الأمن واليورانيوم "حجر أساس" إيران في التقرب من النيجر

1 week ago 6
ARTICLE AD BOX

<p class="rteright">الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي (يمين) مع وزير الخارجية النيجري الحالي باكاري ياو سانغري (أ ف ب)</p>

دفعت إيران بجهود دبلوماسية وسياسية جديدة من أجل تعزيز نفوذها في النيجر، البلد الغني بثرواته خصوصاً اليورانيوم، من خلال تقديم عروض أمنية لنيامي العاصمة التي تعاني تصاعد الهجمات المسلحة التي تشنها جماعات مرتبطة بتنظيمات إرهابية وأخرى متمردة.

وحاولت إيران الاستفادة من الانقلاب العسكري، الذي شهدته النيجر منذ ثلاثة أعوام، والذي قام به قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبدالرحمن تياني، وسارعت طهران إلى إعلان استعدادها للتعامل مع السلطات الجديدة بخلاف بقية الدول التي نددت بالتغيير الذي حدث.

ومنذ ذلك الحين، تواترت المحادثات بين المسؤولين الإيرانيين ونظرائهم النيجريين في ما بدا وكأنها خطوات لترسيخ طهران نفسها لاعباً قوياً داخل البلد الواقع في الساحل الأفريقي، والذي يئن تحت وطأة هجمات الجماعات المسلحة.

 

تعاون بصدد التطور

وأماطت أخيراً مجلة "لو بوان" الفرنسية اللثام عن زيارة رفيعة المستوى قام بها وفد أمني إيراني إلى العاصمة النيجرية مطلع مايو (أيار) الماضي، برئاسة القائد العام لقوات الأمن الداخلي الإيراني الجنرال أحمد رضا رادان. وتضمنت الزيارة التي وُصفت بأنها "استثنائية" توقيع مذكرة تفاهم أمنية، ركزت على تبادل المعلومات وتدريب القوات النظامية وتطوير التعاون الاستخباري بين الجانبين، مما يعكس رغبة من طهران في لعب دور أمني داخل النيجر.

وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية محمد تورشين "بلا شك التعاون الاستخباري بين النيجر وإيران كبير ووصل إلى مراحل متقدمة، وأعتقد أن طهران تحاول دعم جيوش المنطقة بأكملها بالطائرات المسيرة والانتحارية ومن خلال تقديم دعم في المجال الأمني"، وتابع تورشين "أعتقد أن هذا الأمر سيفتح الآفاق أمام إيران لتوطيد وتمديد نفوذها في النيجر والمنطقة برمتها مقابل الحصول على اليورانيوم، وإيجاد أسواق جديدة لمنتجاتها باعتبار أن نيامي وبقية العواصم في الساحل الأفريقي لن تلتزم بالعقوبات المفروضة على طهران"، وشدد على أن "التعاون بين النيجر وإيران، في اعتقادي، بصدد التطور وقد يرتقي لاحقاً إلى تدريب القوات النيجرية داخل إيران، وقد تحصل نيامي على مسيرات ومعدات أخرى، وربما يشمل التعاون لاحقاً بقية دول الساحل".

 

ساحة صراع نووي

والمخاوف الغربية من تمدد إيران في النيجر ليست وليدة اللحظة، إذ سبق وأفادت تقارير غربية خلال وقت سابق بأن طهران تسعى إلى إبرام صفقة مع نيامي تحصل بموجبها على 300 طن من الكعك الأصفر. وبالفعل، تغري ثروات النيجر من اليورانيوم طهران شأنها شأن عواصم أخرى، إذ تحتل البلاد الواقعة غرب أفريقيا المركز الرابع عالمياً من حيث احتياطات اليورانيوم بنسبة خمسة في المئة.

وكانت لشركة "أورانو" الفرنسية اليد الطولى في استغلال يورانيوم النيجر منذ عقود، لكن السلطات الانتقالية داخل هذا البلد دخلت في خلافات حادة مع الشركة المذكورة مما دفعها إلى التحرك من أجل بيع أصولها هناك والمغادرة، وسط غموض حول من سيخلفها في استغلال مناجم اليورانيوم الضخمة.

وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية وليد عتلم إن "التحرك الإيراني تجاه النيجر يترجم التغلغل الإيراني في أفريقيا ما بعد الثورة الإيرانية 1979، حيث وجدت إيران في أفريقيا ضالتها المنشودة، وأصبحت بمثابة الحديقة الخلفية لإيران من أجل كسر العزلة الدولية المفروضة عليها من جانب، ومن جانب آخر الحصول على حاجاتها من المواد الخام بعد إغلاق الأسواق العالمية في وجه إيران نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها"، وتابع عتلم في تصريح خاص أن "بدء إيران البرنامج النووي زاد من أهمية الحاجة لأفريقيا، وبخاصة دول الغرب التي تعد أحد أهم مراكز الاحتياط العالمي من اليورانيوم، وهنا على وجه التحديد تبرز النيجر، منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، والبرنامج النووي الإيراني يسير في مسار تصاعدي، إذ رفعت طهران نسبة التخصيب إلى ما يتجاوز 60 في المئة واقتربت فنياً من القدرة على إنتاج سلاح نووي، بحسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، وشدد على أنه "على رغم جولات التفاوض غير المباشرة في فيينا ومسقط، لا تزال الفجوة قائمة بين مطالب إيران مثل رفع شامل للعقوبات وتقديم ضمانات، ومطالب واشنطن التي تتمثل في تقييد دائم للبرنامج وإدراج الملف الصاروخي والإقليمي، ووسط هذا الجمود بدأت طهران البحث عن أدوات ضغط غير تقليدية، وكان التوجه نحو النيجر الغنية باليورانيوم، إحدى أبرز هذه الأدوات".

ولفت الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية إلى أن "إيران تسعى منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018 إلى تنويع مصادر الحصول على اليورانيوم الطبيعي، لتأمين حاجات برنامجها النووي، خصوصاً مع ارتفاع نسبة تخصيب اليورانيوم لديها إلى 60 في المئة وهو ما يقترب من العتبة العسكرية (90 في المئة). والنيجر التي تمتلك نحو خمسة في المئة من الاحتياط العالمي تمثل لإيران فرصة استراتيجية حيوية لكسر عنق الزجاجة في هذا المسار، وبخاصة في ظل تقويض سلاسل التوريد التقليدية بفعل العقوبات الدولية"، وتابع أن "النيجر تعد ركيزة أساس في أمن الطاقة النووية العالمي نظراً إلى احتياطاتها الضخمة من اليورانيوم، وهي الدولة التي طالما شكلت حديقة خلفية للنفوذ الفرنسي، لا سيما من خلال شركة ’أورانو‘ التي احتكرت استغلال المناجم لعقود، بيد أن انقلاب يوليو (تموز) 2023 وسقوط نظام محمد بازوم غيرا المعادلة وفتحا الباب أمام شراكات جديدة تبحث عن تعزيز السيادة الوطنية والتنويع الاقتصادي. وإيران، بدورها، رأت في هذه التحولات فرصة سانحة لتقوية حضورها عبر اتفاقات أمنية واعدة تمهد الطريق لاتفاقات اقتصادية أكثر عمقاً، وفي القلب منها طموح الوصول إلى موارد اليورانيوم". واستنتج عتلم أن "النيجر تتحول إلى ساحة صراع نووي ناعم، وللمرة الأولى منذ الحرب الباردة تصبح النيجر نقطة التقاء بين الطموح النووي الإيراني والأمن القومي الأميركي، والصراع حول مواردها لم يعد اقتصادياً فحسب حول اليورانيوم، بل أصبح استراتيجياً نووياً وجيوسياسياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحت أنظار الروس

والتساؤل الملح الذي يفرض نفسه بشدة الآن، هل تنجح إيران في فرض نفسها رقماً صعباً في معادلة النيجر؟

أجاب الباحث السياسي النيجري محمد أوال بأن "التوغل الإيراني في النيجر ليس وليد اللحظة، إذ قدمت طهران دعماً سياسياً سخياً منذ انقلاب الـ26 من يوليو 2023، عندما كان الانقلابيون العسكريون في عزلة إقليمية ودولية واستُقبل مسؤولون من الصف الأول ورُحب بما قاموا به"، مضيفاً في تصريح خاص أن "الواقع تغير الآن، إذ أصبحت روسيا اللاعب الأول في النيجر من خلال وجود عسكري مباشر يتمثل في مئات العناصر من الجنود الذين يتبعون الفيلق الأفريقي، لذلك أعتقد أن التمدد الإيراني يتم تحت أنظار الروس الذين، بلا شك، لهم خشية من أن تحاول طهران طرح نفسها بديلاً عنهم"، وأكد أنه "في حال قدمت إيران عروضاً أمنية أو حاولت المس من نفوذ روسيا في النيجر، فأعتقد أن موسكو ستتحرك ضدها ونرى صداماً بين الطرفين في البلاد، أما في ما يخص اليورانيوم فإيران تسعى بالفعل إلى الحصول على مئات الأطنان، لكن لم يتم التوقيع الرسمي بعد بين الطرفين".

تحد مزدوج

هذه التطورات تأتي خلال وقت يسود فيه الجمود المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران الرامية إلى التوصل إلى "اتفاق سلام نووي"، واضطرت واشنطن إلى سحب قواتها من النيجر بطلب من السلطات العسكرية الانتقالية هناك، لكن إيران وطدت علاقاتها معها في تطور يعكس طموحها لترسيخ موطئ قدم لها داخل غرب القارة السمراء.

وعدَّ عتلم أن "أية صفقة إيرانية-نيجرية في شأن اليورانيوم لا تُقرأ بمعزل عن محاولات طهران تقوية أوراقها التفاوضية في أية مفاوضات نووية مع الولايات المتحدة، وقال "تمثل أية صفقة محتملة بين نيامي وطهران تحدياً مزدوجاً، فهي انتهاك محتمل لقرار مجلس الأمن 2231 بما يتطلب إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أنها تهديد استراتيجي مباشر لمصالح الغرب وذلك بمنح إيران منفذاً غير شرعي إلى موارد نووية جديدة تستخدم لتعزيز قدراتها النووية، سواء لأغراض عسكرية أو كأداة تفاوض"، وتابع "لذلك، طرحت واشنطن المسألة ضمن مفاوضاتها المباشرة مع النيجر خلال مارس (آذار) 2024، وهددت بعقوبات على أي طرف يشارك في هذا المسار. ومن هنا نفهم وصف الصفقة بالخط الأحمر".

subtitle: 
حاولت طهران الاستفادة من الانقلاب العسكري الذي شهدته نيامي منذ 3 أعوام
publication date: 
السبت, يونيو 7, 2025 - 11:30
Read Entire Article