المكسيك.. انتخاب الشعب للقضاة بين مخاوف تعميق الفساد وآمال الإصلاح

5 days ago 4
ARTICLE AD BOX

تختار المكسيك اليوم الأحد في انتخابات شعبية مباشرة حوالي 2700 قاض فيدرالي ومحلي، بمن فيهم أعضاء المحكمة العليا. وسيتاح للمرة الأولى أن يختار مواطني البلاد على امتداد البلاد (نحو 1.9 مليون كيلومتر مربع و113 مليون نسمة تقريباً) انتخاب كل القضاة، حيث من المقرر أيضاً انتخاب نحو 4 آلاف منهم في العام 2027. برغم ذلك هناك اختلاف على هذا النمط من التصويت الشعبي المباشر لاختيار القضاة، بين من يعتبرها "ثورة ديمقراطية" تحرر هيمنة دولة عميقة من الفاسدين على النظام القضائي، وتبشر بإصلاحات جذرية، وبين من يعدها مغامرة قد تعزز الفساد والتسييس.

الشعب يقرر... مواجهة صعبة مع الفساد

معسكر الرئيسة الحالية كلوديا شينباوم باردو يؤمن أن ذهاب شعب بأكمله إلى انتخاب قضاته "سيصلح النظام القضائي الذي يعاني الفساد والمحسوبية والزبائنية، وسيعيد الثقة بالمحاكم". ومن وجهة نظر الرئيس السابق، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، فإن المسألة بسيطة: "الآن الشعب يحكم. الشعب يقرر". وأُقر قانون الانتخاب المباشر في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، حيث علقت الرئيسة شينباوم باردو: "في الأول من يونيو/حزيران، ستكون المكسيك دولة أكثر ديمقراطية".

وتعاني المكسيك تفشي العنف الذي يقتل سنوياً آلاف المواطنين ويفاقم ظاهرة الاختفاء القسري، الذي يصل اليوم إلى 127 ألف مختف، ما جعل البلد في المرتبة 118 من بين 142 دولة في مؤشر سيادة القانون لمشروع العدالة العالمي عن العام الماضي 2024. وانتشار الفساد في البلاد يفقد الشعب ثقته بالقضاة والمسؤولين الحكوميين. ويرى منتقدو الاختيار الشعبي للقضاة أنه لو كان التصويت الشعبي المباشر يحل المشكلة لما كان هناك فساد في مجالس المدن أو بين حكام الولايات أو البرلمانات، بل إن عدداً من المحامين، ودعاة الديمقراطية، ورجال الأعمال، والمنظمات غير الحكومية، ومراكز البحوث، والمنظمات الدولية، والحكومات الأجنبية، يحذرون من أن يكون ضرر الانتخاب الشعبي للقضاة أكبر بكثير من نفعه. وهو أمر حذر منه الخبير في القانون الدستوري المقارن إدغار أورتيز روميرو، في تصريحات مرافقة للحملة الانتخابية.

عوائق نفوذ الياقات البيضاء في المكسيك

ولا تزال تنتشر في المكسيك مخاوف من نفوذ كارتلات المخدرات، وإمكانية تأثيرها عبر المال على بعض المرشحين. وذلك يعززه وجود مرشحين متهمين بتلقي تمويلات مشبوهة، ومحامين ترافعوا عن العصابات، بمن فيهم الشهير إل شابو (خواكين غوزمان لويرا)، وآخرين. ولأن المكسيك شهدت سابقاً عمليات قتل عشرات المرشحين للانتخابات العامة، تثار مخاوف حول مخاطر أن يلعب التهديد والتخويف دوراً في تحديد هوية المرشحين والفائزين حالياً، ما يقلل فرص اختيار أصحاب الخبرة المهنية، حيث يشترط اليوم لاختيار القضاة، فقط الحصول على شهادة في القانون وخمس سنوات خبرة مهنية.

ويذهب عضو مجلس إدارة نقابة المحامين المكسيكيين لويس إنريكي بيريدا تريخو في منشورات على منصة إكس إلى الاعتقاد بأن انتخاب القضاة مباشرة من الشعب "لا يهدف إلى تحسين أداء القضاة أو تحسين النظام القانوني". ويؤمن تريخو، وعدد من المحامين الذين استقالوا احتجاجاً، وبينهم 8 من أصل 11 قاضياً في المحكمة العليا، أن تحدياً يواجه المواطنين في اختيار هذا العدد من القضاة من بين قوائم طويلة. ونقلت صحيفة فاينانشال تايمز أن سكان مكسيكو سيتعين عليهم ملء تسع بطاقات اقتراع واختيار نحو 50 اسماً من بين ما يقرب من 300 مرشح. وهناك مناطق يوجد فيها 49 مرشحاً إلى 49 منصباً، وكأن العملية ستتم بالتزكية، كما ذكرت صحيفة إل باييس الإسبانية.

كذلك تثار مخاوف من تسييس الانتخابات، حيث يشدد خبير القانون الدستوري روميرو على أن العديد من المرشحين "ينتهي بهم الأمر إلى الارتباط بأحزاب سياسية لأنها الأفضل لناحية تنظيم الحملات الانتخابية وحشد الناخبين، ما يجعلهم بشكل غير رسمي مرشحين ينتمون فعلياً إلى أجنحة سياسية". ويستدعي المحذرون من التسييس ما حدث في وقت سابق من العام الحالي في الولايات المتحدة، من خلال إنفاق الثري إيلون ماسك ملايين الدولارات لدعم مرشح محافظ للمحكمة العليا في ويسكونسن، بحيث بات القضاة في مناطق أميركية كثيرة ينقسمون بين جمهوريين وديمقراطيين.

مع ذلك، ورغم الجدل المثار حول الانتخاب المباشر للقضاة، لا يزال نحو  ثلثي الناخبين يؤيدون الاختيار المباشر لهم، وهي تقريباً النسبة نفسها التي حقق فيها معسكر حزب مورينا، الحركة الوطنية للتجديد (تحالف بين يسار ويسار الوسط) فوزاً رئاسياً وبرلمانياً. ذلك مع نسبة لا تتخطى 15% عبروا عن رغبتهم في الإدلاء بأصواتهم. ويشدد مؤيدو انتخاب الشعب للقضاة على أن الطريقة السابقة لاختيار قضاة المحكمة العليا كانت ليست مثالية في الاستقلالية، حيث تتم من قبل مجلس الشيوخ من بين قائمة مرشحين يرسلها الرئيس/ة، وكذلك تعيين قضاة المقاطعات والاستئناف، وأنها لطالما أخضعت المرشحين لإرادة ومصالح من اختارهم، بعيداً عن إرادة الشعب. ويرى حزب مورينا الحاكم أن انتخاب القضاة من خلال التصويت المباشر من شأنه أن يجعلهم أكثر مسؤولية أمام ناخبيهم واستجابةً لمشكلات المواطنين. وجدير بالذكر أن الثقة في النظام الجزائي كله منخفضة للغاية، لدرجة أن أقل من 8% من الجرائم يتم الإبلاغ عنها.

عموماً، عاشت المكسيك لعقود في ظل عنف عالم الجريمة المنظمة، المتوسعة النفوذ، من دون أن يستطيع النظام القضائي مواجهتها بجدية، وسط اتهامات بوجود صلات بين العصابات وبعض الأجهزة الحكومية، بما فيها المحاكم، وتفشي الإفلات من العقاب. وذلك ولد بالفعل سجالاً ونقاشات طويلة حول ضرورة إصلاح جذري لنظام العدالة. ومنذ أن تولى الرئيس السابق ذو الميول اليسارية لوبيز أوبرادور منصبه في 2018، جرى إحباط محاولاته لإجراء الإصلاحات من قبل بعض قضاة "العليا"، خلال فترة ولايته التي استمرت ست سنوات.

والآن يبدو أن فوز مورينا وقدوم الرئيسة شينباوم باردو يشكل فرصة لتبني المكسيك إصلاحات مختلفة لمؤسساتها، بما فيها المحكمة العليا التي اتهمت طويلاً بأنها تقف عائقاً ضد الإصلاحات، بل اعتبر لوبيز أوبرادور سابقاً بعض قضاتها بأنهم "تحولوا إلى محافظين في خدمة مافيات ذوي الياقات البيضاء".

Read Entire Article