ARTICLE AD BOX
أصبحت المملكة المتحدة ثالث دولة عضو دائم في مجلس الأمن تعلن دعمها مقترح الحكم الذاتي، الذي تقدّم به المغرب حلّاً للنزاع الإقليمي في الصحراء، وقد أعلنت صبيحة 1 يونيو/ حزيران الجاري التحاقها بالولايات المتحدة (2020) وفرنسا (2024)، في اعتبار المقترح المغربي القاعدة الوحيدة ذات المصداقية والواقعية لحلّ النزاع الذي دام نصف قرن. وقد ارتكز الموقف البريطاني، الذي كان متابعون عديدون في أوروبا والمغرب يعتبرون أنه ارتكز، في ديباجته وحيثياته، على مرتكزات مشتركة مع المواقف المساندة، سواء لباريس أو لواشنطن، وللمواقف المعبّر عنها من دول أخرى ذات وزن خاصّ، وعلاقة سببية بالملف مثل مدريد.
المواقف المعبّر عنها في البيان المشترك الموقّع في الرباط، بين وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية دافيد لامي، ووزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، انبنت على: أولاً، إدراك لندن لأهمية قضية الصحراء بالنسبة إلى المغرب، وهو ما يساير منطق البلد الأخير في اعتبارها قضية وجودية، ولا يمكن التفكير في اقتطاعها من كيانه الترابي. وثانياً، على الدور المركزي للحلّ في توطيد الاستقرار في شمال أفريقيا وتعزيز الاندماج الإقليمي، وهو ما يجعل من الرباط منصّةً جيوسياسية أساسية، واعترافاً بدورها في محيطها الإقليمي، وثالثاً، اعتبار المغرب بوابةً رئيسةً لأفريقيا، وشريكاً للنمو فيها.
قوى الموقف البريطاني من موقع المغرب داخل مجلس الأمن، ما يعدّ تحولاً أساساً داخل الجهاز التنفيذي الأممي
قوّى الموقف البريطاني من موقع المغرب داخل مجلس الأمن، وهو ما يعدّ تحولاً أساساً داخل الجهاز التنفيذي الأممي، وأوجد مناخاً دولياً جديداً للاقتراب من الحلّ النهائي، كما أنه يقوّي الحظوظ في جعل أكتوبر/ تشرين الأول المقبل (موعد القرارات الدولية بشأن الصحراء المغربية) تاريخاً فاصلاً في طيّ الملفّ في ذكراه الخمسين، لا سيّما أن الدولتَين الأخريين (روسيا والصين) لا تعارضان المغرب في قضاياه، أو تستعملان حقّ النقض (فيتو) ضدّه في الصحراء. وبالرغم من عودة نوع من القطبية غرب/ شرق إلى العلاقات الدولية، فقد استطاع المغرب، بمهارة خاصة، الحفاظ على مصالحة بعيداً من التقاطب الحادّ والدول الثلاث (واشنطن وباريس ولندن)، وإن كانت في الخندق "الغربي"، ضمن التقسيم الدولي القديم، فإنها على علاقة سلسة مع المغرب، ونجد، في هذا السياق، أن الصين طوّرت موقفها من رفض القرارات السابقة التي تصوغها واشنطن، حاملة القلم في الملفّ، إلى التصويت على القرارات. أما موسكو فعادة ما تمتنع عن التصويت، مبرّرة موقفها برفض الهيمنة الأميركية عليه أكثر من رفض حقوق المغرب، والذي يمنحها امتيازات بحرية، تشمل سواحل الصحراء المغربية، وهي بالرغم من تحالفها الوطيد مع الجزائر، الطرف الرابع في الموائد المستديرة حول الصحراء بموجب القرارات الدولية، فإنها لا تستدعي "جمهورية تندوف" إلى القمم التي تعقدها مع دول القارّة الأفريقية.
ما لا يمكن إغفاله أن المغرب ربح الرهان داخل مجلس الأمن، وبالرغم من تصنيفه ضمن خانة الدول الصديقة للغرب، فهي المرّة الأولى طوال نصف قرن التي تصطف فيها قواه الدولية دائمة العضوية إلى جانب الحقّ المغربي، الشيء الذي يتوّج رهاناً مغربياً، بدأ من سبعينيّات القرن الماضي، على مجلس الأقوياء في مواجهة امتدادات الدبلوماسية المناهضة له، في صفوف لجان الأمم المتحدة أو جمعيتها العامّة. ولعلّ من ملامح الحلّ القريب أن ميزان القوة داخل الأمم المتحدة كلّها (ما يزيد عن 110 دول عضو في المحفل الأممي تساند الحكم الذاتي) أصبح في صالح المغرب، يشمل ذلك مجلس الأمن والجمعية العامّة، والمنتظر أن تفعّل لندن قرارها "بالتصرف وفقاً لهذا الموقف على الأصعدة الثنائية والإقليمية والدولية، وهو ما يعني، التحرّك، كما تفعل فرنسا منذ إعلانها الموقف نفسه في مجالات نفوذها في صناعة القرار الدولي وداخل المجموعات الإقليمية التي تقع تحت تأثيرها، ومنها دول الكومنولث.
ربح المغرب الرهان داخل مجلس الأمن، فهي المرّة الأولى طوال نصف قرن التي تصطف فيها قواه الدولية دائمة العضوية إلى جانب الحقّ المغربي
نصّ البيان كذلك على "أن الهيئة البريطانية لتمويل الصادرات قد تنظر في دعم مشاريع في الصحراء ضمن تعبئة خمسة مليارات جنيه"، وبهذا فإن الموقف البريطاني الجديد يتضمّن نقطةً فاصلةً في ما يتعلّق بدعم الحكم الذاتي، إذ إن قرار استثمار مبلغ بهذا الحجم لا تكمن أهميته في مقداره فقط، بل تتجلّى في أنه امتداد اقتصادي لحكم قضائي مرجعي. وفي هذا الباب ، يحسن التذكير بأن المحكمة العليا البريطانية سبق لها أن رفضت دعوى قضائية رفعتها جهات مساندة للانفصاليين ضدّ اتفاقية فلاحية بين المملكة المتحدة والمملكة المغربية، وهو ما صار حكماً مرجعياً أمام القضاء الأوروبي، وهو ما رسمه المغرب ديبلوماسياً من خلال بيان الخارجية الصادر في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 في الرد على قرار محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، وفي نصّه يقول البلاغ إن "محكمة العدل البريطانية أظهرت في قضية مماثلة تماماً المزيد من التمييز والحياد والقدرة القانونية". ولعلّ بريطانيا العظمى تمثّل في العمق ما يريده المغرب من حلفائه الأوروبيين في هذا الجانب، إذ تطالب الرباط "المجلس والمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باتخاذ التدابير اللازمة للامتثال لالتزاماتهم الدولية".
ومن مفارقات الوضع الجيوسياسي الأوروبي الجديد في العلاقة مع المغرب أن بريطانيا التي غادرت الاتحاد الأوروبي تقدّم لهذا التكتل القاري المرجعية الاقتصادية والسياسية في "الحفاظ على مكاسب الشراكة وتوفير الأمن القانوني للمغرب"، باعتباره "مشاركاً في عديد من القضايا الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي"، كما أنه يتجاوب، حدّ التطابق، مع عقيدة المغرب التي تربط ربطاً كاثوليكياً بين الشراكات الاستراتيجية مع الأطراف والموقف من قضية وحدة المغرب الترابية.
وهي القاعدة الذهبية التي جعل منها العاهل المغربي عقيدة بلاده الديبلوماسية، واستطاع بها تغيير موازين القوى عوض تدبير إكراهاتها الدولية. وساعة الصحراء على توقيت غرينتش ساعة للحسم بالنسبة للمغرب. وانتظار دقّات النهاية لملفّ صمد فيه المغرب أزيد من نصف القرن.
