الاقتصاد الياباني يفقد مكانته: ركود وتضخم في كماشة "العقود الضائعة"

1 week ago 4
ARTICLE AD BOX

يواجه الاقتصاد الياباني تحديات واسعة النطاق، زادتها حدة الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على العالم. إذ فقدت اليابان مكانتها كأكبر دولة دائنة في العالم لأول مرة منذ 34 عاماً، على الرغم من تسجيلها مستوى قياسياً من الأصول الخارجية. بلغ صافي الأصول الخارجية لليابان 533.05 تريليون ين (3.7 تريليونات دولار) بنهاية عام 2024، بزيادة قدرها 13% تقريبًا عن العام السابق، وفقًا للبيانات الصادرة عن وزارة المالية يوم الثلاثاء.

وبينما يُمثل هذا الرقم أعلى مستوى له على الإطلاق، وفق وكالة "بلومبيرغ"، فقد تجاوزته ألمانيا، التي بلغ صافي أصولها الخارجية 569.7 تريليون ين. وحافظت الصين على المركز الثالث بأصول صافية بلغت 516.3 تريليون ين. وكانت اليابان قد بدأت مسيرتها في الصدارة بتجاوز ألمانيا في عام 1991.

إن الأصول الأجنبية الصافية لأي بلد هي قيمة أصوله الخارجية مطروحاً منها قيمة أصوله المحلية المملوكة للأجانب، بعد تعديلها وفقاً للتغيرات في قيم العملات، وينعكس الرقم بشكل أساسي في التغير التراكمي في الحساب الجاري للبلد. وأشار وزير المالية كاتسونوبو كاتو يوم الثلاثاء إلى أنه غير منزعج من هذا التطور.

وقال كاتو للصحافيين: "نظراً لأن الأصول الخارجية الصافية لليابان كانت تتزايد باطراد، فإن الترتيب وحده لا ينبغي أن يؤخذ كعلامة على أن وضع اليابان قد تغير كثيراً".

إلا أن هذا المؤشر لا يأتي منعزلاً عن تطورات اقتصادية سلبية أخذت تلاحق الاقتصاد الياباني أخيراً. الأسبوع الماضي تبين انكماش الاقتصاد الياباني بوتيرة أعلى من المتوقع في الربع الأول من عام 2025، بحسب البيانات الرسمية للفترة من يناير/ كانون الثاني إلى مارس/ آذار الماضي.

انكمش الناتج المحلي الإجمالي لليابان بنسبة 0.2% مقارنة بالربع السابق، وهو أول انخفاض ربع سنوي منذ الفترة من يناير إلى مارس في عام 2024. ومع ذلك، مقارنةً بالربع نفسه من العام السابق، انكمش الاقتصاد الياباني بنسبة 0.7%، وهو ما يزيد كثيراً على الانكماش المتوقع بنسبة 0.2%. 

أزمات الاقتصاد الياباني

يُعزى هذا الانخفاض كثيراً إلى انخفاض الصادرات، التي تُحرك الاقتصاد الياباني. وتُشير البيانات إلى تراجع الطلب على الصادرات حتى قبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية شاملة . 

في الثاني من إبريل، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 24% على البضائع اليابانية. كذلك فرضت رسوماً إضافية بنسبة 25% على السيارات. تُعدّ الولايات المتحدة أكبر سوق لصناعة السيارات اليابانية. 

ومن المقرر أن تدخل الرسوم الجمركية حيز التنفيذ في يوليو/تموز بعد فترة السماح، ما لم تتمكن اليابان من التفاوض على اتفاق. 

وقال ريوتارو كونو، كبير الاقتصاديين في بنك بي إن بي باريبا، لوكالة فرانس برس: "إن حالة عدم اليقين تفاقمت كثيراً بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، ومن المرجح أن يصبح اتجاه التباطؤ الاقتصادي أوضح بدءاً من (الربع الثاني) فصاعداً". 

الركود على الأبواب

لقد أصبح الاقتصاد الياباني ضعيفاً منذ فترة طويلة، حيث تعمل الشيخوخة السكانية على تضخم الإنفاق على الرعاية الاجتماعية، ولكنها تحدّ من العمالة والطلب.

لقد حافظ البنك المركزي الياباني لفترة طويلة على سياسة أسعار الفائدة السلبية لتعزيز الاقتصاد، لكنه بدأ برفع أسعار الفائدة تدريجياً العام الماضي. قال يوشيكي شينكي، كبير الاقتصاديين التنفيذيين في معهد داي-إيتشي لايف للأبحاث، لوكالة رويترز، إن الاقتصاد الياباني "يفتقر إلى محرك للنمو في ظل ضعف الصادرات والاستهلاك. وهو معرض بشدة لصدمات مثل تلك الناجمة عن رسوم ترامب الجمركية". 

وقال إن "البيانات قد تؤدي إلى دعوات متزايدة إلى زيادة الإنفاق المالي"، مضيفاً أنه "لا يمكن استبعاد إمكانية دخول الاقتصاد في حالة ركود، اعتماداً على درجة الضغوط الهبوطية الناجمة عن قضية التعرفات الجمركية".

وخفّض بنك اليابان في مايو توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2025 إلى 0.5% فقط، مقارنةً بتوقعاته السابقة البالغة +1.1% الصادرة في يناير. كذلك خفّض توقعاته للنمو للعام المقبل إلى 0.7%، مقارنةً بتوقعاته السابقة البالغة +1.0%.

وقال البنك المركزي الياباني في بيان إنّ "من المرجح أن يتباطأ النمو الاقتصادي في اليابان، حيث تؤدي التجارة والسياسات الأخرى في كل ولاية قضائية إلى تباطؤ الاقتصادات الخارجية وانخفاض أرباح الشركات المحلية وعوامل أخرى". لكن البنك أشار إلى أن الحرب التجارية المتقطعة ألقت بظلالها على توقعاته.

العقود الضائعة

ويشير تقرير لـ"ذا ديبلومايت" في مايو إلى أن ولاية كاليفورنيا تجاوزت اليابان لتصبح رابع أكبر اقتصاد في العالم، حيث يبلغ اقتصاد كاليفورنيا الآن 4.1 تريليونات دولار مقارنة بالاقتصاد الياباني البالغ 4.02 تريليونات دولار. وفي حين أن البعض قد يعزو هذا التحول إلى تقلبات العملة أو ديناميكيات السوق المؤقتة، فإنه لا يمكن تجاهل الثقل الرمزي لهذا التطور.

كاليفورنيا، وهي ولاية أميركية واحدة فقط، تتفوق الآن على اليابان، التي كانت ذات يوم نموذجاً للنهضة الاقتصادية بعد الحرب. ويشير هذا الانعكاس في التأثير الاقتصادي بدرجة أقل إلى الصعود السريع لكاليفورنيا وأكثر إلى الركود المستمر للاقتصاد الياباني والتركيبة السكانية والهياكل المجتمعية الأوسع.

وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، عانى الاقتصاد الياباني من انخفاض النمو والضغوط الانكماشية والانحدار الديمغرافي، حيث انخفض عدد السكان إلى 120.3 مليون شخص في عام 2024، بانخفاض يقرب من 900000 عن العام السابق. 

إن التحديات الحالية التي تواجه اليابان تتناقض بشكل صارخ مع صعودها الاقتصادي الملحوظ بعد الحرب. فمنذ الخمسينيات وحتى الثمانينيات، حققت اليابان واحدة من أسرع فترات النمو وأكثرها استدامة في التاريخ الحديث، حيث نمت بمعدل 4.1 في المائة سنويًا في المتوسط ​​من عام 1980 إلى عام 1988.

ومن خلال مزيج من السياسة الصناعية والتصنيع الذي يقوده التصدير والقوى العاملة المنضبطة، تحولت البلاد من دولة مزقتها الحرب إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم بحلول التسعينيات. وأصبحت السيارات اليابانية والإلكترونيات والتصنيع الدقيق مرادفاً للجودة والكفاءة العالمية.

ولكن هذا العصر من الرخاء زرع أيضاً بذور المشاكل المستقبلية. كانت فقاعة أسعار الأصول في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، والركود المطول الذي أعقب انفجارها في تسعينيات القرن العشرين، بمثابة بداية ما أصبح يُعرف بـ"العقود الضائعة" في اليابان. وفيما تطور الاقتصاد العالمي بسرعة، كافحت اليابان للتكيف.

على مدى العقود التي تلت انفجار الفقاعة، حاولت كل إدارة يابانية، دون جدوى في كثير من الأحيان، إعادة تنشيط النمو. وقد أصبح الإنفاق الضخم على البنية التحتية العامة، وأسعار الفائدة القريبة من الصفر، بل وحتى السلبية، وجولات التيسير الكمي المتكررة، السمات المميزة للسياسة النقدية والمالية اليابانية. ومع ذلك، لم يُحفّز الإنفاق وحده نمواً طويل الأجل، ولا تزال البنية التحتية المتقادمة تُشكّل تحدياً.

من بين التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه اليابان، انهيارها الديمغرافي. تمتلك البلاد الآن واحداً من أعلى معدلات أعمار السكان في العالم، حيث يبلغ عمر ما يقرب من 30 في المائة من المواطنين فوق سن 65 عاماً. وقد أدى هذا التحول الديمغرافي إلى تقلص القوى العاملة، وارتفاع نسب الإعالة، وإلى وقوع نظام الرعاية الصحية تحت ضغط هائل، مع زيادة تكاليف الرعاية الصحية من 5.7 في المائة إلى 8.24 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من عام 2000 إلى عام 2022.

Read Entire Article