الجزائر... في الاتجاه الصحيح

2 weeks ago 7
ARTICLE AD BOX

حسناً فعلت الجزائر باستعادة نفس جيد لعلاقاتها مع ثلاث مناطق في الجغرافيا السياسية، لكل منها مسار تاريخي في العلاقة مع الجزائر، إما فرضها الموقع والامتداد الجغرافي وحركة التحرر كأفريقيا، أو صنعتها ظروف وخيارات سياسية مشتركة كمجموعة دول أوروبا الشرقية سابقاً، أو ارتبطت بمحطات تاريخية مؤثرة كدول في جنوب شرقي آسيا. وأخيراً أعادت الجزائر فتح عينيها على هذه المناطق الثرية بالتجارب السياسية والاقتصادية الناجحة، والتي يمكن للجزائر الاستفادة منها لإصلاح اقتصادها الداخلي وإعادة بنائه على قواعد صحيحة خارج اقتصاد الريع النفطي الذي قيّد الجزائر لعقود، خصوصاً مع وجود بعض التقاطعات المشتركة في الخيارات الاقتصادية السابقة. في غضون المرحلة الأخيرة نجحت الجزائر في تحقيق خطوات مهمة في الاتجاه جنوباً نحو العمق الأفريقي سياسياً واقتصادياً وإطلاق مشاريع بنية تحتية باتجاه أفريقيا، خط السكة الحديدية والطريق الصحراوي إلى أبوجا في نيجيريا وطريق الجزائر ـ موريتانيا، توازياً مع تطوير التعاون في قطاعات البنوك والتجارة والدفاع.

وبمناسبة زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى سلوفينيا، وهي واحدة من دول يوغسلافيا السابقة التي ارتبطت مع الجزائر في مسار نضالي مشترك ضمن حركة عدم الانحياز، وكان زعيمها جوزيف تيتو والرئيس الجزائري هواري بومدين أبرز أقطابها، يمكن على سبيل التقدير السياسي الاعتقاد أن هناك التفاتة سياسية جزائرية مهمة نحو الذهاب إلى التقارب مع دول شرق أوروبا، وهي بمثابة الطَرق على أبواب كانت مشرعة بشكل كبير على الجزائر قبل سقوط جدار برلين في التسعينيات. لكن الطَرق هذه المرة يحمل جانباً اقتصادياً يقوم على الطاقة والطاقات البديلة والقطاعات المنتجة للقيمة المضافة، وضمن رغبة متبادلة في التحرر من تبعات وقيود فرضتها الجغرافيا السياسية والاقتصادية على الجزائر من جهة، وعلى هذه الكتلة من الدول (تتطلع إلى الغاز الجزائري للتحرر من التبعية للغاز الروسي على سبيل المثال). سيساعد ذلك الجزائر بشكل كبير على إعادة اكتشاف أوروبا، حيث يوجد في أوروبا ما يمكن أن يشكّل نموذجاً لعلاقات مفيدة، خارج النطاق التقليدي الذي ظل محكوماً بحدود فرنسا والدول الأوروبية العتيقة كألمانيا وبريطانيا وإيطاليا، خصوصاً مع التقلبات والتحولات المدهشة في خرائط العلاقات الدولية.

ما يحتاج إلى جهد سياسي جزائري في الوقت الحالي، وهو متوقع في أفق قريب، هو الاتجاه نحو استئناف احتكاك بمجموعة ثالثة، وهي دول جنوب شرقي آسيا الزاخرة هي الأخرى بتجارب تحوّل سياسي واقتصادي ناجح، مثل إندونيسيا وماليزيا وفيتنام وغيرها. وقد سبق لوزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أن أطلق إشارات في هذا الاتجاه، تحديداً في 29 أغسطس/ آب 2023، بقوله إن الجزائر تعمل على "تحويل محور من محاور السياسة الخارجية نحو آسيا الوسطى وآسيا، فالمستقبل هناك"، وكلمة "المستقبل هناك" تعني الكثير، بل إن الجزائر أعلنت في ديسمبر/ كانون الأول 2023، أنها قدمت طلباً رسمياً للانضمام لمعاهدة الصداقة والتعاون لمنظمة آسيان.

لفترة وظروف معينة، أدت هيمنة العلاقات الفرنسية الجزائرية وأولويتها سياسياً واقتصادياً بالنسبة إلى الجزائر، وظروف أخرى داخلية معقّدة، إلى إهمال الجزائر علاقاتها مع المجموعات الجغرافية والكتل الاقتصادية الثلاث، أفريقيا، شرق أوروبا، وآسيا الوسطى، لكن الوقت ما زال متاحاً لإصلاح عطب السياسات والاتجاهات. 

Read Entire Article