الكوليرا في السودان

6 days ago 3
ARTICLE AD BOX

توشك حرب السودان أن تكمل شهرها الثاني من العام الثالث للحرب. 777 يوماً من الدمار والنزوح والقتل والمذابح الجماعية والجوع والاغتصاب والإخفاء القسري، وغيرها من البلايا التي يعيشها السودانيون كلّ يوم، بلا أفق واضح لحلّ يوقف الحرب. وما زالت الأمم المتحدة تقرع (عبثاً) أجراس إنذار عواقب تجاهل المجاعة في السودان، وأزمة سوء التغذية. بحسب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فإن السودان يشهد أكبر أزمة جوع في العالم. يحذّر برنامج الغذاء العالمي (WFP) من أن أكثر من نصف السكّان يعانون من مستويات جوع كارثية، وأن المجاعة امتدّت إلى خمس مناطق في السودان، مع وجود 17 منطقة مهدّدة. يحاول البرنامج جمع التبرعات وحشد الدعم لمساعدة الجوعى، متوسّلاً بالقول: "المجاعة تعني أن الناس تموت بالفعل جوعاً، وبدون مساعدات غذائية فورية يخشى أن تنتشر المجاعة أكثر في عام 2025، ممّا يهدّد حياة ملايين البشر، معظمهم من الأطفال".

لكن العالم لا يستجيب، كما أثّرت قرارات الرئيس الأميركي ترامب بسحب تمويل الولايات المتحدة مشاريع إنسانية كثيرة في عمليات الإغاثة، في توفير التمويل اللازم لإنقاذ حياة ملايين البشر. وتنكر الحكومة العسكرية المجاعة، وشكّك وزير الزراعة في أرقام الأمم المتحدة، وأكّد أن المنظّمات الإغاثية الدولية تحاول تجاوز الضوابط الحكومية بالحديث عن مجاعة وكارثة إنسانية. وبينما تشهد المطابخ المركزية، التي تقدّم الغذاء مجّاناً في مناطق الحرب، توقّف العمل لنقص التمويل، ومضايقة المسلّحين (من كلّ الأطراف) للناشطين واعتقال بعضهم. تستهدف قوات الدعم السريع (عقب هزيمتها في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة) البنى التحتية، ومستودعات الوقود الزراعي، مهددةً بالقضاء على القلّة الباقية من النشاط الزراعي الذي يوفّر جزءً من الاحتياجات الغذائية للمواطنين.

ومع الوضع الغذائي الحرج، عاد وباء الكوليرا للانتشار. بحسب وزارة الصحّة السودانية، فإن 70 شخصاً توفّوا جرّاء الوباء خلال يومَين. بينما حذّرت منظّمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسف) من أن عدد المصابين قد تضاعف تسع مرات خلال عشرة أيام.

للنظام العسكري في السودان صراعات طويلة، وشهيرة، في إنكار انتشار الأوبئة والأمراض، فأنكر الرئيس السابق عمر البشير وجود مرض الإيدز في السودان، واعتبر تعاون وزارة الصحّة مع المنظّمات الدولية لمكافحة المرض نوعاً من تشويه سمعة التوجّه الإسلامي للبلاد. كما رفض النظام إعلان حالات كوليرا سابقة في مناطق متفرّقة، وأصرّ على التعامل معها باعتبارها مجرّد حالات "إسهالات مائية". وتكرّر ذلك في فترة وباء كورونا، عندما كانت الحركة الإسلامية تحشد كوادرها لتحتجّ ضدّ إجراءات العزل والتباعد الاجتماعي، متّهمة الحكومة الانتقالية وقتها بالتآمر مع منظّمة الصحّة العالمية لادّعاء وجود وباء في السودان. وخاضت وسائل الإعلام التابعة للحركة الإسلامية معاركَ يوميةً ضدّ وزارة الصحّة مشكّكةً في كلّ تقاريرها عن الوباء.

يتصاعد الوباء مع نظام صحّي منهار. ورغم توافر دعم دولي لإعادة تشغيل عدة مستشفيات في المناطق التي استطاع الجيش تحريرها من قبضة "الدعم السريع"، إلا أن الكارثة تتصاعد. تقول وزارة الصحّة إن الوباء ينحسر، وإن نسبة شفاء المصابين بلغت 98%، وأن حالات الإصابة والوفاة قد تراجعت، بينما تقول التقارير الدولية والمحلّية شيئاً آخر. تقول منظّمة أطباء بلا حدود إن مراكزها العلاجية ممتلئة بالمصابين. وبحسب منسّق المنظّمة في السودان، فإن لا أحد يعرف الحجم الحقيقي للوباء، لأنه لا يمكن رؤية الصورة الكاملة.

وحول مراكز العزل ينام المرضى في الشوارع تحت أشعة الشمس الحارقة، من دون وجود رعاية صحية تذكر. بينما يحاول المتطوّعون جمع التبرّعات لتوفير محاليل التغذية والعلاجات الأولية. هذا جزء من الصورة الأكبر للحرب. فخلف صوت البنادق تختفي أصوات المرضى والجوعى، ولا يلتفت إليها أحد. ومع تصاعد حدّة، الوباء تحاول قوات الدعم السريع استثمار ذلك سياسياً، كأنّها ما قصفت المستشفيات وحوّلتها ثكناتٍ عسكريةً.

بحسب "يونيسف"، بدأ وباء الكوليرا الانتشار في السودان منذ أغسطس/ آب 2024. وفي يناير/ كانون الثاني 2025 بلغ عدد المصابين أكثر من 50 ألف حالة. مع هذا التفشّي الجديد، وتصاعد نسب الإصابة، تحتاج الاستجابة الدولية لمزيد من التحفيز. لكن، مع التجاهل الدائم للحرب السودانية، ليس من المتوقّع أن يتوافر تمويل إضافي للصحّة. بينما يوفّر حلفاء المتقاتلين الأسلحة والطائرات المسيّرة، لا توجد جهة قادرة على توفير محاليل التغذية للمرضى.

Read Entire Article