الانتخابات البرلمانية العراقية: جدل بشأن آلية اختيار رئيس الوزراء

1 day ago 4
ARTICLE AD BOX

في خضمّ تحديات سياسية واقتصادية وأمنية جمّة، تتجه الأنظار مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العراقية بشكل مبكر نحو آلية اختيار رئيس الوزراء المقبل في العراق، وسط مخاوف من مخاض عسير يعكس تعقيدات المشهد السياسي في البلاد والمفاوضات الماراثونية بين الكتل السياسية المختلفة، فيما تتوقع أطراف سياسية عراقية بأن يكون للعامل الخارجي دور مهم وفاعل في حسم الملف.

الانتخابات البرلمانية العراقية في 11 نوفمبر

وحددت الحكومة، في وقت سابق،11 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل موعداً رسمياً لإجراء الانتخابات البرلمانية العراقية بنسختها السادسة منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، فيما أكد مراقبون أن هذه الخطوة جاءت بعد ضغوط تعرض لها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من قبل بعض قادة تحالف الإطار التنسيقي.

ويقول عائد الهلالي، السياسي المقرب من السوداني، لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد سلسلة التطورات السياسية المتسارعة التي شهدها العراق أخيراً، عاد ملف اختيار رئيس الوزراء إلى واجهة الجدل السياسي، في ظل تغييرات ميدانية وتحالفات جديدة تعيد رسم ملامح السلطة وتوازناتها داخل البرلمان وخارجه. وفي هذا السياق، تُطرح تساؤلات جدية حول الآلية التي ستُعتمد لاختيار رئيس الوزراء الجديد، وهل سيُعتمد مجدداً على عدد المقاعد البرلمانية، أم أن هناك آلية جديدة قيد التبلور؟ وهل سيبقى العامل الخارجي هو صاحب التأثير الأقوى في حسم هذا المنصب الحساس؟".

عائد الهلالي: لا يمكن إغفال العامل الخارجي الذي لطالما أدى دوراً حاسماً في اختيار رؤساء الحكومات

تفسيرات مرنة للنص الدستوري

ويبين الهلالي أنه "في الأنظمة البرلمانية كالعراق، يفترض أن الكتلة الأكبر داخل مجلس النواب هي التي تملك حق ترشيح رئيس الوزراء، لكن تجربة السنوات الماضية أظهرت أن هذا النص الدستوري خضع لتفسيرات مرنة، وتجاوزات واقعية، حوّلت هذا الحق إلى عملية توافقية بين القوى الشيعية بشكل رئيس، مع مراعاة مواقف الأكراد والسُنّة، ما يجعل العدد البرلماني مهماً لكن ليس حاسماً". ويلفت إلى أن "التطورات الأخيرة، وعلى رأسها تراجع بعض القوى التقليدية، وبروز تيارات احتجاجية وإصلاحية، أعادت النقاش حول ضرورة تطوير آليات الترشيح، لتكون أكثر شفافية ومؤسساتية، وربما تدفع باتجاه اعتماد معايير مهنية إلى جانب الوزن البرلماني، مثل الكفاءة، والمقبولية المجتمعية، والخبرة الإدارية، لا سيما مع تنامي الضغط الشعبي والمطالبات بالإصلاح السياسي الحقيقي".

ويؤكد الهلالي أنه "رغم ذلك، لا يمكن إغفال العامل الخارجي، الذي لطالما أدى دوراً حاسماً في اختيار رؤساء الحكومات العراقية، سواء من خلال التوافقات الإقليمية، أو عبر التأثير الدولي غير المباشر، وفي المرحلة المقبلة، من المرجح أن يستمر هذا العامل، خاصة إذا ما تباينت المواقف بين الأطراف العراقية، أو فشل البرلمان في التوافق على مرشح واضح، وتبقى الدول الفاعلة، كإيران والولايات المتحدة، صاحبة نفوذ في هذا السياق، وإن كان بدرجات متفاوتة حسب التوازنات الإقليمية والدولية". ويتابع أنه من المرجح أن تكون آلية اختيار رئيس الوزراء المقبل مركبة، تستند إلى عدد المقاعد جراء الانتخابات البرلمانية العراقية "لكنها محكومة بتوافقات داخلية عميقة، ومتأثرة بحسابات خارجية دقيقة، أما الأمل بإصلاح حقيقي فيكمن في تبني معايير وطنية صادقة وشفافة تضمن اختيار شخصية قيادية كفؤة، تمثل إرادة العراقيين أولاً، وتعمل على معالجة التحديات الكبرى التي تواجه البلاد".

تنافس بين الكتل الشيعية

من جهته، يقول نائب الأمين العام لحركة "نازل آخذ حقي الديمقراطية" خالد وليد، لـ"العربي الجديد"، إنه "من المعروف للجميع أن عملية اختيار رئيس الوزراء بحكم العرف السياسي في العراق هي للمكون الشيعي، وهنا يبدأ فصل آخر من التنافس بين القوى الشيعية الكبيرة". ويشير الى أنه "اليوم يبدو أن السوداني ذاهب باتجاه تشكيل معادلة سياسية جديدة من خلال تحالف انتخابي بزعامته، وتفاهمات سياسية مع أطراف سياسية أخرى تمهيداً لتوليه رئاسة الوزراء مرة أخرى، وهذا ما يقلق قوى في الإطار ويجعلها تتحدث باستمرار أن عملية اختيار رئيس الوزراء لا تتم وفق الحجم الانتخابي، بل وفق تفاهمات سياسية لعدة قوى سياسية وفي مقدمتها قوى الإطار". ويرى أنه "وسط هذا الواقع المعقد تبرز قضية قدرة رئيس الوزراء الحالي على تشكيل ائتلاف انتخابي وتفاهمات سياسية مع عدة أطراف مستثمراً الضغط الإقليمي والدولي، وتراجع نفوذ بعض الدول في الساحة العراقية من أجل تجديد تكليفه برئاسة الوزراء". ويشير إلى أنه "سيكون للعامل الخارجي تأثير كبير في تحديد البوصلة وحسم الخيارات التي ستقترب بشكل أو آخر من الشكل النهائي للشرق الأوسط الكبير مع انحسار المحور الشرقي لحساب المحور الغربي".

أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، علي التميمي، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنه "في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية، خصوصاً المباحثات غير المعلنة بين الولايات المتحدة وإيران، يُتوقع أن آلية اختيار رئيس الوزراء العراقي المقبل لن تُبنى فقط على عدد المقاعد البرلمانية، بل على توازنات أعقد تشمل العامل الخارجي، وثمة حديث متزايد عن ضغوط أميركية على طهران لخفض نفوذها في العراق أو إعادة تموضعه، ما يجعل الملف العراقي حاضراً بقوة على طاولة التفاوض بين الطرفين". ويبين التميمي أنه "داخلياً، الإطار التنسيقي يواجه خلافات حادة حول شكل الحكومة المقبلة وهوية مرشح رئاسة الوزراء، ما يُضعف موقفه التفاوضي ويجعل من التوافق الداخلي مهمة شاقة، ومع غياب التيار الصدري عن الانتخابات البرلمانية العراقية تزداد هشاشة الشرعية الشعبية لأي تسوية". ويضيف أنه "يبدو أن المعايير المقبلة لن تُبنى على الكتلة الأكبر، بل على مرشح تسوية يحظى بقبول أميركي-إيراني، مع قدرة على التهدئة الداخلية، فالعراق يدخل مرحلة تُدار فيها السلطة بمنطق التوازنات، لا النصوص الدستورية".

علي التميمي: الإطار التنسيقي يواجه خلافات حادة حول شكل الحكومة المقبلة وهوية مرشح رئاسة الوزراء

بالمقابل، يقول عدي الخدران، القيادي في تحالف الفتح، أحد أبرز قوى الإطار التنسيقي الحاكم في العراق، في تصريح صحافي أخيراً، إن "الحديث عن وضع فيتو من قبل بعض قوى الإطار التنسيقي على تجديد الولاية الثانية لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني غير صحيح، ولا يوجد هكذا رفض من أي طرف سياسي داخل الإطار، كما أن هذا الأمر لم يناقش من الأساس ما بين هذه الأطراف". وبرأيه فإن "حسم الولاية الثانية للسوداني من عدمها سيكون بعد انتهاء عمر الحكومة العراقية الحالية، وبعد إجراء تقييم شامل لعمل السوداني ونجاحه بإدارة الحكومة والملفات المهمة والحساسة، وإذا كان التقييم إيجابياً فمن المؤكد سيكون له تجديد، وبخلاف ذلك لا تجديد له خاصة وأن نجاح السوداني هو نجاح الإطار الذي شكل هذه الحكومة ودعمها ومازال يدعمها، فبهذه الطريقة تحسم ولاية السوداني الثانية".

وشهد العراق بعد الغزو الأميركي في عام 2003، خمس عمليات انتخاب تشريعية، أولاها في 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقلّ من عام)، فيما كانت الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وجرى اعتماد قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة في النسخ الأربع الأولى. والانتخابات الأخيرة في العام 2021 أُجريت وفق الدوائر المتعدّدة، بعد ضغط قوي من الشارع والتيار الصدري لإجراء هذا التعديل الذي كان يعارضه "الإطار التنسيقي". وفي مارس/ آذار 2023، صوّت البرلمان على التعديل الثالث لقانون الانتخابات البرلمانية العراقية الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة.

Read Entire Article