ARTICLE AD BOX
في ظل تصاعد وتيرة الهجمات التي تنفذها تنظيمات مسلحة، على رأسها حركة طالبان الباكستانية وجيش تحرير بلوشستان، لجأ الجيش الباكستاني إلى استخدام المسيّرات لتصفية المسلحين، خاصة في منطقة القبائل المحاذية لأفغانستان، وذلك لأن القبائل لا تسمح بشن عمليات عسكرية موسّعة في مناطقها. ورأت المؤسسة العسكرية الباكستانية أن المسيّرات سلاح فتاك ضد المسلحين، خاصة أن مسلحي "طالبان" يعيشون وسط قبائلهم، والوصول إليهم صعب للغاية.
هاشم خان محسود: القبائل لن تترك أراضيها مهما كان الثمن
من جهتها، قالت مصادر في القبائل، لـ"العربي الجديد"، إنه منذ 11 مايو/أيار الماضي حتى نهاية ذلك الشهر، نُفذت في مقاطعتي شمال وجنوب وزيرستان سبع هجمات بالمسيّرات فقط، كل ضحاياها من المدنيين، موضحة أنها أسفرت عن مقتل 13 شخصاً، بينهم رجل واحد، والباقي نساء وأطفال. ونُفّذت تلك الهجمات في مناطق جاني خيل، ومير علي، وتانك، وديره إسماعيل خان، واستهدفت منازل مدنيين، وفق المصادر القبلية، التي أشارت إلى أن القبائل نفذت اعتصاماً مفتوحاً، جرى خلاله حمل جثامين أربعة أطفال كانوا قد قتلوا في هجوم بمسيّرة في 14 مايو الماضي. واستمر الاعتصام لمدة ستة أيام، قبل أن يُوقف بعد اتصالات مع الجيش الباكستاني. وكان من مطالب القبائل وقف الغارات بالمسيّرات، وإقالة قائد القوات في وزيرستان، وإجراء تحقيق في مقتل المدنيين جراء الهجمات. وعلى الرغم من أن الجيش الباكستاني وافق على مطالب القبائل خلال المفاوضات، لكنه واصل تنفيذ الغارات، ما قد يؤدي إلى خروج القبائل في تظاهرات.
هاشم محسود: الجيش الباكستاني غير صادق
وقال الزعيم القبلي في مقاطعة جنوب وزيرستان هاشم خان محسود، لـ"العربي الجديد": "كنا على يقين خلال إجراء المفاوضات أن الجيش الباكستاني غير صادق في أقواله، وسوف يواصل تصرفاته، ولكن كان من الضروري إنهاء الاعتصام في ذلك الوقت، لأن الناس الفقراء لم يتحمّلوا الأمر. كما أننا كنا نحمل جثث الأطفال، وكان من الضروري دفنها، وبالتالي أنهينا الاعتصام". وأضاف: "لكن هذا لا يعني أن القبائل ستقف مكتوفة الأيدي وهي تُقتل وتُشرد. إذا كان الجيش زعم أنه سيشرد هذه المرة القبائل من مناطقها، عليه أن يفكر مرات عدة. نحن لن نترك أرضنا، وسنطرد منها كل من يسعى لطردنا".
وأوضح محسود أن "الزعامة القبلية خلال المفاوضات مع قادة الجيش المحليين أوضحت رسالتها بصراحة، وهي أن القبائل لن تترك أراضيها مهما كان الثمن، وأن كل ما يسعى إليه الجيش الباكستاني هو إخلاء هذه المناطق، ولكننا لن نسمح له. علاوة على ذلك أكدت الزعامة القبلية أننا إذا تركنا أراضينا فإننا سنذهب إلى أفغانستان وسنعود من هناك حاملين السلاح من أجل تحرير أراضينا. رجاء لا تجبرونا على حمل السلاح".
الجيش يحمّل "طالبان" المسؤولية
ومع أن قادة قوات الجيش في المنطقة وعدوا، خلال المفاوضات، بعدم استهداف مدنيين في الغارات مستقبلاً، كما أكدت الزعامة القبلية، إلا أن مكتب العلاقات العامة في الجيش الباكستاني أصدر بياناً في 25 مايو الماضي، أكد فيه أن الجيش لم يتسبب في مقتل أي طفل أو مدني، سواء كان بالمسيّرات أو نتيجة العمليات المسلحة، مشدداً على أن حركة طالبان الباكستانية هي من تقتل الأطفال والنساء وليس الجيش، ومشدداً على أن العمليات ستتواصل حتى القضاء على ما وصفها بـ"فتنة الخوارج" (هو مصطلح يستخدمه الجيش لوصف "طالبان" الباكستانية، بينما يستخدم "فتنة الهندوستان" للحركات الانفصالية البلوشية).
شفاعت علي: العمليات البرية فاشلة في مناطق القبائل وتكبّد الجيش الباكستاني خسائر فادحة، لذا هو يلجأ للهجوم بالمسيّرات
لكن الزعيم القبلي مسافر سيد عارف سخر من ذلك. وقال، لـ"العربي الجديد"، إن "الأطفال الذين قتلوا في مير علي كانوا داخل منزلهم، وكل القبائل رأت ذلك. رب البيت رجل عادي، ولا ينتمي لأي جماعة، وهذا ما أوضحناه خلال المفاوضات مع قادة الجيش، وهم اعترفوا بذلك، ثم يقولون إن طالبان تقتل الأطفال والنساء. المسيّرات هي التي تقتلنا". واعتبر أن "بيان الجيش الباكستاني له مدلول واحد، وهو أنه لا يهاب القبائل. نعم، هو اشترى بعض الزعماء القبليين الذين ليس بإمكانهم دخول المناطق القبلية، ويعيشون في إسلام أباد وروالبندي خوفاً من طالبان والقبائل، لكنه لا يستطيع أن يشتري كل القبائل".
وأوضح سيد عارف أن "القبائل لا تؤيّد المسلحين، وهي تُريد حياة آمنة فقط. عناصر طالبان من أبناء القبائل يعلمون عن أعرافنا وتقاليدنا ويحترمونها، ولكن عناصر الجيش جاؤوا من أقاليم أخرى لا تعرف عاداتنا وتقاليدنا ولا تحترمها وبيدهم السلاح والقوة، وهم يدخلون المنازل والمساجد دون إذن وبذريعة وجود المسلحين، ومسيّرات الجيش تحلّق فوق منازلنا تصوّر كل من يتحرك من النساء والرجال. وبالتالي القضية ليست فقط مقتل المدنيين، بل أكبر من ذلك. هناك مساعٍ لإخلاء منطقة القبائل والقضاء عليها، وهذا لن يحدث".
مهمة معقدة للغاية
وتعليقاً على القضية، قال المحلل الأمني الباكستاني شفاعت علي، لـ"العربي الجديد"، إن "القضية معقدة جداً، فعمليات الجيش وطالبان تؤدي لمقتل المدنيين، وسكان المنطقة هم الذين يدفعون الثمن. لكن السؤال هو ما الحل؟ الجيش الباكستاني إذا خرج من تلك المناطق وأوقف العمليات فإنها ستصبح مركزاً للمسلحين وبؤرة إرهاب، وستشكل تهديداً لأمن كل باكستان". وأضاف أنه "في المقابل، فإنّ طالبان لها جذور في منطقة القبائل، وعناصرها أبناء تلك القبائل، وهم داخل المنازل والأحياء والمساجد، والناس يؤونهم ويساندونهم، وهو عرف قبلي، بمساعدة أبناء القبائل بأي وسيلة مقابل أجنبي، وهو ما يزيد من مشاكل الجيش، الذي لن ينجح في شن عمليات برية ضد عناصر طالبان، الذين يعرفون تضاريس المنطقة".
وأوضح أن "العمليات البرية فاشلة في مناطق القبائل وتكبّد الجيش الباكستاني خسائر فادحة، لذا هو يلجأ للهجوم بالمسيّرات، ما يؤدي إلى وقوع ضحايا من القبائل". وتابع: "في الماضي الحكومة الأفغانية والقوات الدولية كانت على الحدود من الجانب الأفغاني، وبالتالي كان تنقّل القبائل صعباً نوعاً ما بين البلدين. الآن هناك طالبان الأفغانية، وعناصرها من أبناء القبائل أيضاً، والمسلحون يعبرون الحدود ليل نهار، كما أن هناك مئات الأفغان ينضمون إليهم. ولهذا فإن القضية معقدة جداً". ودعا علي "الجيش إلى تقوية معلوماته الاستخباراتية قبل شنّ هجمات بالمسيّرات"، لكنه أشار إلى أن "الحصول على المعلومات الاستخباراتية في منطقة القبائل صعب جداً، فوسائل التجسس محدودة جداً، إذ إن القبلي يرفض التجسس على بيئته. ولهذا فإن مهمة الجيش الباكستاني أصعب مما يتصوره هو".
