"تجسيد البساطة" لأحمد الأمين.. وجوه ضبابية وذاكرة بصرية

19 hours ago 2
ARTICLE AD BOX

يقدّم معرض "تجسيد البساطة" للفنان التشكيلي المغربي أحمد الأمين مجموعة من اللوحات التي تعتمد على تركيبات تجريدية معاصرة، حيث تعرض أطيافاً مشخصنة خالية من التفاصيل الدقيقة، لكنّها مشحونة بالإيحاء والحركة. المعرض الذي افتتح الأربعاء الفائت في رواق "نظر بالدار البيضاء، ويتواصل حتى الثلاثين من يونيو/ حزيران الجاري، يتميز بانسيابية الكتل اللونية المستمدة من الخطوط الجسدية والانحناءات، مما يتيح للزائر تجربة تأملية وتفاعلية ترتكز على إبراز المعنى من خلال الشكل، بعيداً عن التشخيص الواضح والتقليدي.

يحتل الموضوع المشخّص مكانة دلالية في عدد من الأعمال، حيث يغلب عليها الحس الإشاري والرمزي القائم على الاختزال، مع تأثّر واضح بالإرث الثقافي والمحلي. كما يميل الفنان إلى استخدام ألوان غير مشبعة وتبسيطات بصرية عبر تقنية التسطيح اللوني التي تهيمن فيها نغمة لونية واحدة، مما يمنح اللوحات طابعاً هادئاً وانسيابياً. ولتنفيذ أعماله، يستخدم الأمين تقنيات متعددة مثل الأكريليك والرصاص والزيت والقطران، مع التركيز على مقاسات متوسطة وصغيرة.

رغبة الفنان في إعادة صياغة أعمال كلاسيكية من تاريخ الفن الحديث تبدو واضحة، ويتجسد ذلك في أعمال مثل "غذاء على العشب" لإدوارد مانيه، و"آنسات أفينيون" لبابلو بيكاسو، حيث لا يكتفي الفنان بمحاكاة تلك الأعمال بل يعيد تركيبها بصرياً من خلال تغييرات جريئة في الكتل والتركيب، مع استبدال رموز جسدية بتفاصيل بديلة، مثل تفاحتين بدلاً من نهدين، في معالجة تجريبية تتجاوز المرجع الأصلي.

تحضر الوجوه البشرية في بعض اللوحات ببورتريهات واضحة وأحياناً بصورة ضبابية أو هلامية، تعكس تلاشي ملامح الذاكرة مع بقاء الهالة والهيئة، مما يضفي على اللوحة بعداً تأملياً عميقاً. هذه الوجوه ليست غاية تشكيلية بحد ذاتها، بل وسيلة لطرح خطاب بصري يرتكز على الذاكرة والاقتباس والتفكيك وإعادة البناء.

محاكاة أعمال كلاسيكية وإعادة تركيبها بصرياً عبر تغييرات جريئة

على الصعيد التقني، يولي الأمين اهتماماً كبيراً بمرحلة الإعداد، حيث تسبق كل لوحة العديد من التخطيطات الأولية والإسكيزات، ما يعكس منهجية دقيقة في البحث البصري وتطوير التجارب الجمالية القائمة على التجريب والتراكم.

بوجه عام، يعكس معرض "تجسيد البساطة" رؤية تشكيليّة مبنية على الانفتاح على التراث البصري العالمي، مع دمج واضح لمفردات محلية وتجربة شخصية، ما يعكس حرص الفنان على تطوير أسلوبه والتعامل مع اللوحة بما هي فضاء بحث وتعبير شخصي.

ولد الأمين في الدار البيضاء عام 1966، وبدأ مشواره الفني منذ التحاقه بمدرسة الفنون عام 1983. وخلال تجربته التي امتدت لأكثر من أربعة عقود، شارك في معارض فردية وجماعية داخل المغرب وخارجه، ويُعتبر معرضه الحالي محطة جديدة في رحلته الإبداعية المستمرة نحو استكشاف أساليب جديدة في الفن التشكيلي المغربي المعاصر.

Read Entire Article