رئيس هيئة الحشد الشعبي، موجهاً له حزمة من التهم، بضمنها "تعيين 1500 عنصر في الحشد بعد تدريبهم وتجهيزهم من تركيا"، وفق زعمه، معتبرا وجود الفياض في "الحشد الشعبي" "نقطة سوداء تجب إزالتها بأسرع وقت"، بحسب تعبيره.

عضو البرلمان العراقي، ماجد شنكالي، قال إن "الخلافات الحالية في الحشد الشعبي وقضية رئاسته، جزء من صراع سياسي وانتخابي، وللأسف فإن الصراع بعيد كل البعد عن حقوق المقاتلين أو أحوالهم الاقتصادية وتحسين دورهم العسكري"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "الصراع يشمل المواقع المهمة والحساسة داخل الحشد، وهناك اختلاف على توزيع هذه المناصب ما بين أقطاب الخلاف الواضحة والمتداولة في الإعلام، وقد يزداد هذا الخلاف خلال الفترة المقبلة وتحديداً مع اقتراب موعد الانتخابات".

بدوره، أشار الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي، إلى أن "التنافس الانتخابي ستتضح معالمه خلال الأسابيع الماضية، من خلال الفضائح وكشف الفساد وتحديداً بين أطراف تحالف الإطار التنسيقي، وحملات تنافس حول المناصب داخل المؤسسات الهامة مثل هيئة الحشد الشعبي"، معتبراً، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هيئة الحشد الشعبي ستبقى تمثل عقدة سياسية، كونها بلا قانون والتنافس الشيعي عليها يرجع إلى الحصة المالية الكبيرة التي تنعم بها هذه الجهة".

ويضم الحشد الشعبي أكثر من 70 فصيلاً وتشكيلاً مسلحاً في البلاد، بعدد من المنتسبين إلى أكثر من 200 ألف منتسب، موزعين على مختلف الفصائل، بعدما كانوا حتى عام 2021 قرابة 140 ألف مقاتل، وزاد عديدهم من جراء إضافة الفصائل منتسبين جدد لها، وآخرين يعرفون بـ "المفسوخة عقودهم"، ناهيك بتعيين آلاف الشباب لدوافع سياسية وانتخابية، وتبلغ موازنة الحشد الشعبي ما يقرب من 4 تريليونات دينار عراقي، أي نحو مليارين ونصف المليار دولار (الدولار يساوي 1500 دينار عراقي).

يُشار إلى أن "هيئة الحشد الشعبي" تأسست بشكل رسمي عام 2016 بعد تصويت مجلس النواب على قانون تشكيلها الذي حمل الرقم 40. وفي عام 2020، تمت معادلة راتب عنصر "الحشد الشعبي"، برواتب الجنود في الجيش العراقي، والبالغ واحدها مليوناً و250 ألف دينار، أي ما يعادل قرابة الألف دولار شهرياً، إلى جانب منحهم نفس المخصصات المتعلقة بالسكن وغيرها، مع التأكيد بتوزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عملياً ما زال كل فصيل مسلح (في الحشد) يحافظ على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلاً عن تقاسم مناطق النفوذ والوجود بين مختلف المحافظات التي ينتشر بها.

Read Entire Article