ARTICLE AD BOX
يبدو أنّ الجزائر تتّجه إلى إعادة العمل بعقوبة الإعدام في عدد من القضايا مثل المخدرات، بحسب تلميحات حكومية تزامنت مع ضغوط نيابية وشعبية، خصوصاً مع تفاقم جرائم الاغتصاب والخطف والمخدرات، وذلك بعد أكثر من ثلاثة عقود من تجميد العمل بها من دون إلغائها من مدوّنة العقوبات.
وكان وزير العدل حافظ الأختام الجزائري لطفي بوجمعة قد قال، في خلال ردّه على أسئلة نواب البرلمان مساء أمس، بعد مناقشة مشروع قانون الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، إنّ الجزائر بوصفها دولة "تملك السيادة لاتّخاذ أيّ قرار لمكافحة الجريمة وفقاً للمنظور الذي تراه مناسباً وبالنظر إلى خطورة الوضع"، مضيفاً بالتالي أنّ الدولة الجزائرية قد تعيد تفعيل عقوبة الإعدام في حال رأت أنّ الأمر يتطلب ذلك.
وتشير مثل هذه التصريحات إلى احتمال أكبر لأن تعيد الجزائر تفعيل عقوبة الإعدام بصورة محدودة، وفي قضايا معيّنة مثل الاغتصاب والمخدرات وغيرهما. وتابع وزير العدل ردّه، فوصف الوضع بـ"الخطر" وأشار إلى أنّ ثمّة "حرباً على الجزائر، وتفشياً للمخدرات بشكل خطر، لكنّ سيف العدالة سيطاول رؤوس هذه العصابات ويقطعها". وشدّد بوجمعة على أنّ "لدى الدولة الجزائرية عزماً أكيداً على شنّ حرب ضدّ عصابات المخدرات بلا هوادة، بإصرار أسلاك الأمن والجيش، حتى القضاء على عصابات المخدرات"، موضحاً أنّ "مستوى الخطورة الذي باتت تشكّله المخدرات على البلاد هو الذي دفع السلطات إلى إعادة النظر وإيجاد وسائل ردعية للقضاء على الظاهرة".
وأتى كلام وزير العدل بعد مداخلات من قبل نواب البرلمان، طالبوا فيها بالعودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام في الجزائر. في هذا الإطار، قال النائب عن كتلة حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة، سعيد جناوي، إنّ "القضاء على المخدرات يتطلب مستوى أعلى من الردع والصرامة ضدّ المجرمين والمهرّبين، وتطبيق عقوبة الإعدام قبل أن يكون مطلباً شعبياً هو قصاص". بدوره، قال النائب محمد نيني: "نطالب من على هذا المنبر بالإعدام لكلّ المهرّبين الذين ينشرون المخدرات في أوساط الشبّان"، مشدّداً على "وجوب العودة إلى تطبيق الإعدام في جرائم المخدرات وجرائم القتل".
وكانت مطالبات قد راحت تصدر أخيراً بعد كلّ كشف عن جريمة شنعاء، قتل أو اغتصاب أو تهريب مخدرات، بتطبيق القصاص والإعدام على المجرمين والمتورّطين في تلك القضايا والجرائم. وتأتي المطالبات إذ يرى مطلقوها أنّ من شأن تطبيق عقوبة الإعدام أن يحقّق حالة من الردع ويمنع تكرار الجرائم البشعة ويدفع في اتجاه استعادة المجتمع حقه. يُذكر أنّ الجزائر كانت قد علّقت تطبيق عقوبة الإعدام في عام 1993، وكان المدانون في عملية تفجير المطار في عام 1992 آخر من نُفّذ بحقّهم حكم قضائي بالإعدام.
في المقابل، ثمّة تيار حقوقي في الجزائر يرفض بشدّة العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام، ويصف ذلك بأنّه "ردّة حقوقية عن التزامات الجزائر الدولية". وفي هذا السياق، قال القاضي السابق حبيب عشي إنّ "نواب البرلمان الجزائري يحاولون جرّ البلاد إلى الوراء، عبر دعواتهم إلى رفع التجميد عن عقوبة الإعدام، متجاهلين عمداً التزامات الجزائر الرسمية أمام الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمات الحقوقية الدولية". أضاف أنّ "الدولة الجزائرية عبّرت صراحة منذ عام 1993 عن رفضها تنفيذ هذه العقوبة، وأكّدت ذلك مراراً في تقاريرها الدولية"، مشيراً إلى أنّ الضغط النيابي على الدولة بشأن تفعيل الإعدام قد "يضرّ بمصداقية الجزائر" ويضعها في "موقف حرج أمام شركائها الدوليين" وينسف سنوات من التقدم الحقوقي والدبلوماسي والالتزام والانفتاح الحقوقيَّين.
من جهته، قال الخبير القانوني جمال حديري لـ"العربي الجديد" إنّ "تصريح وزير العدل بشأن سيادة الجزائر في ما يخصّ إمكانية العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام من عدمه كانت تُقصَد به الضغوط التي تنفّذها عادة المنظمات الحقوقية الدولية التي تطالب الدول والحكومات ليس فقد بإلغاء تطبيق عقوبة الإعدام، إنّما كذلك بإلغاء العقوبة وسحبها بصورة كاملة من قوانين العقوبات، إذ إنّها بالنسبة إليها لا تمثّل حلاً وقد تتضمّن أخطاء في الأحكام يصعب جبرها". أضاف حديري: "لكنّني أعتقد أنّ التفكير الرسمي بدأ يميل في السنوات الأخيرة إلى خيار تفعيل الإعدام، في قضايا محدودة، وقد سمعنا رئيس حكومة في حملة انتخابات نيابية سابقة يؤكّد أنّه يؤيّد تطبيق عقوبة الإعدام".
