الحشود الروسية قرب سومي: هجوم الصيف ومشروع المناطق العازلة

1 day ago 3
ARTICLE AD BOX

وسط ضبابية في الأهداف الحقيقية للأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا ومن ضمنها التحشيد على تخوم مقاطعة سومي في شمال شرقي أوكرانيا، شنت القوات الروسية هجمات بالمسيّرات والصواريخ ليل الخميس ـ الجمعة على مدينة خاركيف، في الشمال الشرقي لأوكرانيا، ومناطق في مقاطعتي خاركيف وأوديسا. وفيما تتواصل الجهود الدبلوماسية لعقد جولة جديدة من المفاوضات الروسية الأوكرانية بهدف إيجاد تسوية سياسية تنهي الحرب، مقررة مبدئياً الاثنين المقبل في إسطنبول، كثف الطرفان الروسي والأوكراني الضربات الجوية والصاروخية، وسط اشتعال للمعارك على جميع الجبهات عملياً في دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا. وفي محاولة لفرض وقائع على الأرض تزامناً مع الجهود الدبلوماسية، كشفت خريطة المعارك وكثافتها في الأسبوعين الأخيرين، أن روسيا تستعجل فرض وقائع على الأرض لإجبار أوكرانيا على التنازل. ومن الواضح أن تردد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تحميل نظيره الروسي فلاديمير بوتين مسؤولية فشل التسوية السياسية وعدم تغيير نهجه، منح الكرملين فرصة لكسب مزيد من الوقت.

الضغط على سومي

في مقابل المماطلة في الاستجابة لنداءات التفاوض، تسابق روسيا الزمن وسط مؤشرات على بدء هجوم صيفي، بهدف السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من المناطق الأربع (لوغانسك، دونيتسك، زابوريجيا، خيرسون) التي ضمتها روسيا في خريف 2022 وطالبت بانسحاب أوكرانيا منها، وبناء منطقة عازلة في سومي بمحاذاة مقاطعة كورسك، وتوسيع المنطقة العازلة في مقاطعة خاركيف، التي باشر الجيش الروسي في إنشائها في ربيع العام الماضي لحماية مقاطعة بيلغورود الروسية. في منتصف الشهر الحالي، كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن الروس حشدوا نحو 67 ألف جندي في منطقة سومي. من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 19 مايو/أيار الحالي، أن قواتها سيطرت على مارين الواقعة في منطقة سومي، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي 50 شخصاً فقط. وفي اليوم ذاته أعلن حاكم سومي أوليغ غريغوروف، عن بدء عمليات إخلاء من المناطق الحدودية مع روسيا في منطقة سومي، شملت أكثر من أربعة آلاف شخص و202 تجمع سكني. وذكر معهد دراسة الحرب الأميركي، في 18 مايو الحالي، أن روسيا تهدف إلى إنشاء "منطقة عازلة" دفاعية في شمال أوكرانيا بمحاذاة الحدود، بحيث تصبح مدينة سومي في مرمى المدفعية الروسية.

تسابق روسيا الزمن لبدء هجوم صيفي

وأكد بوتين هذا التوجه أثناء اجتماع تلفزيوني مع عدد من المسؤولين الحكوميين في 22 مايو الحالي، مشدّداً على أهمية إنشاء "منطقة أمنية عازلة" على طول الحدود مع أوكرانيا، واتّهم القوات المسلحة الأوكرانية بقصف منشآت مدنية في مناطق كورسك وبيلغورود وبريانسك الروسية الحدودية مع أوكرانيا. وحسب التقارير الإعلامية من المراسلين العسكريين الروس والأوكرانيين، تسيطر القوات الروسية بالفعل على نحو 100 كيلومتر مربع من سومي. وبعيداً عن مشروع إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود، لا يمكن استبعاد شنّ هجوم أوسع على سومي التي احتلها الروس بداية الحرب في ربيع 2022، فجزء من القوميين الروس يصفون منطقة سومي بأنها الخامسة على سلم أهداف السيطرة.

وذهب فلاديمير ميدينسكي، مساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي ترأس الوفد الروسي في محادثات إسطنبول بين موسكو وكييف في 16 مايو الحالي، إلى حدّ تهديد المفاوضين الأوكرانيين بأن القوات الروسية ستستولي على سومي وخاركيف، إن لم تستجب كييف لمطالب موسكو. وأضاف أن روسيا مستعدة لخوض الحرب "إلى الأبد". وبدأت الهجمات الروسية على سومي بعد تحرير مقاطعة كورسك، كما تكثفت الهجمات على خاركيف أيضاً. وتتضارب المعلومات حول حجم القوات الروسية المهاجمة في سومي وخاركيف، وتشير تقديرات إلى أنها تصل إلى 120 ألف جندي. وفي حال صدقت أقصى التوقعات بشأن العدد فإنه لا يكفي للسيطرة على مئات الكيلومترات من الجبهة، ولا لشنّ هجوم على مدينة سومي نفسها. ويُرجح استمرار الاشتباكات التكتيكية من دون أن تتطور إلى عمليات عسكرية واسعة.


تحشد روسيا 120 ألف جندي لاجتياح سومي لكن العدد لا يكفي

نيات بوتين وتوغلات أوكرانية

وتحدث بوتين للمرة الأولى عن إنشاء منطقة "صحية" عازلة في الأراضي الأوكرانية في مارس/آذار 2024، وقبل نحو عام بدأت روسيا هجومها في منطقة خاركيف، وبعد ثلاثة أشهر، جاء الرد الأوكراني عبر توغّل في منطقة كورسك. نظرياً، تُقيّد المنطقة العازلة من مجال المناورة للعدو، وتحرمه من فرصة تنفيذ غارات مسلحة على الأراضي المجاورة، أو توجيه ضربات باستخدام الوسائل النارية التكتيكية، وخاصة المدفعية، والأسلحة الخفيفة، والطائرات المسيّرة قصيرة المدى. ويتعلق مدى نجاح الأهداف بعمق المنطقة الآمنة ومدى السيطرة الكاملة عليها، وعدم تحولها إلى منطقة لاستنزاف القدرات.

في الحرب السوفييتية على أفغانستان (1979 ـ 1989)، أنشأ الجيش الأحمر منطقة عازلة بعمق مائة كيلومتر من الحدود في داخل أفغانستان. وربما أراد الجيش الروسي تكرار التجربة في أوكرانيا، رغم الفروقات الجغرافية وقدرات المجاهدين الأفغان والجيش الأوكراني. والأرجح أن إنشاء منطقة عازلة في أوكرانيا لن يكون مفيداً إلا من ناحية دفع خطوط المواجهة لعدة كيلومترات، ففي حال عدم تدمير معظم قدرات الجيش الأوكراني، سيضطر الجنود الروس إلى البقاء بجاهزية قتالية كاملة على خطوط التماس الجديدة. ومع استخدام أوكرانيا لأنواع مختلفة من الطائرات المسيرة وبلوغها أهدافاً في وسط وشمال غربي روسيا على مسافات تتجاوز 1500 كيلومتر من الحدود، كما في حالة الضربات الأوكرانية على المنطقة الصناعية في ألابوغا في تتارستان، ومورمانسك، وغيرها، فإن إنشاء منطقة عازلة لن يكون مفيداً في وقف هذه الهجمات التي عطلت حركة الملاحة الجوية في وسط روسيا. ومما يقلل من فائدة أي منطقة عازلة في الحماية من الضربات الأوكرانية رفع عدد من البلدان الأوروبية القيود عن الاستخدام بعيد المدى لأسلحتها، ومذكرات التفاهم الموقعة منذ أيام بين أوكرانيا وألمانيا لتطوير صناعة الصواريخ بعيدة المدى.

نقص العتاد الروسي

ولا ينهي إنشاء منطقة عازلة في خاركيف وكورسك خطر الهجمات بالمدافع والمسيّرات قصيرة المدى من مناطق أخرى، ويبلغ طول الحدود بين مقاطعة بريانسك والمناطق الشمالية الشرقية من أوكرانيا قرابة 350 كيلومتراً، ونحو 245 كيلومتراً في منطقة كورسك، ونحو 540 كيلومتراً في منطقة بيلغورود. ومع الاخذ بعين الاعتبار أن نصف خط الحدود في منطقة بيلغورود تقع على تماس مع لوغانسك التي أحكمت روسيا السيطرة عليها بشكل شبه كامل، وجزئياً مع خاركيف في منطقتي فوفتشانسك وليبتسي الخاضعتين للجيش الروسي، تبقى قرابة 800 كيلومتر من الحدود تحت السيطرة الأوكرانية. وسمحت استعادة روسيا لكورسك بتوفر فائض كبير في القوات الروسية تضم قوات ألوية عدة، ومدعومة بمجموعات تكتيكية مشتركة من قوات الإنزال الجوي ومشاة البحرية. ولكن تقديرات تشير إلى نقص نسبي في عدد الدبابات والعربات القتالية المدرعة، والمدفعية الميدانية، ما يجعل مهمة التقدم في سومي صعبة، والأرجح أن تتشكل بؤرة توتر كبيرة تضاف إلى منطقة فوفتشانسك في مقاطعة خاركيف. 

ووسط تحذيرات من أن تشكيل منطقة عازلة يجمد قسماً من القوات الروسية لحمايتها ويعطل التقدم في دونيتسك وزابوريجيا، فإن طبيعة المعارك في الأسابيع الأخيرة، ولجوء الطرفين إلى الهجوم بمجموعات صغيرة مكونة من ثلاثة إلى عشرة مقاتلين كأقصى حدّ، وتقليل استخدام العربات والمدرعات بسبب الاستخدام المكثف للطائرات المسيّرة، تمنع روسيا من إنشاء المنطقة العازلة بسرعة وهو عامل مهم في ظل مخاوف من تغيرات في موقف ترامب. من غير المستبعد أن الحديث عن إنشاء المناطق العازلة يندرج في إطار تشتيت قدرات الجيش الأوكراني عن المعركة الأساسية في دونيتسك وزابوريجيا.

وأفادت وزارة الدفاع الروسية، الخميس الماضي، في بيان نُشِر على الشبكات الاجتماعية بأن جيشها سيطر على قرية سترويفكا بمنطقة خاركيف، شمال شرقي أوكرانيا، وقريتي غناتيفكا وشيفشنكو بيرشه في منطقة دونيتسك. والثلاثاء الماضي، ذكر موقع "ديب ستيت" للاستخبارات الأمنية المقرب من وزارة الدفاع الأوكرانية، أن مساحة الأراضي التي استولت عليها روسيا، في الأسبوع الماضي، زادت بنحو 187 كيلومتراً مربعاً، في أسرع تقدم أسبوعي للقوات الروسية منذ نهاية العام الماضي. وحسب الموقع، فإن الجيش الروسي احتل 62 كيلومتراً مربعاً في المناطق الشرقية من مقاطعة سومي الأوكرانية. كما تقدم الجيش الروسي بشكل أسرع في مقاطعة دونيتسك بالقرب من توريتسك وبوكروفسك، حيث استولى على 88 كيلومتراً مربعاً.


إنشاء منطقة عازلة لن يكون مفيداً في وقف هجمات المسيرات الأوكرانية

اختراق روسي للدفاعات الأوكرانية

وذكر رئيس مركز الأبحاث البولندي روشان للاستشارات كونراد موزيكا، الاثنين الماضي، أن "الجيش الروسي تمكن من اختراق المواقع الدفاعية للقوات المسلحة الأوكرانية على طول الطريق الواصلة بين بوكروفسك وكونستانتينوفكا في الأسبوع الماضي (بين 19 و25 مايو) وبدأ في التقدم شمالاً باتجاه كونستانتينوفكا". وأجبر الهجوم الروسي القوات المسلحة الأوكرانية على التخلي عن مواقعها، والبدء في بناء خط دفاعي غرب مدينتي كراماتورسك وسلوفيانسك، وهما أكبر مدينتين في دونيتسك حافظت أوكرانيا عليهما منذ بداية الحرب في 24 فبراير/شباط 2022، ويشكل انهيارهما عملياً إحكام روسيا على كامل مقاطعة دونيتسك. كما احتلت القوات الروسية قرابة 32 كيلومتراً مربعاً أخرى في شمال فيليكا نوفوسيلكا (بالقرب من قرية بوغاتير بشكل رئيسي)، وتقدم الجيش الروسي بمساحة أربعة كيلومترات مربعة بالقرب من فوفتشانسك في شمال منطقة خاركيف. ورغم التركيز على قضية إنشاء منطقة عازلة في سومي، فإن أكثر جبهات القتال نشاطاً بعيدة نسبياً عن الحدود، وتحديدا بالقرب من بلدة بوكروفسك في منطقة دونيتسك، والتي تُعد السيطرة عليها هدفاً رئيسياً لموسكو، إذ يُقرّبها ذلك من السيطرة الكاملة على كامل دونيتسك.

ومن غير المستبعد أن يكون الهدف من تصعيد الهجمات الروسية الوصول إلى مداخل سلوفيانسك ــ كراماتورسك ــ دروجكيفكا ــ كوستيانتينيفكا من أجل شنّ هجوم لاحق. وتعد هذه المدن من أكبر المناطق الحضرية التي ما زالت تحت سيطرة أوكرانيا في دونيتسك، والسيطرة عليها ستُعتبر خطوة نحو فرض السيطرة على كامل المناطق الأربع التي ضمتها روسيا، وتؤكد في المباحثات ضرورة تسليمها. وأياً كانت الأهداف الحقيقية لزيادة كثافة الهجمات الروسية في سومي وخاركيف ووسط دونيتسك، فإن هناك صعوبات كبيرة في سبيل تحقيقها في وقت سريع، فإنشاء منطقة آمنة بعمق عشرة كيلومترات لن يوفر الأمن الحقيقي للمناطق الحدودية الروسية، مع صعوبة أن تشمل هذه المنطقة كل الحدود.

ومنذ عام بدأت روسيا حملة لإنشاء منطقة عازلة في خاركيف لكنها اصطدمت بمقاومة أوكرانية عنيفة، وهجمات مضادة بين حين وآخر، وفي ظل شكل المعارك يحتاج الجيش الروسي أشهراً لإنشاء المنطقة الآمنة. أما إذا كان هدف الهجمات السيطرة على المدن الرئيسة في مقاطعة دونيتسك مثل كراماتورسك وسلوفيانسك، فيجب التذكير بأن روسيا تحاول السيطرة على تشاسيف يار منذ أكثر من سنة، واحتلال مدن وبلدات أصغر استغرق أشهراً طويلة، مع تحول الحرب منذ أكثر من سنتين إلى حرب خنادق لا يستطيع أي طرف حسمها بالضربة القاضية. 

Read Entire Article