ARTICLE AD BOX
بدأ الجفاف يغيّر ملامح المشهد الزراعي ويهدّد مصادر رزق آلاف المزارعين في سهول إدلب في سورية، التي لطالما كانت سلّة غذاء لسكان الشمال السوري، إذ شهدت المنطقة خلال العامَين الأخيرَين انخفاضاً ملحوظاً في معدلات الهطول المطري، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، ما أدى إلى نضوب العديد من الآبار الجوفية، التي كانت تشكل مصدر الري الوحيد بعد تراجع شبكات الري الحكومية بسبب الحرب.
وفي بلدة معرة مصرين، يشير المزارع خالد السواس إلى أرضه التي تحولت إلى تربة متشقّقة، قائلاً: "كنا نعتمد على مواسم القمح والشعير، لكن هذا الموسم لم يسقنا المطر بما يكفي، ولا مياه لري الأرض"، ويضيف بحسرة لـ"العربي الجديد" قائلاً: "خسارتنا فادحة، خسرت تعبي طوال العام، ولم ينبت من العدس والقمح إلّا شوالين (جوالان) فحسب، كنّا نعتمد عليه للأكل والبيع، لكن ذهب كل شيء أدراج الرياح، وحتى الأعلاف اختفت والمواشي بدأت تضعف، وسوف نضطر لبيعها بلا شك".
ويتابع "لم يعُد أمامنا، نحن الفلاحين، سوى بيع أدواتنا الزراعية والعمل في مهن أخرى وترك مهنة أجدادنا، خاصة بعد الجفاف وقلة والدعم وتراجع برامج الإغاثة الزراعية"، وفي مكان آخر من ريف إدلب الشمالي الغربي، وتحديداً في سهل الروج المعروف بخصوبته، تقف الأرض هذا العام صامتة، متشققة، خاوية من السنابل الخضراء، ولم يعد المشهد كما كان في المواسم الماضية، فقد قلب الجفاف حياة الناس رأساً على عقب، بينما يأمل المزارعون أن يتحرك المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية لدعم قطاع الزراعة قبل أن تفرغ الأرض من خيراتها وسكانها.
يقول المزارع مروان أبو راس الخمسيني، وهو يتفقد أرضه بنظرات حزينة "كنّا نزرع القمح ونفرح وقت الحصاد، أما اليوم باتت الأرض عطشى، والأمطار شبه نادرة"، ويؤكد أن هذه السنة شهدت أرضه أدنى نسبة إنتاج منذ أكثر من عقد، بعد الجهود الكبيرة التي بذلها وما قدمه من بذار وأسمدة كلّها بالدين، إذ كان يراهن على الموسم لكن الجفاف خذله هذا العام.
وبحسب المهندس الزراعي عبد الرحمن السعيد، فإن "نسبة الإنتاج هذا العام تراجعت أكثر من 60%، خاصة في محاصيل القمح والعدس التي تعد من المحاصيل الاستراتيجية في المحافظة"، ويضيف لـ"العربي الجديد" أن " الوضع مقلق، خاصّة أن إدلب تعتمد على الزراعة مصدرَ دخل أساسي لحوالى 70% من السكان، فالجفاف في إدلب لم يعد مجرد ظرف طبيعي، بل أزمة متعدّدة الأبعاد، تمس حياة الإنسان والأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي".
ويبين أن عدم توفر المياه وقلة التشجير وفقدان الغطاء النباتي يزيد من تأثر المنطقة بالجفاف والتصحر، ويؤدي إلى تراجع الإنبات وجودة الغلة، ويؤثر أيضاً على أسعار السوق. ويشير إلى أن الجفاف لا يهدد الأمن الغذائي فحسب، بل يتسبّب في موجة نزوح اقتصادي داخلي، إذ بدأ بعض الفلاحين في البحث عن أعمال بديلة في المدن، ويقترح تقديم حلول عاجلة للفلاحين من المعنيين لا سيّما مشاريع مستدامة للري، مثل شبكات بالتنقيط أو إعادة تأهيل القنوات القديمة".
ووفق مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، لا يزال قطاع الزراعة والثروة الحيوانية في سورية يواجه تحديات معقدة بسبب الجفاف، وارتفاع أسعار المواد الخام، وهجرة الفلاحين، وهو ما يتسبب بعدم جدوى النشاط الزراعي وضعف الإنتاجية ويهدّد الأمن الغذائي.
ويرى خبراء أن المواسم الزراعية خلال الأعوام الماضية مرّت بمراحل جفاف مشابهة، لكن المنطقة لم تشهد نقصاً كبيراً في هطول مياه الأمطار على هذا النحو منذ عام 1970 على الأقل، لتكون السنة الحالية أسوأ سنة سجلت مستويات متدنية من سقوط الأمطار على الإطلاق.
