ARTICLE AD BOX
يريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب "قبّة ذهبيّة" تؤمّن حماية من الصواريخ "قريبة من 100 في المئة". ويريدها أن تنتهي خلال ولايته. للفيزياء رأي آخر. بالأحرى، للفيزياء والسياسة والاقتصاد والتكنولوجيا وربما الجيش رأي آخر.
من الحديد إلى الذهب
استلهم ترامب مشروع "القبة الذهبية" من "القبة الحديدية" في إسرائيل. العقبة الأولى أمام هذا المشروع هي الفرق الهائل بين المساحة التي على القبّتين تغطيتها. فمع هذا الفرق، لا تأتي فقط مشكلة توسيع رقعة المظلة مئات المرّات بل أيضاً مشكلة توقّع زوايا الهجوم الأكثر عدداً. والطوبوغرافيا الأميركيّة شديدة التنوع أيضاً مما يضيف مستوى آخر من التعقيد. وفي جميع الأحوال، تهدف "القبة الحديدية" إلى اعتراض المقذوفات البطيئة والقصيرة المدى. "القبة الذهبية" تنقل التكنولوجيا إلى مستوى آخر تماماً.
تقول بيث فيشر، أستاذة جامعيّة في كلية وودزوورث الكنديّة، إنّه من الصعب تقييم جدوى مشروع يستخدم تكنولوجيا غير موجودة بعد.
لقد تحدّث ترامب عن ميزة للمنظومة المقبلة تمنحها "القدرة حتى على اعتراض الصواريخ التي تُطلق من الناحية الأخرى من العالم، أو التي تُطلق من الفضاء". مجدداً، ثمة عقبة أساسيّة أمام تحقيق هذا التصوّر.
"التزامن"
إنّ وضع الصواريخ الاعتراضية في الفضاء يشبه إلى حد كبير وضع الأقمار الاصطناعيّة لجهة الفيزياء التي تتحكم بها.
الأقمار الاصطناعيّة الأكثر قرباً من الأرض أو في "المدار المتدني" (160-2000 كيلومتر) عادة ما تدور بسرعة أكبر من دوران الكوكب. محطّة الفضاء الدولية مثلاً (450 كيلومتراً) تحقّق دورة كاملة في ساعة ونصف مقابل 24 ساعة للكرة الأرضيّة. طبعاً هناك أقمار اصطناعية "متزامنة مع دوران الأرض" ((geostationary أي أنّها تدور بنفس سرعة الكوكب، وموجودة على ارتفاع نحو 35 ألف كيلومتر. إنّ وجود الصواريخ الاعتراضية في "المدار المتدني" يعني – إذا كانت الشبكة ضيّقة – أنّ احتمالات فشل الاعتراض ترتفع إذا كانت الصواريخ في النصف الآخر من الأرض.
مع تحيّات كيم جونغ أون... وغاليلي!
من المفضّل استهداف الصاروخ الباليستيّ وهو ينطلق من صومعته، لأنّ إصابته ستكون أسهل من اعتراضه وهو في مرحلة التحليق المتوسّطة. والاستهداف في هذه المرحلة أفضل بكثير من ضربه، أو حتى ضرب رؤوسه المنفلشة، وهي تعاود دخول مدار الأرض على ارتفاع 100 كيلومتر. مع هذا الدخول، لا يفصلها عن الارتطام سوى دقيقة على الأكثر.
مع ذلك، إنّ فرصة استهداف الصاروخ وهو ينطلق من صومعته ليست هي الأخرى كبيرة. إنّها عبارة عن نافذة تتراوح بين 3 إلى 5 دقائق، بحسب العالمة في "اتّحاد العلماء المعنيّين" وعضو لجنة "جمعيّة علماء الفيزياء الأميركيّين" لورا غريغو.
في شباط/فبراير من هذه السنة، أصدرت "الجمعيّة" بحثاً قلّل من فاعليّة أي نظام دفاعيّ صاروخيّ ضد التهديدات الجوّيّة. تحتاج أميركا إلى وضع 400 صاروخ اعتراضيّ في الفضاء لضمان اعتراض "هواسونغ-15" الباليستيّ الطويل المدى من كوريا الشماليّة – على افتراض أنّ الصواريخ الاعتراضيّة تُطلق بشكل شبه تلقائيّ. أمّا إذا منح النظام المتحكّمين 30 ثانية للقرار، فسيرتفع العدد إلى 500. مع "هواسونغ-18" الأكثر تطوّراً، أيضاً مع احتساب الحاجة إلى 30 ثانية للقرار، فسيرتفع العدد إلى 3600. ولا يزال الحديث هنا يدور عن إطلاق بيونغ يانغ صاروخاً واحداً لا وابلاً من الصواريخ.
ردّت وكالة الدفاع الصاروخيّ الأميركيّة بالقول إنّ دراسات "الجمعيّة" استندت إلى أرقام قديمة ولم تأخذ بالاعتبار التطوّرات التقنيّة. غير أنّ فيكتوريا سامسون من "مؤسسة العالم الآمن"، قالت إنّ التكنولوجيا تطوّرت "لكن قوانين الفيزياء لم تتغيّر وهذا هو التحدّي الحقيقيّ". ففي مرحلة التحليق المتوسط، بإمكان الصاروخ الباليستي أن يطلق بالونات أو أي أجسام خداعيّة أخرى إلى جانب الرؤوس الحقيقيّة، وسيصعب على الصواريخ الاعتراضيّة تمييزها لأنها تطير في الفضاء الخارجي بسرعة الصاروخ الهجوميّ نفسه. بالفعل، أظهر فيديو قديم لـ "ناسا" رائد الفضاء ديفيد سكوت وهو يفلت من يديه مطرقة وريشة على القمر فسقطتا بالسرعة نفسها، بسبب غياب مقاومة الهواء، كما توقع غاليلي.
من البيروقراطيّة إلى الاستثمارات
ما يفاقم هذه التحدّيّات هو غياب الاستثمار في هذه الصناعة إذ دام نحو ثلاثة عقود، بحسب پيپي دي بيازو، باحث بارز في شؤون الدفاع الصاروخيّ ضمن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية". وذكر أيضاً أنّه حين أراد تأسيس قسم للصواريخ الباليستية، لقي الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور معارضة من قيادة القوّات الجوّيّة التي شكّكت بفاعليّة المشروع وخشيت من تهديده لموازنتها وقوة القاذفات الاستراتيجيّة. ما إذا كان مشروع ترامب سيشهد معارضة بيروقراطيّة شبيهة هو سؤال مفتوح. مع ذلك، قد لا يكون السؤالَ الأصعب حتى.
فبعد القضايا العلميّة، ربّما يمثّل المال العقبة الأبرز. قال ترامب إنّ المشروع سيكلّف نحو 175 مليار دولار. مكتب الموازنة في الكونغرس أوصل الرقم إلى نصف تريليون، بينما قدّرته فيشر، الأستاذة في وودزوورث الكندية، بنحو تريليون دولار على مدى عشرين عاماً. لن يُعجب ترامب بهذه الأرقام. ولا الموازنة الدفاعية الأميركيّة بشكل محتمل. فتحديث القوات النوويّة الأميركيّة قد يتطلّب أيضاً نحو تريليون دولار بحلول 2035.
"ستكون الأمور أسوأ"
لا تبدو الأمور أسهل على مستوى التداعيات السياسيّة. فالروس والصينيّون سيردّون على "القبّة الذهبيّة" عبر تسريع إنتاجهم للصواريخ النوويّة، في نوع من التعويض عن فقدان الردع الذي ستتسبّب به هذه التكنولوجيا. قد يتحوّل الفضاء أيضاً إلى مسرح للتقاتل مع امتلاك الدولتين قدرات على إسقاط الأقمار الاصطناعيّة.
يقول الأستاذ في "معهد ميدلبري للدراسات الدوليّة" والمتخصّص في الدفاعات الصاروخيّة جيفري لويس: "سينتهي بنا الأمر عند امتلاك الروس والصينيين جميع أنواع الأسلحة المجنونة المرتبطة بالخيال العلميّ". وتابع: "سننفق عشرات إن لم يكن مليارات الدولارات كي نكون، في أفضل الأحوال، في المكان نفسه الذي نحن فيه اليوم، وعلى الأرجح في مكان أسوأ".
ليس بالضرورة أن يتحقّق هذا السيناريو. فكما تواجه أميركا عقبات أمام بلوغ "القبّة الذهبيّة"، كذلك ستكون الحال مع الصينيين والروس. وليس أقلّها التحدّيات المالية. لكن بالحد الأدنى، سيكون هناك سباق تسلّح جديد، حتى ولو كانت نتائجه مجهولة اليوم.
نظرة أكثر تفاؤلاً
بحسب بعض الخبراء، ليس على القبّة الذهبيّة أن تكون حلماً بعيد المنال تماماً. رئيس قسم الدفاع والاستراتيجية في "معهد بروكينغز" مايكل أوهانلون أكد أهمّيّة وضع أهداف دفاعيّة واقعيّة، تقوم على تطوير منظومات موجودة أساساً للدفاع ضد الصواريخ الباليستيّة الطويلة المدى مثل "ثاد" و"إيجيس". وينطبق الأمر نفسه على المنظومات الاعتراضيّة في ألاسكا وكاليفورنيا والتي خُصّصت في الماضي لاعتراض ما يوازي فاعليّة الصواريخ الكوريّة الشماليّة، أكثر من تخصيصها لترسانة روسيّة وصينيّة كبيرة من الصواريخ الجوّالة والباليستيّة.
وما سيعزّز من إمكانات أميركا هو انضمام كندا إلى المشروع. من المتوقع أن ترفع أوتاوا من فاعليّة "القبّة الذهبيّة" إذا سمحت بوضع أقمار اصطناعيّة فوق القطب الشمالي لرصد تحرّكات روسيا والصين بشكل أدقّ. وليس أنّ المساهمة المالية ستكون أقل شأناً. طبعاً، ما لا يساعد في هذا الإطار هو وصف رئيس الوزراء الكنديّ بـ "حاكم... الولاية الـ 51".
يقال إن ترامب تحدى قوانين الجاذبيّة السياسيّة عندما فاز بالانتخابات. فهل يستطيع تكرار إنجاز وطني مماثل؟
سيكون هكذا إنجاز قريباً من المستحيل، خصوصاً في الأعوام القليلة المقبلة. لكنّ ترامب نفسه كرّر في حفل تنصيبه الثاني شعار بلاده الشهير: "في أميركا، المستحيل هو أفضل ما نفعل".