الضغط العسكري في غزة يعيد ملف أسرى الاحتلال للواجهة

3 hours ago 5
ARTICLE AD BOX

يشكل الضغط العسكري المتواصل للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة أحد التحديات التي تعترض ملف الأسرى الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، والتسبب في قتلهم أو إصابتهم بفعل هذه العمليات. وللشهر الثاني على التوالي يواصل الاحتلال عملية "عربات جدعون" التي أطلقها، بهدف استعادة أسراه في غزة والقضاء على حركة حماس وتفكيك البنية الحكومية القائمة وتنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تقوم على تهجير أهالي غزة. ورغم تشديد حركة حماس على أن الطريق الوحيد لتحرير الأسرى سيكون عبر المفاوضات غير المباشرة فقط، يتمسك الاحتلال بالضغط العسكري كأحد الوسائل الأساسية للبحث عن أسراه، علماً أنه سبق أن تعرض عدد من الأسرى للقتل نتيجة هذه العمليات.

الأسرى في غزة

منذ الأيام الأولى للحرب في غزة شكلت العمليات العسكرية والقصف العنيف الذي نفذه الاحتلال، أحد الشواهد على فشل خيار الضغط العسكري في تحرير الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة. وفي التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي بعد مرور يومين فقط على الحرب في غزة، أعلنت "كتائب القسام" الذراع العسكرية لحركة حماس، مقتل أربعة أسرى إسرائيليين لديها بفعل القصف الإسرائيلي واستشهاد المجموعة الآسرة. ثم عادت "القسام" وأعلنت في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مقتل أسيرة مجندة في جيش الاحتلال وهي فاؤول أزاي مارك أسياني، فيما أصيب جندي أسير إصابةً متوسطة في قصف إسرائيلي طاول منطقة وجودهم. أما المحاولات الميدانية فكانت أولاها في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2023، حين أعلنت "القسام" إفشال محاولة إسرائيلية للوصول إلى أحد الأسرى، إثر اكتشاف قوة خاصة أثناء محاولتها التقدم لتحرير أسير إسرائيلي والاشتباك معها، مما أدى إلى مقتل وإصابة أفراد القوة، وتدخل الطيران الحربي وقصف المكان بسلسلة من الغارات للتغطية على انسحابهم، وقد أدى الاشتباك إلى مقتل الجندي الأسير ساعر باروخ.


أحمد الطناني: تهديد أبو عبيدة الأخير يؤكد بوضوح أن التعامل مع أي محاولة لتحرير أي أسير بالقوة ستكون بقتله

وفي مارس/آذار 2024، أعلنت "القسام" مقتل سبعة أسرى جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، وفي الشهر نفسه كشفت "القسام" عن وفاة أسير بفعل الحصار والتجويع ونقص الغذاء وهو الأسير بيجف بوخطاف. وخلال سعي الاحتلال إلى تنفيذ "خطة الجنرالات" في ديسمبر 2024، أعلنت "القسام" مقتل إحدى الأسيرات، بفعل تعرض المنطقة الموجودة في شمالي القطاع للقصف الإسرائيلي بشكل عنيف وحصار المنطقة. ومع زيادة الضغط العسكري الإسرائيلي أخيراً، عاد الحديث عن التداعيات المترتبة على العملية العسكرية الإسرائيلية، لا سيما بعد التصريحات التي أطلقها المتحدث العسكري باسم "القسام" أبو عبيدة أمس الأول السبت. وقال أبو عبيدة: "تحذير عاجل لمن يهمه الأمر... تحاصر قوات الاحتلال مكاناً يوجد فيه الأسير الصهيوني متان تسنغاوكر ونحن نؤكد بشكلٍ قاطعٍ أن العدو لن يتمكن من استعادته حياً، وفي حال قُتل هذا الأسير خلال محاولة تحريره، فإن جيش الاحتلال سيكون هو المتسبب في مقتله؛ بعد أن حافظنا على حياته مدة عامٍ وثمانية أشهر".

في المقابل، سعى الاحتلال للتقليل من هذا التحذير بالقول إن جميع المعلومات والتقديرات الاستخبارية تؤكد أنه لا يوجد في منطقة بها أسرى إسرائيليون، وأن الأمر مجرد دعاية مقصودة من حركة حماس. ولم ينجح الاحتلال طوال حربه المتواصلة للعام الثاني على التوالي في غزة باستعادة أي من أسراه أحياء، باستثناء عمليتين، الأولى كانت في رفح جنوبي القطاع والثانية في مخيم النصيرات وسط القطاع، فيما كانت بقية العمليات عبارة عن استعادة جثث.

في السياق، اعتبر مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني، إن جيش الاحتلال يدعي منذ بداية عملياته العسكرية الموسعة "عربات جدعون"، أن مصير الأسرى يؤخذ بعين الاعتبار، وأن المتابعة تتم بشكل متكامل مع الوحدة المختصة بملف الأسرى، تجنباً لوقوع قتلى في صفوفهم نتيجة العمليات، ويبرز هذا الادعاء مع كل ضربة عسكرية كبرى، كما حدث في أعقاب استهداف القيادي محمد السنوار. وأضاف الطناني في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن رئيس أركان جيش الاحتلال إيال زامير سبق أن حذّر من أن العمليات العسكرية الموسعة قد تؤدي إلى مقتل الأسرى، ما يجعل هذا التحذير حاضراً بقوة في حسابات الجيش.

في هذا السياق، يأتي تحذير أبو عبيدة ليؤكد أن التوغل البري واستمرار العمليات العسكرية يحملان مخاطرة دائمة، إذ يمكن أن تحدث في أي موقع، وقد تفضي إلى مقتل الأسرى. وأبدى الطناني اعتقاده في أن ورقة الأسرى تبقى الأكثر حساسية حالياً في المشهد ومجرى العمليات العسكرية في قطاع غزة، وتكمن المفارقة الرئيسية حول الضغط العسكرية في سؤال النتيجة، في الوقت الذي يدعي فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن هدف الضغط العسكري هو تحرير الأسرى، بينما تحسم المقاومة بوضوح أن الضغط العسكري لن يُعيد الأسرى إلا في توابيت، وهذا ما تعيه تماماً عائلاتهم الأسرى، وسبق أن أكده الأسرى الذين أطلقت المقاومة سراحهم ضمن عمليات التبادل.

ولفت الطناني إلى أن تهديد أبو عبيدة الأخير يؤكد بوضوح أنه لا يوجد أي هامش للخطأ لدى المجموعات الآسرة، وأن التعامل مع أي محاولة لتحرير أي أسير بالقوة ستكون بقتله، وهو إعادة تأكيد أن الإجراءات التي اتخذتها المقاومة بعد عملية تحرير الأسرى في مخيم النصيرات قبل عام هي إجراءات فاعلة وما زالت سارية، وتُعيد إلى الأذهان صورة الأسرى الذين وُجدوا مقتولين في نفق اقتربت منه قوات الاحتلال في رفح. وأكد الطناني أن الاتصال بين المجموعات الآسرة وبين قيادة "القسام"، في حالة الاتصال الفعال والتنسيق اللحظي، وبالتالي هناك دائرة من المتابعة النشطة، وهو ما يقطع أي رهان على أن الاغتيالات أو الضربات المركزة قد تنجح في خلق حالة من الفراغ القيادي، مما قد يتيح هامشاً للاحتلال للمناورة عسكرياً في محاولة إنجاز عمليات تحرير ناجحة. وأوضح أن المقاومة تعي أن نجاح أي محاولة لتحرير الأسرى في هذا التوقيت تحديداً ستُشكل دفعة معنوية وسياسية لنتنياهو، وتعيد شرعية العمليات العسكرية في غزة، خصوصاً في هذا التوقيت الذي فقدت فيه الحرب أي شرعية سواء داخلية في كيان الاحتلال، أو خارجية لدى المجتمع الدولي الذي ضاق ذرعاً باستمرار العمليات العسكرية. وبحسب الاعتراف الإسرائيلي فإنه يوجد في غزة قرابة 56 أسيراً إسرائيلياً من بينهم ما لا يقل عن 20 أسيراً على قيد الحياة، فيما البقية عبارة عن جثث إما قتلوا خلال الحرب على غزة أو أسرتهم المقاومة جثثاً في السابع من أكتوبر 2023.


محمد الأخرس: من غير المنطقي استبعاد تضرر الأسرى أو حتى مقتلهم

فشل عمليات الاحتلال في غزة

من جانبه، رأى الكاتب محمد الأخرس، أن استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة بهذا الاتساع وهذا المستوى من القصف، يجعل من غير المنطقي استبعاد تضرر الأسرى أو حتى مقتلهم، وهو ما يتعارض مع الهدف المعلن لإسرائيل المتمثل في استعادتهم أحياء. وقال الأخرس لـ"العربي الجديد"، إن الوقائع على الأرض تشير إلى أن العمليات العسكرية لم تسفر عن تحرير الأسرى، بل تسببت في مقتل عدد منهم. وبحسب المعطيات الإسرائيلية، فإن ما لا يقل عن 40 أسيراً دخلوا غزة أحياء وخرجوا منها جثثاً. وأشار إلى أن قضية الأسرى باتت تتصدر المشهد الإسرائيلي الداخلي، وأصبحت المحور الأساسي في الجدل حول الحرب على غزة، متقدمة على قضايا أخرى مثل "تفكيك حماس" أو "البحث عن بديل لها". ولفت إلى أن مصارحة المقاومة للرأي العام الإسرائيلي، من خلال البيانات والتحذيرات، تسهم في إبقاء ملف الأسرى حياً ومؤثراً في الأجندة السياسية والإعلامية داخل دولة الاحتلال، كما تزيد من الضغط على المؤسسة العسكرية التي تبدو في كثير من الأحيان وكأنها تنفذ أهدافاً سياسية لا تتوافق بالضرورة مع الأهداف العملياتية. وبيّن الأخرس أن هذا الضغط يتزامن مع تزايد خسائر الجيش الإسرائيلي، حيث قُتل خلال أسبوع واحد ثمانية جنود، في وقت كان يُفترض فيه أن تكون الخطط العسكرية قائمة على تقليل الخسائر البشرية، لا تفاقمها.

Read Entire Article