ARTICLE AD BOX
تشهد منطقة القبائل في شمال غرب باكستان وفي إقليم بلوشستان إلى الجنوب الغربي، تصاعداً ملحوظاً في وتيرة العنف، ما دفع الحكومة الباكستانية والجيش إلى تبنّي نهج مزدوج يجمع بين العمل العسكري وبين التحرك السياسي. وبينما تشن القوات المسلحة الباكستانية عمليات مسلحة محدودة النطاق في منطقة القبائل في شمال غرب باكستان تستعد أيضاً لإطلاق عمليات مسلحة كبيرة في إقليم بلوشستان، رغم إدراكها أن طبيعة الحرب في تلك المناطق معقدة جداً، وأن احتمالات الحسم العسكري ضد المسلحين تبقى محدودة. في ضوء ذلك لجأت الحكومة والجيش إلى عقد اجتماعات مع الزعامة القبلية في محاولة لتأمين دعمهم الميداني في مواجهة المسلحين من جهة، ولإبقاء باب الحوار مفتوحاً مع تلك الجماعات في حال فشلت العمليات المسلحة في تحقيق أهدافها من جهة أخرى.
تدارك العنف في باكستان
وعقد رئيس الوزراء شهباز شريف وقائد الجيش المشير عاصم منير اجتماعاً مع الزعامة القبلية "الجرغه" في شمال غرب باكستان في الثالث من يونيو/حزيران الحالي. وشارك في الاجتماع عشرات من زعماء القبائل، إلى جانب سياسيين وشخصيات بارزة في المنطقة، ودارت في الاجتماعات مباحثات بين الطرفين حول الوضع الأمني في المنطقة. وقال رئيس الوزراء، في كلمة له أمام الاجتماع إن الحكومة مصممة على إحلال الأمن في المنطقة، وأن القوات المسلحة لن تألو جهداً في سبيل تحقيق ذلك، مستخدمة كل الوسائل والسبل المتاحة. كما شدد شريف على أن الزعامة القبلية وقبائل المنطقة قد وقفت على مدار الأعوام مدافعة عن باكستان وأمنها وسيادتها، ولا يخفى على أحد التضحيات الكبيرة التي قدمتها هذه القبائل في سبيل محاربة الإرهاب والقضاء على مظاهر التسلح. أيضاً أكد شريف أن الحكومة والجيش يأملان في أن تتولى القبائل دورها في القضاء على الجماعات المسلحة وتأمين الحدود، وأن تكون إلى جانب القوات المسلحة، التي "تعمل ليلاً نهاراً من أجل حماية الوطن". وأشار إلى أن الحكومة مستعدة لأن تسمع كل مطالب الزعامة القبلية، كما أنها خصصت ميزانية للمشاريع التنموية في منطقة القبائل. كما دعا إلى تقديم مقترحاتها للحكومة بشأن أي حلول سلمية وسياسية ممكنة للأزمة الأمنية الراهنة.
أنس ملك: الحكومة وصنّاع القرار في باكستان يعرفون جيداً أن الحل العسكري لن يكون مجدياً
وفي تعليق له على الحراك والمساعي الحكومية لنيل رضا القبائل وتأييدها، قال المحلل السياسي أنس ملك لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة وصنّاع القرار في باكستان يعرفون جيداً أن الحل العسكري لن يكون مجدياً، ولن يؤدي إلى القضاء على المسلحين بشكل كامل، وذلك لأسباب عدة. وشدّد على أن من الأسباب هو الموقع الجغرافي لإقليم بلوشستان والمناطق القبلية في شمال غرب باكستان وحدودها الطويلة مع أفغانستان، كما أن القبائل متماسكة مع بعضها البعض، والعلاقات مع أفغانستان ليست في المستوى الذي تتطلّع إليه باكستان فضلاً عن وجود كميات كبيرة من الأسلحة، لأن الأسلحة تتدفق من أفغانستان باتجاه منطقة القبائل، كما أن هناك مصانع محلية تنتج الأسلحة.
وبالنظر إلى هذه الأسباب، فإن الحلّ العسكري لن يكون نهائياً، والعمليات العسكرية قد تزيد الضغط على الجماعات المسلحة وقد تؤدي إلى إضعافها، لكنها لن تقضي عليها؛ لذلك تترك الحكومة باب الحوار مفتوحاً. وأوضح ملك أنه على الرغم من أن الحكومة تركت باب الحوار مفتوحاً، وبوساطة زعماء القبائل، إلا أن غياب الآلية الواضحة والجهود المنسقة، يشير إلى أن الحوار ليس الخيار المفضل في الوقت الحالي، خصوصاً أن للجماعات المسلحة قوة ونفوذاً، كما تتمدد قواتها إلى الأقاليم الأخرى أي إلى عمق باكستان باتجاه إقليمي البنجاب والسند. في غضون ذلك، أكدت الحكومة أنها لن تتفاوض بل ستشنّ عمليات مسلحة، بالتالي فإن عقد الاجتماعات مع الزعامة القبلية كان في سياق محاولة لإقناعها بالتعاون معها في العمليات المسلحة الكبيرة والشاملة، التي تبدو وشيكة.
دور القبائل في فرض الأمن
من جانبه، أشار الزعيم القبلي حضرت الله محسود في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن للزعامة القبلية في منطقة القبائل وشمال غرب باكستان قوة ونفوذا، وهي مستاءة من الحكومة والجيش، إذ في الماضي كل العمليات العسكرية التي شُنّت هناك لم تكن بالتنسيق مع الزعامة القبلية، لذا كانت تلك العمليات فاشلة وغير نافعة كما كانت تتطلع إليه الحكومة والجيش. ورأى أن الحكومة الآن تيقنت بأن أي عمل من دون مساعدة القبائل لن يكون ناجحاً، سواء كانت المفاوضات أو العمليات المسلحة، والحصول على رضا الزعامة القبلية أيضاً تحد كبير في وجه الحكومة؛ لأن في السنوات الماضية همّشت الحكومة والجيش بتهميش الزعامة القبلية، مما يُصعب حالياً وقوف كل القبائل إلى جانب الجيش، بل إن جزءاً كبيراً منها لن يقف إلى جانب الجيش والحكومة. غير أنه في المقابل، وفق محسود، لا يوجد حل آخر لدى الحكومة والمؤسسة العسكرية، إذ ترى أنه لو دعمتها عشرة في المائة من القبائل يبقى أفضل من لا شيء، لأن أي عمل من دون مشاركة القبائل لا يكون ناجحاً.
وكان رئيس الوزراء شهباز شريف وقائد الجيش المشير عاصم منير قد زارا في الأول من شهر يونيو الحالي مدينة كويتا، مركز إقليم بلوشستان، وشاركا في الاجتماع القبلي هناك. وبينما تحدث شريف حول المشاريع التنموية في الإقليم واهتمام الحكومة بتطوير الحالة المعيشية لسكان بلوشستان وتحسنها، هدد قائد الجيش كل من يخرج على القانون، معتبراً أن الانفصاليين البلوش لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من سكان هذا الإقليم، وأن القوات المسلحة تتعامل معهم بكل حزم. وأكد أن الجيش الباكستاني "مطلع على مخططات العدو (لم يحدده) وأنه يعمل ليلاً نهاراً لإفشال تلك المخططات، التي تدعمها أعداء باكستان من الخارج، وتنفذها فئة ضئيلة في الداخل".
حول ذلك، لفت المحلل السياسي حمزه أمير في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن الوضع في بلوشستان بات أكثر تعقيداً الآن، الحركات الانفصالية البلوشية أضحت أكبر خطر ليس على الوضع الأمني، بل على مستقبل هذا الإقليم، فقد باتت أكثر قوة معتمدة على دعم كبير من الخارج، كما أن هناك تنسيقا بينها وبين الأحزاب المسلحة الأخرى خاصة طالبان الباكستانية، إضافة إلى وجود خلايا لها داخل أفغانستان هي تحصل على الدعم من هناك. وأوضح أمير أنه أضحى من الصعب جداً استخدام القبائل ضد تلك الأحزاب، وذلك لأسباب عديدة أبرزها: ملف المفقودين قسراً والوضع المعيشي في ذلك الإقليم. كذلك، فإن هنا قضايا أخرى خلقت فجوة كبيرة بين سكان بلوشستان وبين الجهات الرسمية. بناء عليه، ستشنّ الحكومة قريباً عمليات مسلحة كبيرة لأنه ليس هناك حل سوى ذلك، وهو ما لا تريده القبائل لكن الحكومة ترى العكس، مما سيزيد الفجوة بين القبائل والحكومة.
سردار مير ولي: الحكومة ليست مستعدة للإفراج عن ناشطات البلوش
من ضمن الجهود التي تبذلها الحكومة والجيش من أجل إحلال الأمن في منطقة القبائل وبلوشستان، هي إعادة إحياء المليشيات القبلية المعروفة محلياً بالجيوش القبلية. وفي حين باتت تلك الظاهرة قوية نسبياً في منطقة القبائل وشمال غرب باكستان، إلا أنها تواجه تحديات كبيرة في إقليم بلوشستان. ولم يتمكن الجيش حتى الآن من الاستفادة من الظاهرة والعثور على قبائل تتولى أمر مقاومة الأحزاب المسلحة في بلوشستان، سوى بعض السياسيين الذين يملكون نفوذاً قبلياً إلى حد ما، كرئيس وزراء حكومة إقليم بلوشستان سرفراز بكتي، فيما عارضت معظم القبائل الفكرة، معتبرة أيضاً عرض الحكومة للحوار مع الحركات الانفصالية البلوشية محالة لكسب الوقت.
انتقادات قبلية للحكومة
في السياق، قال الزعيم القبلي سردار مير ولي لـ"العربي الجديد"، إن كل جهود الحكومة لن تأتي أكلها، لأنها آنية ولا تتماشى مع طبيعة المنطقة وقبائلها، هي تقول كل سنة إنها خصصت الميزانية لتطوير الحالة المعيشية ولكن أين تلك الميزانية؟ وأين نتائجها؟ وأين تُصرف؟ كذلك هناك قضية الحوار مع التنظيمات المسلحة وأن تؤدي القبائل دورها، وأرى هنا أن الحكومة ليست صادقة فيها، لأنها لم تعمل لتهيئة الأجواء لها، هي مستمرة في إخفاء أبناء البلوش واعتقال الناشطين والناشطات والزعماء القبليين. وأضاف مير ولي: في هذه الحالة تطلب منا الحكومة أن نؤدي دوراً في حل القضية وتقديم مقترحات للحوار مع المسلحين، كيف يمكن ذلك والحكومة وأجهزة أمن الدولة تتعامل معنا كأعداء. وأشار إلى أن الحكومة ليست مستعدة للإفراج عن ناشطات البلوش، مثل مهرنك بلوش، التي لا لها ذنب سوى أنها كانت تقود الحراك من أجل العثور على آلاف المختفين قسرا، وهي الآن في السجن. ورغم أن القبائل البلوشية والسياسيين القبليين طلبوا الإفراج عن مهرنك بلوش وناشطات أخريات، لكن الحكومة رفضت ذلك، في حين هي تطلب منا التعاون ضد المسلحين، إنه أمر فعلاً عجيب. وشدد مير ولي على ضرورة أن تعرف الحكومة وصنّاع القرار طبيعة هذه المنطقة أولاً، والقبائل القاطنة فيها وأعرافها، وأن تعترف بالاحترام لها ثم لتطلب منها المساعدة من أجل إحلال الأمن، سواء كان عبر الخيار العسكري أو الخيار السياسي.
