التوترات تصيب أسواق الخليج... تراجع البورصات ومخاطر نفطية

20 hours ago 2
ARTICLE AD BOX

انعكس تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وإيران، بشكل مباشر على مؤشرات البورصات الخليجية وأسعار النفط، ما سلط الضوء على التداعيات المحتملة لقرع طبول الحرب على اقتصادات دول المنطقة، المعتمدة على الطاقة.
ففي مطلع تداولات أمس الخميس، سجلت الأسواق الخليجية هبوطاً جماعياً، بعد قرار واشنطن بنقل جزء من موظفيها الدبلوماسيين والعسكريين من الشرق الأوسط، في خطوة تعكس حجم القلق من احتمالات انزلاق الوضع إلى مواجهة مباشرة مع إيران، وفقاً لما أورده تقرير نشرته وكالة رويترز.
وكانت المؤشرات الرئيسية في السعودية والإمارات الأكثر تضرراً، حيث فقد المؤشر العام السعودي 1.3%، مع تراجع شبه جماعي لأسهم الشركات القيادية، بما في ذلك "أرامكو" التي هبطت بنسبة 0.4%، و"مصرف الراجحي" الذي خسر 0.6%.
وفي دبي، تراجع المؤشر صباحاً بنسبة 1.7%، وهو أكبر انخفاض يومي منذ إبريل/نيسان الماضي، مدفوعاً بخسائر حادة لأسهم العقارات، بينما انخفض مؤشر أبوظبي بنسبة 1% متأثراً بتراجع سهم "أدنوك للغاز" بنحو 2%.
يأتي ذلك فيما أظهرت مؤشرات وول ستريت انكماشاً ملحوظاً، حيث تراجع مؤشر "داو جونز" للعقود الآجلة بنحو 260 نقطة، و"إس آند بي 500" بـ25 نقطة، بينما هبط "ناسداك" 100 نقطة بحلول ظهر الخميس.
وعلى مستوى أسواق النفط، قفزت أسعار الخام بأكبر نسبة يومية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024، حيث تجاوز خام "برنت" حاجز 70 دولاراً للبرميل، بينما صعد خام "غرب تكساس" إلى 68.80 دولاراً.
ويأتي هذا الارتفاع المُفاجئ في أعقاب قرار الإدارة الأميركية بإخلاء جزئي لموظفي سفارتها في بغداد، وسماحها لعائلات العسكريين بمغادرة البحرين وقطر، ما أثار مخاوف من اضطراب الإمدادات من العراق، ثاني أكبر منتج في "أوبك".

كما حذرت وكالة السلامة البحرية البريطانية السفن من الاقتراب من مضيق هرمز - الممر الاستراتيجي لنحو 30% من النفط العالمي، وذلك بعد تصريحات لوزير الدفاع الإيراني، عزيز نصير زاده، لوح فيه باستهداف القواعد الأميركية في الخليج حال اندلاع صراع مع الولايات المتحدة.
وتبدو هذه التداعيات مرشحة للاستمرار في الأيام المقبلة، إذ من المقرر عقد اجتماع بين المبعوث الأميركي ووزير الخارجية الإيراني في مسقط يوم الأحد المقبل، بينما أعلنت إسرائيل استعدادها الكامل لـ "عمليات عسكرية محتملة"، ما يبقي سيناريو "الخطر القائم" مهيمناً على المشهد الاقتصادي خلال الفترة المقبلة، بحسب تقدير نشرته منصة FXStreet المتخصصة في أخبار وتحليلات الأسواق العالمية.
 

الشحن البحري والاستثمارات الأجنبية

بحسب التقدير ذاته، فمن شأن أي تصعيد عسكري أن يهدد خطوط الشحن البحرية الحيوية في الخليج بالتعطل، حيث تعتمد دول مثل السعودية والإمارات على مضيق هرمز في تصدير 85% من نفطها، كما قد تؤدي المخاطر الجيوسياسية إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية من أسواق الأسهم الخليجية، خاصة مع تراجع الدولار إلى أدنى مستوياته منذ 2023، ما يزيد ضغوط العملات المرتبطة به، ومنها عملات أغلب دول مجلس التعاون.
ومن جهة أخرى، تفتح التقارير بشأن تعزيز الولايات المتحدة قدراتها العسكرية في منطقة الخليج فرصاً لنمو شركات القطاع الخاص المرتبطة بالتعاقدات الدفاعية، وفقاً لتقدير نشرته منصة AInvest الاقتصادية.

تراجع مؤشرات البورصات

في هذا الإطار، يشير عميد كلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان، بيار الخوري، لـ "العربي الجديد"، إلى أن تراجع مؤشرات البورصات الخليجية يعكس تقاطع عوامل داخلية وخارجية تولد ضغوطاً متزايدة على ثقة المستثمرين واستقرار الأسواق، وهو تقاطع لا يرتبط بعامل واحد فقط، بل بسلسلة من المؤثرات التي تتداخل لتشكل بيئة استثمارية أكثر تعقيداً.
ففي الداخل الخليجي، يواجه عدد من القطاعات الرئيسية، مثل العقارات والتمويل، تباطؤاً نسبياً في وتيرة النمو، وسط بيئة تتسم بتشديد السياسات النقدية وارتفاع تكاليف الاقتراض، نتيجة موجة رفع أسعار الفائدة التي شملت البنوك المركزية في المنطقة بالتزامن مع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، بحسب الخوري، لافتاً إلى أن الاعتماد القوي لبعض الاقتصادات على العوائد النفطية يجعلها أكثر هشاشة أمام تقلبات الأسعار العالمية، رغم الجهود المستمرة لضبط العجز وتحفيز التنويع الاقتصادي.

على الصعيد الخارجي، يضيف الخوري أن التوترات الجيوسياسية، خاصة بين الولايات المتحدة وإيران، تلقي بتأثيراتها السلبية على المزاج الاستثماري، فاحتمال تصاعد المواجهة المباشرة أو غير المباشرة، سواء عبر استهداف مصالح خليجية أو تعطيل محتمل لممرات حيوية مثل مضيق هرمز، يرفع منسوب المخاطر على أسواق المال بشكل مباشر، وكلما اقتربت هذه التوترات من البنية التحتية النفطية أو الموانئ أو خطوط الشحن، زادت ردات فعل الأسواق بانسحابات تكتيكية من المحافظ الأجنبية الكبرى.

توسع العقوبات على إيران

ويشير الخوري، في هذا الصدد، إلى أن توسع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران قد يزيد المشهد تعقيداً، خاصة إذا كان مصحوباً برد فعل عسكري أو هجمات سيبرانية تستهدف منشآت خليجية حيوية، وفي هذا السياق تكون القطاعات الأكثر هشاشة هي: قطاع الطاقة بسبب ارتباطه الوثيق بالتسعير والسيولة، وقطاع البنوك لتأثره بمخاطر التخلف عن السداد، وقطاع العقار الذي يتأثر سريعاً بالتباطؤ الاقتصادي العام وضعف الطلب المحلي والأجنبي.
وهنا يبين الخوري أن بوادر الحذر بدأت تظهر على رأس المال الأجنبي، مع تسجيل تراجع في صافي التدفقات الاستثمارية إلى بعض أسواق الخليج، خاصة في البورصات غير الرئيسية، موضحاً أن المحافظ الاستثمارية قصيرة الأجل تميل إلى اتخاذ موقف دفاعي في أوقات عدم اليقين، ما يفسر ارتفاع وتيرة التسييل في جلسات التداول الأخيرة، خاصة في أسواق مثل دبي والدوحة، مقارنةً ببعض المرونة النسبية في السوق السعودية التي تستفيد من عمقها وتنوعها المؤسسي.
وفي محاولة لاحتواء التأثيرات السلبية، تستجيب الحكومات الخليجية بعدد من السياسات، منها تسريع إعلان مشاريع تنموية، وإطلاق حزم دعم محددة للقطاعات المتضررة، وتخفيف بعض القيود التنظيمية لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، لكن الخوري يرى أن فاعلية هذه السياسات تظل رهناً باستقرار البيئة الإقليمية ووضوح الصورة الجيوسياسية، والتي ما زالت غامضة حتى اللحظة.
 

الأسواق عرضة لتقلبات حادة

في الأفق القصير، يرجح الخوري أن تبقى الأسواق عرضة لتقلبات حادة، وأن تستمر حالة الحذر والتذبذب حتى تتضح معالم مسار التصعيد أو التهدئة بين واشنطن وطهران. أما على المدى المتوسط، فإن العوامل الأساسية للاقتصادات الخليجية، مثل الملاءة المالية وتوجهات التنويع ومشاريع التحول الوطني، تمتلك القدرة النظرية على توفير ارتكازات استقرار جديدة، شريطة تجاوز المرحلة الحالية من دون صدمات كبرى، بحسب تقديره.

ولذا فمن المهم اعتماد دول الخليج على استراتيجيات تحوط أكثر مرونة، وتنويع المحافظ نحو قطاعات داخلية ذات نمو محتمل مثل التكنولوجيا والبنية التحتية، إلى جانب تكثيف التحليل الجيوسياسي في إدارة الأصول، بحسب الخوري، الذي يشدد أيضاً على تعزيز الشفافية في تقارير الشركات وتحسين آليات الإفصاح؛ لتقليل عنصر المفاجأة في السوق.
ويخلص الخوري إلى أن المرحلة الحالية حرجة وتتطلب يقظة سياسية واقتصادية عالية، لأن الرهانات ليست مالية فقط، بل استراتيجية، ترتبط بموقع الخليج في معادلة الطاقة العالمية، وثقة المستثمرين العالميين في أمن المنطقة واستدامة استقرارها.

بيئة غير مستقرة

في السياق، يشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، لـ "العربي الجديد"، إلى أن منطقة الخليج العربي تتجه نحو بيئة غير مستقرة وتواجه عدداً من السيناريوهات المحتملة، بعضها قد يكون كارثياً على اقتصاداتها، خاصة إذا ما امتدت التداعيات إلى البنية التحتية الحيوية أو الممرات البحرية الرئيسية.
ويوضح الشوبكي أن المؤشرات المالية بدأت تعكس هذا الواقع منذ الأيام الأولى من التصعيد الأميركي الإيراني، ما يعزز حالة القلق المتزايدة بشأن مستقبل الاقتصادات الخليجية في ظل التهديدات الأمنية والجيوسياسية، لافتاً إلى أن تراجعات البورصات الخليجية كانت مرشحة لتكون أكبر لولا ارتفاع أسعار النفط الذي سجلت زيادة نسبتها 5% خلال الأيام الماضية، نتيجة المخاوف المرتبطة بمضيق هرمز، وهو الممر الذي ينقل نحو 20% من الطاقة العالمية من النفط والغاز.

ويضيف الشوبكي أن أي تصعيد عسكري بين أميركا وإيران سيحمل انعكاسات مباشرة على أكثر من مستوى، خاصة في ما يتعلق بالقواعد الأميركية المنتشرة في عدد من دول الخليج، التي قد تكون أهدافاً محتملة للصواريخ الإيرانية، ما يزيد من درجة التعقيد الأمني والاقتصادي.
ومن بين السيناريوهات الأكثر خطورة، يلفت الشوبكي إلى احتمال إغلاق إيران مضيق هرمز، ومن ثم حدوث ارتفاع كبير في أسعار الطاقة، قد تصل معه أسعار برميل النفط إلى أكثر من 100 دولار، بعد أن كان سعر برميل "برنت" حوالي 69 دولاراً قبل أيام من التصعيد.
وإضافة إلى ذلك، يشير الشوبكي إلى مخاطر بيئية حقيقية إذا ما جرى استهداف المنشآت النووية الإيرانية، مثل منشأة "بوشهر"، التي تقع على الجانب الإيراني من الخليج العربي، إذ قد يؤدي استهدافها إلى تسرب إشعاعي يطاول مياه الخليج، ويؤثر بشكل مباشر على محطات تحلية المياه في الدول الخليجية التي تعتمد على تحلية مياه الخليج، ما يمثل تهديداً مباشراً للأمن المائي في المنطقة.
وإزاء ذلك، يرى الشوبكي أن تصريحات المسؤولين الخليجيين التي تدعو إلى تجنب الصدام العسكري ليست دعوة بدوافع سياسية فقط، بل بدوافع اقتصادية أيضاً، لأن عدم الاستقرار في المنطقة يؤثر مباشرة على ثقة المستثمرين ويحد من جاذبية الأسواق المحلية.

Read Entire Article