السويداء تتحضر لمؤتمر حوار من أجل كسر الاستعصاء السياسي

3 hours ago 5
ARTICLE AD BOX

تتحضر محافظة السويداء جنوبي سورية لعقد مؤتمر حوار وطني يجمع كل أطراف المحافظة، بعد أيام من لقاء عدد من الناشطين السياسيين بالرئيس السوري أحمد الشرع أواخر مايو/أيار الماضي. المؤتمر الذي يجري الإعداد له، اقترحه أحد المغتربين المعارضين لنظام الأسد، وسار به مع عدد من الفاعلين في المحافظة، ونال موافقة الهيئات الدينية والاجتماعية والتجمعات السياسية، بهدف الخروج بموقف واضح وموحد ونهائي في العلاقة مع دمشق.
وكان الشرع قد استقبل وفداً من محافظة السويداء أواخر مايو الماضي، ضمّ سياسيين بارزين، إلى جانب ممثل عن المطرانية ومندوبين عن عشائر البدو وإمام جامع شهبا.

هذا اللقاء، الذي لاقى متابعة حثيثة من الأوساط السياسية داخل المحافظة وخارجها، لم يأتِ من فراغ، بل جاء في ظلّ أجواء متوترة تسود السويداء، مع ركود خدمات خانق، واستنفار أمني غير مسبوق تلا الأحداث الدامية التي مسّت مناطق ذات غالبية درزية، ولا سيما حادثة اقتحام أربعة شبّان مبنى محافظة السويداء الذي دفع بالمحافظ مصطفى البكور إلى تقديم استقالته (في 23 مايو الماضي).

كتاب هموم

وحمل الوفد إلى الشرع كتاباً مفصلاً يجسّد هموم أبناء السويداء، متضمناً مطالب شاملة تمسّ الجوانب الخدمية والأمنية والسياسية الحيوية. الدكتور نضال صبح، أحد أعضاء الوفد، كشف لـ"العربي الجديد"، عن طبيعة الحوار الذي دار مع الشرع، مشيراً إلى تمحور النقاش حول قضايا جوهرية مثل سيادة القانون كحجر زاوية لأي استقرار، وإقامة دولة المواطنة الحقيقية التي تكفل الحريات والحقوق العامة لجميع السوريين من دون تمييز. وأوضح صبح أن المطالب شملت ضرورة تجريم خطاب الكراهية والتجييش الطائفي الذي يتصاعد بشكلٍ خطير، مع التركيز على حماية طلاب السويداء في المدن الجامعية من عودة التهديدات والمضايقات والاستهدافات التي طاولت الطلاب كما حصل في جامعات حمص وحلب ودمشق. وأضاف أن الوفد ناقش بصراحة تامة جميع "الهواجس التي تقلق السويداء والمخاوف العميقة لدى أبناء المحافظة"، والأسباب الكامنة وراء مواقف العداء التي يتبناها بعض أبناء المحافظة تجاه السلطة.


أكّد وفد السويداء للشرع على ضرورة تفعيل الضابطة العدلية وجهاز الأمن العام في المحافظة


كما لم تكن القضايا السياسية وحدها على الطاولة، بل تطرق النقاش بحسب صبح إلى الإشكاليات الأمنية الملحّة، وأكّد الوفد "ضرورة تفعيل الضابطة العدلية وجهاز الأمن العام" في المحافظة، معترفاً بأن مسؤولية التأخير في هذا الملف تقع على عاتق الحكومة الانتقالية كما على أبناء المحافظة أنفسهم. وأشار إلى أن الوفد طالب السلطة بتحمل مسؤوليتها الكاملة في "ضبط السلاح المنفلت وتنظيمه"، وفقاً للاتفاقات المبرمة مع الفصائل المسلحة المحلية، مشيراً إلى أن هذا الفلتان يغذي الفوضى ويهدد الأمن اليومي. ولم يُغفل الوفد الإشارة إلى "الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي" الذي تعانيه السويداء، رغم أنها لم تشهد الدمار الواسع الذي لحق بغيرها من المحافظات، ما يضاعف من إحساس السكان بالإهمال والتهميش.


أشار الشرع إلى وجود تيار داخل السويداء ما زال يعقد آماله على حلول خارجية أو على أفكار الفدرلة، وفق أحد أعضاء الوفد

تيار خارج السياق في السويداء

ومن جانب السلطة، ووفقاً لرواية أحد أعضاء الوفد، لـ"العربي الجديد"، فقد قوبلت مطالب الوفد بـ"الآذان الصاغية" والتأكيد أنها تعبّر عن "الهم الوطني" لأبناء السويداء. إلا أن هذا التفاعل الإيجابي الظاهري لم يترجم على أرض الواقع خلال الأيام القليلة التي أعقبت اللقاء، إذ غابت أي بوادر ملموسة للاستجابة. بل إن تصريحات الشرع حملت إشارات إلى "حالة استعصاء" تعيشها السويداء. الرئيس السوري الذي أثنى على دور الفصائل المسلحة في السويداء خلال معارك "ردع العدوان" ووصولها المبكر إلى دمشق، أشار إلى وجود تيار داخل المحافظة "ما زال يعقد آماله على حلول خارجية أو على أفكار الفدرلة واللامركزية"، على حد تعبيره. ووصف هذا التيار بأنه خارج سياق المرحلة التي تمر بها سورية، مؤكداً أن الحكومة والقيادة قد "تجاوزت هذه المعتقدات" وانتقلت إلى مرحلة "العمل التنظيمي وبناء الدولة"، محذراً من أن هذا الاستعصاء سيجعل السويداء "تخسر فرصاً كبيرة لمشاريع الاستثمار والبناء"، مستغرباً ذلك في محافظة لم تدمرها الحرب بالشكل الكبير الذي شهدته مناطق أخرى.

الدكتور جمال الشوفي، أحد المشاركين في الوفد، قدّم رؤية أكثر شمولاً لأسباب الزيارة وطموحاتها. وصرّح لـ"العربي الجديد" أن "هذه الزيارة جاءت لأسباب أهمها الاستشعار بالخطر على السويداء وعموم سورية نتيجة التحريض الطائفي الكبير المتبادل" الذي أدّى بالفعل إلى سقوط ضحايا أبرياء، وما زال يسمم الأجواء العامة بالتشنج والاستنفار، ويعرّض المدنيين للخطر اليومي جراء سقوط القذائف العشوائية. ووضع "حماية الناس وحقوقهم" كأولوية قصوى، مشدداً على أن هذه الحماية "لن تتحقق إلا بتفعيل الضابطة العدلية والمحاكم والقضاء العادل". وأقر بأن تحقيق هذا الهدف في وضع معقد مثل السويداء "لن يتم إلا بالحوار والتوافق مهما استمر هذا الاستعصاء".

وأشار الشوفي إلى أن البيان المشترك الذي أصدرته كافة الفعاليات في السويداء في الأول من مايو الماضي، والذي يطالب بشكلٍ قاطع بـ"تفعيل الضابطة العدلية من أبناء المحافظة" يجب أن يتم بشكل عملي. وانتقد ما وصفه بـ"التقاعس الحكومي"، قائلاً: "أسباب التأخير تزيد من أزمات المحافظة وتتحمل الحكومة جزءاً من مسؤولية التأخير بعدم تجهيز المراكز الأمنية بالشكل المطلوب". ورأى الشوفي في اللقاء مع الرئيس محاولة جادة "لكسر الجليد الذي صنعته الأحداث الأخيرة"، معبراً عن إيمان الوفد الراسخ بأن "سورية لن تكون إلا دولة واحدة موحدة يحكمها القانون والعدالة الاجتماعية وحقوق المواطنة".


جمال الشوفي: طالب الوفد بـ"لجنة تحقيق مستقلة" في أحداث أشرفية صحنايا الدامية


واختتم الشوفي بتفصيل مطالب الوفد العملية التي تبدأ بـ"تفعيل الضابطة العدلية والأمن العام" كخطوة أولى لا غنى عنها، تليها خطوات تدريجية نحو "الانتساب للجيش الوطني" في المستقبل، مع التركيز الأكبر على "أمن المواطن" وضمان "العودة الآمنة للطلاب" بعد تأمين طريق دمشق - السويداء الذي تتحكم به جماعات مسلحة خارجة عن القانون. كما طالب الوفد بشكلٍ صريح بـ"لجنة تحقيق مستقلة" في أحداث أشرفية صحنايا الدامية (أواخر إبريل/ نيسان الماضي) ومحاسبة جميع المتورطين في أعمال التحريض والعنف، وإطلاق سراح من تبقى من معتقلين من أبناء المحافظة.

وشكّل حضور مصطفى البكور اللافت عضواً في الوفد، من دون تأكيد أو نفي عودته إلى مهامه كمحافظ للسويداء، محور تساؤلات أخرى. البكور، الذي كان حاضراً بين أفراد الوفد، تجنّب الإجابة المباشرة عن سؤال عودته إلى مهامه. لكن لوحظ أنه كان يشارك ويتحدث كأنه ممثل عن السويداء، ما أثار تساؤلات حول طبيعة ودوافع غيابه عن مركز عمله. هذا الغياب، المصحوب بتعطيل شبه كامل لعمل مؤسسة المحافظة، فسّره العديد من المراقبين والناشطين على أنه ليس سوى "نوع من الضغط" مُوَجَّه إلى القوى المحلية الممانعة لتفعيل دور المؤسسات الأمنية والعسكرية التابعة للدولة المركزية في المحافظة.

الناشط السياسي ناظم سلوم اعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن "غياب المحافظ وقرار تقديم استقالته كان رد فعل أكبر من حجم الحادثة التي حصلت في مبنى المحافظة"، مستنداً إلى أن الحادثة قوبلت باستنكار شعبي ورسمي كبير من الأهالي ومعظم وجهاء السويداء. وربط سلوم بين استمرار حالة الغياب هذه، أو عدم تعيين محافظ جديد، وبين غياب قائد الأمن العام المكلّف حديثاً، ليستنتج أن هذا المشهد "ليس سوى محاولة للضغط على الجهة الممانعة لوجود السلطات بكامل مؤسساتها حتى الآن". ووصف سلوم البكور وقائد الأمن العام الغائب أحمد الدالاتي بأنهما مجرد "أوراق تفاوض" تستخدمها الإدارة في دمشق لتحقيق الشروط المناسبة لعودة مؤسسات الدولة بكامل هيبتها إلى السويداء. وأعرب عن خشيته الكبيرة من أن "يكون لهذا الضغط انعكاسات سلبية" تستغلها القوى الرافضة لتكوين موقف شعبي مناهض للدولة، خصوصاً في ظل تراجع شعبية القيادة السورية لدى شريحة من أبناء السويداء بعد سلسلة الأحداث التي مرّت بها المحافظة وجرمانا وصحنايا.


ناظم سلوم: دمشق تستخدم أوراق تفاوض لتحقيق الشروط المناسبة لعودة مؤسسات الدولة بكامل هيبتها إلى السويداء


من جهته، أكد الناشط معن أبو الحسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا حلول أمام أبناء السويداء والحكومة سوى الحوار من أجل الوصول إلى تفاهمات تحافظ على وحدة المصير والأرض وتستبعد لغة المواجهة والاقتتال". ولفت إلى أن السلطة المركزية حريصة على السويداء "كحرصها على أي جزء من سورية"، لا سيما أن بسط سيطرتها الكاملة هناك يتناسب مع سعيها إلى إرساء الأمن والاستقرار تماشياً مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تشارك فيها، بيد أن حالة الاستعصاء السياسي والأمني في السويداء، وفق قوله، قابلتها حالة من "التراخي والإهمال والتأجيل" من جانب الإدارة في دمشق، خصوصاً في ما يتعلق بالملفات الخدمية الملحة. وهذا التراخي اعتبر تناقضاً صارخاً مع الجهود التي كان يبذلها البكور، قبل استقالته، في "سعيه الجاد لحل القضايا العالقة والنهوض بالعمل المؤسساتي" رغم الإرث الثقيل من "الترهل والإهمال الكبير" الذي خلّفه النظام السابق في مؤسسات المحافظة، بحسب قوله.

هذا الوضع المتأزم يفرض، وفق أبو الحسن، ضرورة "تفعيل دور شعبي" فاعل لكسر الجمود الحالي وتجاوز التعطيل المتعمد. ويتجلى ذلك من خلال "فتح قنوات تواصل مستدامة عبر لجان مختصة" بين فعاليات السويداء ودمشق، تكون قادرة على معالجة الملفات الشائكة بعيداً عن الأجواء المتوترة للزيارات الرسمية. كما تشكل "تهيئة الوضع المناسب لعودة المحافظ البكور أو تعيين بديل عنه يتمتع بالثقة والقدرة" خطوة لا تقل أهمية لاستعادة الحد الأدنى من عمل المؤسسة التنفيذية في المحافظة. واعتبر أن التحدي الأكبر يتمثل في تجاوز لحظة الشك المتبادل هذه، قبل أن تتحول مطالب السويداء المشروعة بالأمن والعدالة والخدمات إلى وقودٍ جديدٍ لأزماتٍ قد تعيد إنتاج دوامة العنف، أو تدفع باتجاه عزلة المحافظة التي حافظت، على الرغم من كلّ الصعاب، على جزءٍ كبير من نسيجها الاجتماعي وتمسكها بالهوية الوطنية السورية.

Read Entire Article