ARTICLE AD BOX
بغداد اليوم – بغداد
في منعطف إقليمي لافت، تتجه العلاقات العراقية-السورية نحو مسار جديد من الانفتاح والتنسيق، مستفيدة من المتغيرات الكبرى التي شهدتها دمشق بعد سقوط النظام السابق، وقرار واشنطن الأخير برفع العقوبات عن سوريا، إلى جانب التراجع الواضح للدور الإيراني هناك. هذا التغيير وفّر لبغداد مساحة أوسع للحركة السياسية والأمنية، وسط تأكيد رسمي بأن سوريا تمثل "عمقًا استراتيجيًا" لا يمكن التفريط به.
تواصل سياسي وأمني "وفق المصلحة الوطنية"
أكد عضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، مختار الموسوي، في حديث لـ"بغداد اليوم"، أن العراق "يتعامل مع المتغيرات في سوريا وفق مصلحته الوطنية، ووفق ما يحتاجه لحفظ الأمن القومي العراقي"، مشددًا على أن التواصل مع دمشق "مستمر على كافة الأصعدة، ولا يمكن أن تكون هناك قطيعة بسبب طبيعة العلاقة الجغرافية والأمنية بين البلدين".
وأضاف الموسوي أن سوريا تمثل عمقًا حيويًا للعراق في ملفي الأمن والاستقرار، خاصة مع استمرار التحديات الأمنية في بعض المناطق الحدودية التي تنشط فيها جماعات مسلحة عابرة للحدود، مشيرًا إلى أن التنسيق الأمني بين بغداد ودمشق لم يتوقف، بل تعزز مؤخرًا بعد تغير شكل الحكم في سوريا.
تحول دولي: رفع العقوبات وتكريس الشرعية الجديدة
تزامن هذا التقارب مع إعلان الولايات المتحدة رسميًا في أيار الماضي (2025) رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة دعمتها السعودية وتركيا، وأعقبتها مواقف أوروبية مماثلة، لتفتح الباب أمام عودة سوريا إلى الساحة الإقليمية كدولة فاعلة.
الحكومة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشراه، تسعى بدورها إلى إعادة بناء علاقاتها مع دول الجوار بعيدًا عن المحاور التقليدية، وهو ما شجع بغداد على تعميق التواصل في ملفات متعددة، أبرزها التعاون الأمني، والتخطيط لإحياء أنبوب النفط الممتد بين البصرة وساحل البحر المتوسط عبر الأراضي السورية.
تراجع النفوذ الإيراني.. وتموضع جديد لبغداد
المعادلة الأبرز في هذا التحول هي غياب طهران عن المشهد السوري الجديد، بعد عقود من النفوذ الذي فرضته عبر الحرس الثوري وشبكاتها الأمنية. فبعد الإطاحة بالنظام السابق، فقدت إيران حلفاءها المباشرين، وانحسر دورها بشكل كبير لصالح تحالفات جديدة تجمع دمشق بعدد من الدول العربية والغربية.
هذا التراجع أتاح للعراق هامشًا أوسع للتقارب مع سوريا دون الاصطدام بالحسابات الإيرانية، خصوصًا أن بغداد بدأت بإعادة ضبط تموضعها الإقليمي على قاعدة المصالح لا المحاور، ما يتيح لها التحرك بحرية أكبر في ملفات الطاقة، والأمن، والتبادل الاقتصادي مع دمشق.
الأنبوب وخارطة المشاريع المشتركة
من أبرز مشاريع التعاون التي يجري العمل على دراستها حاليًا هو إعادة تشغيل أنبوب نقل النفط العراقي عبر سوريا، والذي تعرّض للضرر خلال السنوات الماضية، لكنه يظل خيارًا استراتيجيًا لتوسيع خيارات التصدير العراقي بعيدًا عن مضيق هرمز أو المنافذ الجنوبية التقليدية.
كما يجري التفاهم على تفعيل اتفاقيات في مجالات النقل، ومكافحة الإرهاب، وربط المناطق الحدودية بخطط تنمية مشتركة، خاصة في ظل الكثافة السكانية للمناطق الغربية من العراق، والتي ترتبط جغرافيًا وأمنيًا بسوريا الجديدة.
خلاصة: تحوّل سياسي يتجاوز الماضي
رغم سنوات العزلة والجمود، تعود العلاقات العراقية-السورية إلى الواجهة، ولكن هذه المرة في ظل معادلة إقليمية جديدة تبتعد عن النفوذ الإيراني المباشر، وتقوم على الواقعية والمصلحة الوطنية.
العراق، من جهته، يحاول أن يوازن بين ضرورات الأمن القومي والانفتاح الاقتصادي، مستفيدًا من لحظة إقليمية مواتية قد تفتح الباب لإعادة تشكيل الدور الإقليمي لبلاد ما بين النهرين، من دمشق حتى الخليج.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات