المثلث الحدودي جبهة في الحرب السودانية

1 day ago 1
ARTICLE AD BOX

تمددت المعارك بين الجيش السوداني والقوات المساندة له، وبين مليشيات الدعم السريع، هذه المرة إلى منطقة المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، وسط اتهامات وجهها الجيش، الذي انسحب من المنطقة، لمليشيات "الدعم" بشن الهجوم بمساندة القوات الليبية التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر (يقود ما يسمى القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية) في محاولة للاستيلاء على النقاط الحدودية، الأمر الذي نفته قوات حفتر ووصفت الاتهامات لها بـ"الباطلة" ومحاولة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية. أما "الدعم السريع" فنشرت من جانبها صوراً أظهرت سيطرتها على منطقة المثلث الحدودي الاستراتيجية.

وبدأت الاشتباكات يوم الجمعة الماضي، بين القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح (حركات مسلحة موقعة على سلام مع الحكومة) المساندة للجيش السوداني، وكتيبة من القوات التابعة لحفتر في منطقة جبل العوينات، جنوب شرق مدينة الكفرة، على الحدود بين السودان وليبيا، وأسفرت عن وقوع قتلى ومصابين من الطرفين. ونشر مقاتلون من "الدعم السريع"، أمس الأربعاء، على غرار اليومين الماضيين، مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت دخولهم منطقة المثلث الحدودي والاستيلاء على مقر للقوة المشتركة المساندة للجيش. فيما أعلنت "الدعم"، أمس، السيطرة على المثلث الحدودي، وانسحاب الجيش السوداني منه.

وصباح أمس، أقرّ الجيش السوداني بسحب قواته من المثلث الحدودي. وقال في تصريح صحافي مقتضب، إن قواته أخلت المنطقة في إطار ترتيباتها الدفاعية لصد العدوان على منطقة المثلث المطلة على الحدود بين السودان ومصر وليبيا، مضيفاً أنه "في إطار ترتيباتها الدفاعية لصد العدوان، أخلت قواتنا اليوم (أمس) منطقة المثلث المطلة على الحدود بين السودان ومصر وليبيا"، دون الخوض في تفاصيل. وكان المتحدث باسم الجيش السوداني، نبيل عبد الله، أفاد في بيان أول من أمس الثلاثاء، بأن مليشيا الدعم السريع شنت هجوماً مسنودة بقوات خليفة حفتر الليبية (كتيبة السلفية) استهدف نقاطه الحدودية في المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا بغرض الاستيلاء على المنطقة. ووصف الهجوم بأنه "بادرة مستهجنة وغير مسبوقة وانتهاك صارخ للقانون الدولي".  وأضاف عبد الله أن "التدخل المباشر لقوات خليفة حفتر إلى جانب المليشيا في هذه الحرب يعتبر تعدياً سافراً على السودان وأرضه وشعبه، وامتداداً للمؤامرة الدولية والإقليمية على السودان تحت سمع وبصر العالم ومنظماته الدولية والإقليمية". وشدد على أن "السودان شعباً وجيشاً سيتصدى بقوة لهذا العدوان السافر وسندافع عن بلدنا وسيادتنا الوطنية، وسننتصر مهما بلغ حجم التآمر والعدوان المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة ومليشياتها بالمنطقة".

بدورها قالت الخارجية السودانية، في بيان أول من أمس، إنه "في اعتداء سافر على سيادة السودان وتهديد خطير للأمن الإقليمي والدولي، شاركت كتيبة السلفية الليبية التابعة لخليفة حفتر في هجوم مليشيا الجنجويد الإرهابية اليوم (أمس) على النقاط الحدودية للقوات المسلحة السودانية داخل الأراضي السودانية، في محاولة منها للاستيلاء على المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا". واعتبرت أن "تدخل قوات حفتر في القتال المباشر إلي جانب المليشيا الإرهابية، داخل الحدود السودانية، يمثل تصعيداً خطيراً للعدوان الخارجي على السودان الذي يرعاه نظام أبوظبي. كما يجسد حجم التهديد الجسيم للأمن والاستقرار الإقليميين بسبب مطامع ومخططات نظام أبوظبي غير المشروعة في المنطقة". ويتهِم الجيش السوداني قوات الدعم السريع وقوات حفتر باستخدام المنطقة لنقل الأسلحة.  وفي بداية الحرب اتهمت الحكومة السودانية حفتر بمساندة قوات الدعم السريع عبر مدها بالأسلحة، واتهمت الإمارات، بدعمها أيضاً، عبر وسائل منها غارات جوية مباشرة بطائرات مسيرة الشهر الماضي. وتنفي الإمارات تلك المزاعم.

ضبط منطقة المثلث الحدودي

في المقابل، نفت قوات حفتر تورطها في الهجوم. وذكرت "القيادة العامة للجيش الليبي" بقيادة حفتر، في بيان أول من أمس الثلاثاء، أنها تابعت باستغراب شديد بيان القوات المسلحة السودانية" ومزاعمها التي وصفتها بـ"الباطلة" لقواتها بالتدخل في مناطق حدودية سودانية. واعتبرت في البيان أن "هذه المزاعم الإعلامية محاولة مفضوحة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية وخلق عدو خارجي افتراضي"، لافتة إلى أن القوات السودانية كررت أخيراً اعتداءاتها على الحدود الليبية، وهو أمر آثرت معالجته بهدوء حفاظاً على حسن الجوار. وتابعت: "نحتفظ بحق الرد على أي خرق كما حدث الأيام الماضية واليوم بعد اعتداء قوة تتبع القوات المسلحة السودانية على دوريات عسكرية تتبعنا. دورياتنا تعرضت لاعتداء خلال ممارستها واجبها في تأمين الجانب الليبي من الحدود، وهو أمر انتهى في زمانه ومكانه بعيداً عن التهويل الإعلامي الصادر من القوات المسلحة السودانية". وفي سياق متصل، ووفقاً لما أفادت به مصادر عسكرية ليبية لـ"العربي الجديد"، فقد بدأت كتيبتا سبل السلام، والــ77، التابعتان لحفتر في تعزيز انتشارهما على الشريط الحدودي مع السودان بشكل ملحوظ منذ الأحد الماضي. مع العلم أن صفحات ليبية وسودانية على منصات التواصل الاجتماعي، تناقلت مقاطع فيديو تظهر أفراداً وآليات تابعة لسرية من كتيبة سبل السلام، وقعت في أسر الجيش السوداني خلال مشاركتها في دعم هجوم "الدعم".

وبينما امتنع الناطق الرسمي باسم قيادة حفتر، أحمد المسماري، عن التعليق على المقاطع، معتبراً في حديث مقتضب لـ"العربي الجديد"، بأن نفي قيادة حفتر في مناسبات سابقة علاقتها بالصراع في السودان "كافٍ"، أكد عبد الله سليمان أحمد، القيادي في كتيبة سبل السلام، على صفحته في "فيسبوك"، وقوع اشتباكات بين كتيبته وقوات الجيش السوداني التي وصفها بـ"العصابات" خلال الأيام الماضية. أما "الدعم السريع" فأعلنت في بيان على منصة تليغرام أمس الأربعاء، سيطرتها على منطقة المثلث الحدودي الاستراتيجية، معتبرة أنها خطوة نوعية سيكون لها ما بعدها على امتداد عدة محاور قتالية، لا سيما في الصحراء الشمالية. وتابعت: "كما يُسهم هذا الانتصار في مكافحة الهجرة غير النظامية والاتجار بالبشر على الحدود السودانية، مشيرة إلى أن أهمية هذا الانتصار تنبع من الموقع الجغرافي الحيوي لمنطقة "المثلث".  وتعد المنطقة، وفق بيان "الدعم"، "معبراً حدودياً اقتصادياً واستراتيجياً بين ثلاث دول، ومركزاً محورياً للتجارة والنقل بين شمال وشرق أفريقيا، كما تحتوي المنطقة على موارد طبيعية غنية بالنفط والغاز والمعادن، إلى جانب كونها فضاءً يعكس التنوع الثقافي والتداخل الاجتماعي بين شعوب المنطقة". وذكرت أن انتشار قواتها على محور الصحراء الشمالي يُعد "تحوّلاً استراتيجياً في تأمين الحدود وحماية البلاد".

منطقة استراتيجية

يعتبر المثلث الحدودي منطقة ذات أهمية استراتيجية في ما يتعلق بالهجرة والتجارة والتعدين، وكذلك منطقة حدودية حساسة ولوجستية، وتضم موقعاً عسكرياً صغيراً للجيش السوداني والقوات المساندة له. كما تعتبر معبراً للاجئين والمهاجرين نحو ليبيا، ويوجد فيها سوق ومنطقة تجارية للبضائع وموقف للسيارات التي تأتي من الولاية الشمالية السودانية، للمثلث وتعبر إلى داخل ليبيا. في هذا الصدد، رأى الصحافي السوداني، محمد محمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الدعم السريع كانت تضع عينها منذ فترة على موقع المثلث الذي يضم منطقة تجارية مهمة وبوابة لعبور الحدود السودانية الليبية".

محمد محمود: من المتوقع أن يكون لمصر رد فعل على الأحداث

وأضاف أن "الدعم السريع خسرت الكثير بعد هزيمتها في ولايات الوسط والشرق والخرطوم، لذلك تحاول التركيز على المناطق البعيدة ذات الأهمية التجارية والاستراتيجية". وبرأيه فإن "المثلث الحدودي بين السودان وليبيا يربطها مباشرة بحليفها قوات خليفة حفتر الليبية، ويمكنها من هناك تهديد الولاية الشمالية". وأشار محمود إلى أن "الموقع الذي أصبح الآن جبهة جديدة يقع على تخوم مصر، ومن المتوقع أن يكون لها رد فعل على ذلك"، فيما توقع أن "يكون سحب الجيش لقواته تحركاً استراتيجياً للتجهيز لشن هجوم كبير في الأيام المقبلة لاستعادة المنطقة التي لن يتركها بيد الدعم، لأهميتها الكبيرة"، ما ينذر بحسب محمود "بمعارك ضارية سيكون لها تأثير على سير المعارك في منطقة الصحراء".

ليست معركة "الدعم"

من جهته، قال المستشار في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية اللواء، معتصم عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، إن الحرب في الحدود السودانية الليبية "ليست حرب الدعم السريع"، مبيناً أنها "فشلت في تجنيد مقاتلين جدد من إقليمي كردفان ودارفور وزجت بآخرين وقواتها بدارفور في حرب كردفان". وبرأيه فإنه بالتالي "لا تملك الدعم السريع الآن أي قوة بشرية، في وقت تعاني فيه من مشاكل داخلية في مدن نيالا والضعين بدارفور، والمناطق التي تعتمد عليها في استجلاب المقاتلين بسبب عزوف الشباب من القتال بعد تجربة العامين الماضيين".

معتصم عبد القادر: كفلاء "الدعم" فتحوا الجبهة على الحدود

وأضاف عبد القادر أن "الدعم السريع تواجه إشكالات وقتالاً داخلياً بمواقعها في دارفور، لكن كفلاءها والقوى الدولية والإقليمية الداعمة لها عملت على فتح هذه الجبهة في الحدود". أما الغرض الأساسي منها، وفق عبد القادر، "تشتيت وشغل الجيش السوداني عن معارك كردفان ودارفور، وأيضاً فتح جبهة لتهديد ولايتي الشمالية ونهر النيل".  في المقابل أكد أن "هذه المحاولات لن تجدي لأن القوات التي زُج بها هنا ليست قوات نظامية مثل الجيش السوداني الذي اكتسب خبرة خلال معارك العامين الماضيين، واستطاع إعادة بناء نفسه من القوة البشرية والمعدات، وهو قادر على خوض هذه الحرب بكفاءة". وأشار عبد القادر إلى أن هذه الهجمات "يقودها مرتزقة من الجماعات العقائدية وتجار الأسلحة والمخدرات والبشر، ولن تجدي في شغل الجيش"، معتبراً أن ما يحدث هو امتداد لحرب طويلة سوف يخوضها السودان لأنه مستهدف، "وسيستمر هذا الاستهداف مستقبلاً بأشكال مختلفة، سواء كان حرباً سياسية أو إعلامية أو اقتصادية وعسكرية".
 

Read Entire Article