الصراع السياسي يفاقم أزمة المياه والعطش في الحسكة السورية

4 days ago 3
ARTICLE AD BOX

يواجه سكان مدينة الحسكة السورية وريفها أزمة مياه خانقة، نتيجة استخدام المياه أداة للصراع السياسي، ما فاقم من معاناة الأهالي جرّاء العطش والحرمان في منطقة غنية بالأنهار والموارد المائية. كما ضاعف من حدّة الجفاف الذي يضرب البلاد. وفي السياق، تبرز مناشدات لتحييد "محطة علوك" ووقف استخدامها ورقة ضغط من قبل الأطراف المتنازعة، إنما السعي لإعادة ضخّ المياه، ولا سيّما وسط حديث عن جفاف الآبار.

يعاني فضل العبود، الخمسيني المقيم في حي الصالحية بمدينة الحسكة، من أزمة المياه، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "الحصول على المياه أصبح الشغل الشاغل لعائلته، لا سيّما مع ارتفاع درجات الحرارة". ويقول: "هناك أزمة على صهاريج المياه، وغالباً عندما أكون في عملي، يتولّى ابني الذي لا يتجاوز عمره 14 عاماً، تعبئة المياه بعد وصل خراطيم الصهريج إلى الخزّانين. وتبلغ سعة كل خزان ألف ليتر".

ويشير العبود إلى أنّ "أزمة المياه في الحسكة بدأت منذ خمس سنوات، لكنها لم تعد تُحتمل. سابقاً، كنا نحظى بضخ المياه عبر الشبكة لفترات محددة، لكن في الوقت الحالي، لم يعد هذا الأمر موجوداً، إضافة إلى استمرار انقطاع التيار الكهربائي وموجة الحرّ، ناهيك عن صعوبة إيجاد صهريج يمكنه أن يزوّدنا بالمياه. كما أنّ مياه الشفة غير سليمة ولا تكاد تصلح للشرب، لكنّنا نشتريها لأننا لا نملك أي خيار آخر".

أمّا فوزية عليوي، الأربعينية المنحدرة من حي غويران في مدينة الحسكة، فتقول لـ "العربي الجديد" إنها تعاني منذ أيام عدة عدم توفر المياه، بسبب كثرة الطلب على الصهاريج. تضيف: "زوجي خارج سورية وأعتمد على أشقائي في تأمين المياه، وقد اضطررتُ إلى الذهاب لمنزل شقيقتي ليستحمّ أطفالي ولأغسل ملابسهم، كونها تمتلك خزانات إضافية، لكن الأمر لم يعد يُطاق". وتتحسّر عليوي على ما ينتظرها هذا الصيف، وتقول: "يبدو أنّ أزمة المياه ستكون مختلفة عن أيّ عام سابق، والمؤكد أنّه لن يكترث أحد لأمرنا، رغم مطالبنا المتواضعة التي تقتصر على صهاريج مياه من أجل الاستخدام  المنزلي. نعاني منذ سنوات قلّة المياه، لكن أن نفقدها اليوم، فهي فعلاً كارثة حقيقية".

من جهته، يشدّد الناشط في المجال الإنساني والمتخصّص في الجيولوجيا، شجاع المهوس، المتحدر من مدينة الحسكة، على أنّ "أزمة المياه قديمة ومتجذّرة في المدينة، وتعود إلى عام 2019". ويقول لـ "العربي الجديد": "تحوّلت المياه في محطة علوك إلى ورقة تفاوض وأداة من أدوات الحرب، تستخدمها الأطراف المختلفة لضغط بعضها على بعض، ضمن سياق معقّد. وعلى الرغم من وجود منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) كجهة أممية معنية بتأمين المياه للأطفال والسكان، فإنّ جهودها خلال السنوات الماضية لم تؤدِّ إلى حلّ جذري، أو حتى تخفيف حدّة الأزمة".

ويشير المهوس إلى أنّ "المنظمات الدولية كانت عاجزة عن ضمان تدفق المياه بشكل دائم للمدنيين في الحسكة وريفها. لذلك، من المهم التأكيد أنّ المياه تحوّلت إلى أداة سياسية تُستخدم لمعاقبة السكان، ما فاقم من معاناتهم. وبالتالي، الأزمة لا ترتبط فقط بعوامل طبيعية كالجفاف أو انخفاض منسوب المياه الجوفية أو حتى قلة الهطولات المطرية، خصوصاً أنّ المنطقة غنية بالموارد والثروات المائية، إذ تمرّ بها أهم الأنهار السورية، مثل نهرَي الفرات ودجلة، إضافة إلى الخابور والبليخ وجغجغ، كما تستفيد من الهطولات الثلجية التي ترفد منابع هذه الأنهار في تركيا".

لا يقتصر تأثير انقطاع المياه على الشرب والاستخدامات المنزلية فحسب، بل يمتد إلى الزراعة والصناعة، ما يهدّد سبل العيش ويسهم في تغيير ديمغرافي حقيقي، نتيجة نزوح الأهالي نحو المناطق التي توفر لهم مصادر مائية دائمة، وفق ما يوضح المهوس. يضيف: "هذا النزوح القسري يمثل أحد أخطر تداعيات أزمة المياه، إذ يهدّد النسيج الاجتماعي ويضعف الاستقرار. أمّا على مستوى مبرّرات الأطراف المتصارعة، فهي في معظمها ذرائع واهية ومصطنعة لا تمتّ إلى الواقع بصلة، إذ إنّ الأزمة إنسانية وحلّها يكون بتحييد محطة علوك عن الصراعات، خصوصاً أنّ تشغيل المحطة لا يحتاج إلى اتفاقيات دولية أو موارد ضخمة، بل فقط إلى قرار يضع مصلحة المدنيين فوق مصالح الأطراف المتصارعة". 

وينبّه المهوس إلى أنّ "انعدام المياه يؤدّي إلى أزمات صحية واجتماعية، حيث تعجز عائلات كثيرة عن شراء مياه الصهاريج، إذ يقارب سعر الخزان بسعة ألف ليتر نحو 70 ألف ليرة سورية (7 دولارات أميركية تقريباً)، مع العلم أنّ مصادر مياه الصهاريج غير معروفة، وهي ملوّثة، غير معقمة وخالية من مادة الكلور، وكثيراً ما تسبّب الأمراض، لا سيّما في صفوف الأطفال وكبار السن". 

وفي الوقت الحالي، تُحمّل الإدارة الذاتية تفاقم أزمة المياه إلى الحكومة الجديدة وفصائل الجيش الوطني، وسط حديث عن خروج محطة علوك عن الخدمة بشكل شبه كامل في المنطقة. ورغم بدء بعض المنظمات بصيانة المحطة، لكن شتّى المحاولات لحلّ الأزمة باءت بالفشل، ومن ضمنها مساعي اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ولم يبدأ أيّ ضخ حقيقي للمياه، بسبب الخلاف على حصة المحطة من المياه، ما يؤكد أن المسألة ليست موضوعاً تقنيّاً. ويكشف مصدر مقرّب من الإدارة الذاتية لـ"العربي الجديد"، أنّ محطة علوك تحتوي على 34 بئراً بغزارة تصل إلى 200 متر مكعب في الساعة، وأنّ عمليات الضخ المستمرة توقفت عن المحطة في العام 2019، بسبب الصراع بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والجيش الوطني، لافتاً إلى أن "الضخ في الوقت الحالي متوقف، وسط حديث عن جفاف المياه في الآبار". 

Read Entire Article