انفكاك الخناق الأميركي عن سورية: رفع العقوبات يُعيد الاستثمارات

2 weeks ago 9
ARTICLE AD BOX

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً أنه سيرفع جميع العقوبات عن سورية، بعد أشهر من العمل المتواصل وبعد الكثير من المفاوضات. الإعلان الذي جاء في منتدى الاستثمار السعودي في الرياض الثلاثاء، لفت إلى توجيه أوامر برفع العقوبات عن سورية "لمنحها فرصة للنمو والتطور" على حد تعبير ترامب، وذلك بعد مناقشات مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

الخبير الاقتصادي والقانوني كرم شعار، قال في فيديو توضيحي على موقع إكس، إن الإعلان مهم لأن جزءاً كبيراً من العقوبات له جوانب نفسية. لكنه أوضح أن كثيراً من العقوبات الأميركية المرتبطة بقوانين لا يمكن رفعها بقرار من الرئيس وحده، وإنما تحتاج إلى إجراءات أطول مثل قانون قيصر مثلاً، الذي يمكن وقف العمل به مؤقتاً بقرار من ترامب، ولكن يحتاج إلى تصويت من الكونغرس لإلغائه، وكذلك القوانين التي تصنف سورية دولة راعية للإرهاب، وقانون محاسبة سورية، ولكن الرئيس يستطيع القيام بأوامر تنفيذية لوقف العمل بهذه العقوبات.

وسأل شعار: "هل يشمل القرار العقوبات المرتبطة بالنظام السابق وحده، أم أيضاً تلك التي طاولت المجموعات التي صنفتها أميركا إرهابية؟" وشرح أن عدداً من العقوبات تطاول الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية السوري، وكذلك تنظيم هيئة تحرير الشام ذاته.

والسؤال الأكبر بحسب شعار يرتبط بالعقوبات الأممية التي تطاول مجموعات موجودة في سورية، حيث إن هيئة تحرير الشام وتسمياتها السابقة موجودة تحت العقوبات، ورفعها يحتاج إلى مسارات قانونية وإجرائية مختلفة، أهمها التصويت في مجلس الأمن، وفيما تستطيع الولايات المتحدة الضغط على شركائها، إلا أن هناك دولاً من الممكن أن يكون لها موقف مغاير مثل الصين وروسيا.

وحول ارتدادات هذا القرار على الاقتصاد السوري، والإجراءات المطلوب اتخاذها لتنفيذ تلك القرارات، رأى الباحث الاقتصادي الدكتور خالد تركاوي، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، أن القرار يبدو أنه اتخذ من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن الخطوات المقبلة يمكن أن تُقسم إلى جزأين، الجزء الأول: يتعلق بالإدارة ذاتها، حيث يستطيع ترامب بنفسه إيقاف مفاعيل القرارات المتعلقة بالعقوبات، أما الجزء الثاني فيتعلق بالديمومة، وهو يحتاج لموافقة الكونغرس الأميركي، أي إنه قد يأخذ بعض الوقت، وعلى اعتبار أن القرار داخل الولايات المتحدة الأميركية يميل إلى رفع العقوبات، فمن الممكن ألا يأخذ وقتاً طويلاً لتنفيذه.

عزلة بسبب العقوبات

واعتبر تركاوي أن سورية بهذا القرار ستنهي عزلتها الاقتصادية التي بدأت منذ عام 1979، عندما فرضت عليها عقوبات اقتصادية، ثم جرى تشديدها وتخفيفها والتلويح بها في مراحل أخرى، وهذا يعني أن سورية عاشت قطيعة، وخاصة مع الدول الغربية، منها الولايات المتحدة الأميركية التي كانت علاقتها بها أضعف ما تكون، إذ لم يكن يرى السوريون بضائع أميركية صرفة في أسواقهم على سبيل المثال إلا ما ندر. وتفاءل تركاوي بانفراجات ستطرأ على قضايا الحوالات البنكية، والبرمجيات، والإنترنت، وما إلى ذلك، وعلى الرغم من أن هذه الأشياء بسيطة بالشكل العام، فإنها تشبه قطرات كثيرة تُشكّل نهراً ما سيتدفق على شكل أموال وعلاقات تأتي إلى البلد.

ومن أهم الارتدادات الاقتصادية لقرار إعلان رفع العقوبات من وجهة نظر تركاوي، قدوم المستثمرين إلى سورية، وتحويل أموالهم إلى سورية، إضافة إلى قضية الاستيراد والتصدير، فسورية فيها بوادر صناعية جيدة يمكن أن تعود لنشاطها السابق، وعندما يجري تصدير تلك السلع سيكون بإمكان المصدّرين تلقي الأموال، وهذا يشكل حافزاً أكبر للعمل مع الخارج، معتقداً أن الأمور جيدة، ولكن من غير المتوقع رؤية حصاد هذا القرار خلال أيام أو أسابيع، فالأمر يحتاج فترة معينة من الوقت ريثما تتجمع الامتيازات، وتعود بالنفع على الاقتصاد السوري.

بينما حاول الخبير الاقتصادي الدكتور علي محمد تفنيد العقوبات الأميركية، وهي تُقسم إلى نوعين: أساسية تُفرض على مؤسسات وكيانات أميركية، وثانوية تُفرض على مؤسسات وكيانات تتبع لدول أخرى تتعامل مع سورية، لذا يُؤخذ بمعايير رفع العقوبات إن كانت أساسية أو ثانوية.

وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن قرارات فرض العقوبات الممتدة بين عامي 1979 وحتى اليوم، حيث بدأ الأمر بتصنيف سورية دولة راعية للإرهاب، ليصدر في عام 2004 قانون محاسبة سورية، مروراً بالعقوبات التي فُرضت في عام 2011، وصولاً إلى قانون قيصر في عام 2019، الذي يمكن اعتباره من العقوبات الثانوية، لافتاً إلى أن جميع العقوبات فُرضت بموجب دراسات ونقاشات أميركية، وصدرت بموجب قوانين وتصويت، سواء كان بعضها في الكونغرس، أو بعضها الآخر وفق المعايير الأميركية لفرض عقوبات على دولة ما.

وأشار إلى أن السلطة التنفيذية في أميركا، ممثلة بالرئاسة، لا شك أن لها دوراً كبيراً في تعديل بعض العقوبات أو تعليقها أو إنهائها، لكن في الوقت نفسه لا تتمتع هذه السلطة بالإمكانيات ذاتها على بعض العقوبات الأخرى (الثانوية)، ولكن من الممكن أن يكون هناك هامش معين يمكّن الرئيس الأميركي من إثبات لمُصدر القرارات (سواء كان الكونغرس أم غيره)، أن سورية استوفت معايير معينة، وحينها قد يجري التعليق أو الإلغاء أو التعديل، مبيناً وجود الكثير من البنود المتضمنة شروطاً محددة لرفع العقوبات، بينما توجد بنود أخرى أسهل يتمتع فيها الرئيس بسلطة قانونية واسعة، منها حظر تصدير الخدمات الأميركية إلى سورية (وذلك في حال صدر تقرير يُرفع إلى اللجان المختصة يؤكد أن هذا الأمر يصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي)، إضافة إلى بند حظر استيراد النفط السوري أو الاتجار به أو التعامل فيه، وكذلك الأمر بالنسبة للحظر على توفير الخدمات المالية والاستثمارية لسورية.

الأزمة النقدية

وحول الملف الأهم وهو الحوالات البنكية، أكد محمد أن للرئيس ترامب سلطة قانونية واسعة تخوّله تعليق الحظر عليها، وبالتالي توفير تمويل لسورية من المؤسسات الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين على سبيل المثال، وإعادة الربط بالنظام المصرفي العالمي الذي يُعد أميركي المنشأ، وهذا يعني إنهاء القيود المالية والاستثمارية، ما سيعود بالفائدة على القطاع المصرفي السوري، وهذا الأمر يتزامن مع بند العقوبات المفروضة على الحكومة السورية ووزاراتها والكيانات المتعلقة بها، حيث للرئيس الأميركي سلطة قانونية في ذلك تخوّله تعديل وتعليق وإنهاء تلك العقوبات، بما فيها تلك المفروضة على مصرف سورية المركزي وشركات النفط والموانئ، ما سيساهم بإعطاء دفعة إيجابية.

وعن العقوبات الثانوية كقانون قيصر الذي يُعد من أقسى العقوبات المفروضة، يبيّن محمد أنه توجد إلى حد ما قدرة لدى السلطة التنفيذية الأميركية بإصدار إعفاءات ببعض الجوانب، في حال جرى إثبات أن ذلك يصب بالمصلحة الوطنية الأميركية والأمن القومي الأميركي، وعلى اعتبار أن "قيصر" يحظّر أي دولة من المشاركة في إعادة إعمار سورية في الكثير من القطاعات، فيمكن رفع الحظر عن بعض المشاريع كالمدارس والمستشفيات والمباني وإلى آخره، كما يمكن أن يكون للرئيس سلطة على السماح للشركات والمواطنين من خارج أميركا بالتعامل مع سورية دون فرض عقوبات، لفترة تصل إلى حوالي 6 أشهر قابلة للتجديد.
 
احتفالات في الشوارع
 
شهد الشارع السوري احتفالات كبيرة، عقب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قراره رفع العقوبات، والذي انتظره السوريون كثيراً، حيث تقول سهى الدالي (من سكان دمشق) في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتبر أن هذا هو النصر الحقيقي لنا، الذي أعادني إلى يوم 8 ديسمبر/كانون الأول، فالعقوبات سيف تُحارَبُ به الشعوب وليس الحكومات، فنحن من عانينا وجعنا ووقفنا في طوابير المازوت والخبز والغاز، وليس الرئيس المخلوع وعائلته، لذلك حان الوقت ليجني السوريون ثمار انتصارهم بعد عقود من الخيبة والظلم والعزلة".

يعبّر منيب الأحمد، وهو مدير صالة لشركة ألبسة في دمشق، عن فرحه بأن سورية ستعود إلى قلب العالم بعد قرار رفع العقوبات، فعلى مستوى الشركة التي يعمل بها، كانت هناك معاناة كبيرة في التحويلات البنكية عند التصدير بسبب خروج المصارف السورية عن النظام المصرفي العالمي، وهذا ما جعلها تخسر اسمها في الأسواق العربية، وتخرج من دائرة المنافسة، لتقتصر على الأسواق المحلية.

ومع ارتفاع التكاليف وقلة السيولة فقد تكدست الكثير من البضائع، ومضت سنوات كان التصنيع فيها دون الحد المطلوب، معتبراً أن معالجة تلك المشاكل لن تعود بالنفع على التجار والصناعيين فقط، وإنما على المواطنين أيضا، حيث ستنخفض الأسعار مع تراجع تكاليف الإنتاج.

Read Entire Article