ARTICLE AD BOX

<p>بعض الجامعات لم تفتح أبوابها منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عامين وحتى الآن (اندبندنت عربية – حسن حامد)</p>
تواجه الجامعات والمعاهد العليا السودانية تحديات مهولة عقب قرار وزارة التعليم العالي إغلاق كل فروعها بالخارج والعودة الإجبارية لممارسة نشاطها الأكاديمي من داخل البلاد، بعد أكثر من عامين من التعطل ضاع خلالهما عامان دراسيان وتوقف فيهما استيعاب دفعات جديدة من الطلاب. فما فرص نجاح استئناف الدراسة الجامعية بالداخل في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية والإنسانية في معظم مناطق البلاد، وبخاصة العاصمة الخرطوم، والدمار الشامل الذي تعرض له عدد من الجامعات؟
كان من أبرز الأضرار التي تعرض لها التعليم العالي في السودان احتراق مقر وزارته في الخرطوم بالكامل، وقدرت الخسائر المبدئية بأكثر من 50 مليون دولار، مع ضياع أرشيف المعلومات الخاص بالجامعات والطلاب وكل وثائق حركة التعليم العالي في البلاد، مما يتطلب جهداً كبيراً لإعادة جمع هذه البيانات مرة أخرى.
كذلك فقدت نحو 115 جامعة وكلية حكومية، بخاصة في ولايتي الخرطوم والجزيرة تضم نحو نصف مليون طالب، كامل بنيتها التحتية وأجهزتها ومعداتها بنسبة 100 في المئة، ومعها فقدت مكتبات عريقة بسبب التخريب والنهب.
ويأخذ كثير من أساتذة الجامعات على وزارة التعليم العالي عدم بذلها جهوداً كافية لتوفير الحد الأدنى من المطلوبات اللازمة قبل الإقدام على إصدار قرارها الإداري بعودة الجامعات لاستئناف الدراسة من داخل البلاد، ومن دون النظر إلى أوضاع الكوادر العاملة والأسر وتحديات البنية التحتية المهدمة لهذه الجامعات.
قرار العودة
وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في السودان أصدرت عقب الانتصارات التي حققها الجيش في ولايتي الجزيرة والخرطوم قراراً بإغلاق الفروع والمراكز الخارجية التي افتتحتها الجامعات خارج البلاد خلال الفترة الماضية، وعودة مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة والأهلية إلى ممارسة أنشطتها الأكاديمية داخل البلاد.
وشدد وزير التعليم العالي والبحث العلمي في السودان محمد حسن دهب على ضرورة تنفيذ القرار الهادف إلى استئناف العملية التعليمية في جميع الولايات الآمنة والمناطق التي حُررت من قبضة الميليشيات، مؤكداً التزام الحكومة إعادة إعمار الجامعات التي تعرضت للتدمير.
وكانت جامعة الخرطوم من أولى المؤسسات التي التزمت قرار عودة الطلاب والكليات بصورة جزئية، ودخلوا القاعات للجلوس بعد عامين من الانقطاع لأداء اختبارات النقل في مباني كلية التربية التابعة للجامعة بأم درمان، نظراً إلى تضرر معظم قاعات الكليات الأخرى.
وأوضح مدير جامعة الخرطوم ورئيس اتحاد الجامعات السودانية، عماد الدين الطاهر عرديب، أن "عودة الجامعات إلى مقارها صارت أمراً ممكناً بعد هذه الانتصارات التي حققها الجيش في كثير من المدن، مما يحتم البدء في إعادة الإعمار وإعادة النشاط الأكاديمي في كل المؤسسات التعليمية".
وأشار عرديب إلى حل مشكلات مرتبات العاملين في التعليم العالي ودفعها كاملة حتى يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، بعد تدخل مجلس السيادة الانتقالي، مبيناً أن اجتماع اتحاد الجامعات السودانية الأول بحث قضايا عودة الجامعات مرة أخرى بعد تحرير عدد من المناطق.
وكشف رئيس اتحاد الجامعات عن تكوين لجان لمتابعة العملية الأكاديمية للطلاب في الجامعات الحكومية من جهة الساعات المعتمدة والتدريس والاستضافة في الجامعة بالولايات الآمنة، إلى جانب النظر في مشكلات الطلاب بالجامعات الحكومية في الولايات المضطربة وحلها بالتنسيق مع نظيرتها بالولايات الآمنة.
في الأثناء تترقب الأسر السودانية بدء إجراءات التقديم الإلكتروني للقبول في الجامعات الحكومية والأهلية، والمتوقع انطلاقها عقب عطلة عيد الأضحى المبارك، بالنسبة إلى طلاب الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة لعام 2023، كأول دفعة تُقبل منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عامين.
تعقيدات كثيرة
في السياق أوضح عميد كلية علوم الاتصال بجامعة المشرق الخاصة النور عبدالله جادين "صحيح أن الجامعات قررت التزام قرار وزير التعليم العالي الذي يلزمها جميعاً، عامة وخاصة، بالعودة إلى داخل البلاد، لكن يحتاج تطبيق هذا القرار بصورة كاملة وعملية إلى فترة طويلة من الزمن، إذ إن هناك تعقيدات كثيرة ستواجه الطلاب وأولياء الأمور والجامعات نفسها".
أشار جادين إلى أن هناك كثيراً جداً من الأسر نزحت إلى خارج السودان والتحق كثير من أبنائها بجامعات عربية أو أفريقية، أو بالفروع التي أنشأتها بعض الجامعات السودانية في الخارج، وتواجه تلك الأسر أخطاراً إذا عادت للبلاد في ظروف مخلفات وآثار الحرب، بخاصة أن معظمهم فقدوا كل ممتلكاتهم ومواردهم ودمرت منازلهم ويحتاجون إلى أموال طائلة للاستقرار مرة أخرى بالسودان. وتابع "معظم الجامعات السودانية لم تكمل صيانة وتجهيز بنيتها التحتية من مبان وأجهزة ومعدات حتى الآن، وتواجه الجامعات والكليات الخاصة والأهلية مشكلة في توفير الموارد المالية اللازمة لإعادة التأهيل وسداد مرتبات العاملين بها من أساتذة وفنيين ومتعاونين وغيرهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين عميد كلية الاتصال أن كثيراً من الجامعات كانت قد استفادت من إنشاء فروع لها بالخارج في دعم مواردها المالية من رسوم انتساب أبناء المغتربين ورجال الأعمال والأسر الميسورة، وستفقد الموارد حال تنفيذ القرار بإغلاق تلك الفروع والعودة إلى الداخل.
وأوضح جادين أن جامعة "المشرق" التي ينتمي إليها قررت العودة إلى الخرطوم، وتجري الآن عمليات صيانة وترميم المباني، ويتوقع أن تقبل دفعة من الطلاب الجدد لتعويض كثير من الطلاب الذين فقدتهم نتيجة استقرارهم بالخارج.
توقف وإغلاق
يرى جادين أن الوضع قد يكون أخف وطأة بالنسبة إلى الجامعات الحكومية، نسبة إلى توفر بعض موازناتها التي تقدمها لها الدولة لسداد المرتبات وتسيير الخدمات، بينما تواجه الجامعات الخاصة والأهلية وضعاً سيئاً ومعقداً للغاية نتيجة اعتمادها على الرسوم الدراسية التي يدفعها الطلاب، والتي انقطعت طوال العامين الدراسيين السابقين بسبب توقف الدراسة.
ويستطرد "هناك بعض الجامعات لم تفتح أبوابها منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من عامين وحتى الآن، لذلك يتوقع أن تُغلق بعضها نهائياً أو تتوقف من تلقاء نفسها، وقد تندمج بعض الجامعات والكليات الخاصة في بعضها كمحاولة لتوفيق أوضاعها".
أما بالنسبة إلى جامعات الولايات الآمنة في مدن مثل النيل الأبيض وبورتسودان وسنار وكسلا والشمالية ونهر النيل والقضارف، فيوضح جادين أنها تعيش استقراراً نسبياً، وأسهمت في استيعاب عشرات الآلاف من طلاب الجامعات الذين نزحوا من الخرطوم وأصبحوا الآن ينتسبون إليها بصورة نظامية بموافقة وزارة التعليم العالي، فضلاً عن استضافة بعض الجامعات الولائية بمبانيها أكثر من 15 جامعة وكلية من الخرطوم وكردفان ودارفور والجزيرة بصورة موقتة.
على الصعيد ذاته يرى مدير جامعة "أفريقيا العالمية" للتعليم الرقمي محمد أبو محمد إمام، أن الجامعات غير مهيأة للعودة واستئناف الدراسة في ظل الظروف المضطربة الراهنة التي تعيشها البلاد.
وينتقد إمام وزارة التعليم العالي، إذ "كان ينبغي أن تدعو كل إدارات الجامعات والمهتمين بأمر التعليم العالي في ملتقى واسع لمناقشة أوضاع الجامعات والخروج برؤية محددة بدلاً من التهديد بسحب تراخيص الجامعات"، معتبراً أن "قيادة الوزارة ضعيفة وفاشلة في إدارة ملف التعقيدات والمشكلات التي تحيط بالواقع الذي خلفته الحرب على أوضاع التعليم العالي في البلاد".
طلاب ضائعون
يرى كثير من الطلاب أن هناك كثيراً من الصعوبات التي تواجه عودتهم إلى الدراسة في الوقت الراهن، إذ إن عليهم ترتيب أوضاعهم مع أسرهم للبداية من نقطة الصفر مجدداً، بعدما فقدوا كل ممتلكاتهم الخاصة نتيجة النهب والسرقة.
يرى عدد من الطلاب أن التخريب والدمار الذي أصاب الجامعات سيؤثر بصورة كبيرة في جودة التعليم بسبب تدمير أدوات النشاط العلمي والأكاديمي، مثل معامل البحوث والمكتبات، فضلاً عن أزمة تراكم دفعات الطلاب الذين لم يتخرجوا خلال الأعوام الماضية، مما سيؤثر بدوره في مسار التطور العلمي والمهني في السودان.
يعرب الطالب محمد على الصادق، الموجود مع عائلته بالقاهرة منذ أكثر من عام، عن حزنه لما وصلت إليه أوضاع التعليم العالي في السودان، ويرى أن مستقبل الطلاب بات قاتماً ومجهولاً بعدما أوقفت الحرب كل شيء في التعليم العالي.
وكشف الصادق عن أن حلم كثير من الطلاب إما أن يجدوا فرصة في الجامعات المصرية، أو الحصول على منح دراسية والسفر لاستكمال دراستهم في دول أخرى، بخاصة الهند وماليزيا، وإلى ذلك الحين يظل الوضع مجهولاً بالنسبة إليهم.
أما الطالب محمد بدوي كمال فيوضح أن تواصله مع كليته مقطوع منذ بدء الحرب، مما اضطره إلى التضحية بثلاثة أعوام دراسية والالتحاق بالسنة الأولى من جديد في إحدى الجامعات المصرية، لأن المعامل دمرت، ولم يعد هناك ما يشجع على العودة.
على نحو متصل يوضح المحاضر الجامعي عبدالعظيم عبدالله أن الجامعات السودانية كانت في الأصل تعاني أزمات التمويل، ثم جاءت هذه الحرب لتعمق تلك المشكلات، بخاصة بعدما تعرضت معظم الجامعات والكليات العريقة بالخرطوم والجزيرة للنهب والإتلاف التام لممتلكاتها، مما يعوق أي اتجاه لاستئناف الدراسة بصورة طبيعية.
يشير عبدالله إلى أن من كبرى المشكلات غير المرئية حتى الآن التي ستواجه عودة الجامعات الزيادة الكبيرة في معدلات هجرة الأساتذة والطلاب واستقرارهم في دول أفريقية وعربية أخرى، لافتاً إلى عدم وجود حتى ترتيبات جادة حتى الآن لاستئناف الدراسة، بخاصة في ما يخص إعادة ترميم الجامعات لتأمين بيئة تعليمية صحية وآمنة وتوفير الخدمات والترحيل واستحقاقات العاملين.
وطالب بضرورة اتباع منهج تدريجي مدروس لفتح الجامعات والكليات واستئناف الدراسة، بالتركيز على الولايات والمناطق الآمنة، مبيناً أن هذا الاستعجال لا يضمن بيئة تعليمية مستقرة، مع استبقاء المراكز التعليمية خارج السودان، لأنها تمثل ضماناً لاستمرارية التعليم إلى حين تحسن الظروف وإكمال التجهيزات والعودة إلى الوطن.
تركز ودمار
ويبلغ عدد الجامعات والكليات الجامعية السودانية نحو 144، منها 39 جامعة حكومية، و105 خاصة، تتركز 60 في المئة منها بالعاصمة الخرطوم، وتعرضت للحرق والنهب والتدمير الكامل لمعظم بناها التحتية.
وأدت الحرب التي اندلعت بين الجيش وقوات "الدعم السريع" من العاصمة الخرطوم في منتصف أبريل (نيسان) 2023، إلى تدمير واسع للبنية التحتية والمنشآت العامة والخاصة جراء القصف الجوي والمدفعي، مما أدى إلى نزوح ولجوء معظم السكان إلى الولايات الآمنة وخارج البلاد.