تحكّم الاحتلال بتوزيع المساعدات في غزة: كيف نشأت الفكرة ولماذا؟

4 days ago 4
ARTICLE AD BOX

بعد أن تأجّل بدء عمل نقاط توزيع المساعدات الأربع التي أقامها الاحتلال في قطاع غزة، استعرضت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، اليوم الأحد، الكيفيّة التي سيعمل خلالها مشروع التوزيع، مشيرةً إلى أنه سيخرج إلى حيّز التنفيذ في الأيام القريبة، ولفتت الصحيفة إلى أن مئات المسلّحين الأميركيين سيحمون المراكز، فيما سيتولى جيش الاحتلال مراقبة وتتبع الحركة في محيطها من الجو، وعدّت الصحيفة أن الصيغة الجديدة للتوزيع "ستصّعب سيطرة حماس عليها".

النقاط الأربع أُقيمت وفق الصحيفة بين محور "نتساريم" الذي يقطع وسط القطاع ويفصل شماله عن جنوبه، وبين الجزء الشمالي من محور "موراغ"، إذ من المفترض أن توفر هذه النقاط المساعدات لنحو مليون فلسطيني هُجّروا من منازلهم إلى منطقة المواصي جنوبي القطاع. وذلك في وقتٍ يستعد فيه الجيش، بإيعاز من الحكومة، "لإقامة مراكز توزيع إضافية في مناطق أخرى من القطاع، تكون معرّفة بوصفها مطهّرةً من الإرهاب"، مثل رفح التي سوّاها الاحتلال بالأرض، وتتواجد فيها قوات الفرقة 36 حالياً.

أمّا بالنسبة إلى طريقة التوزيع فقد شبّهتها الصحيفة بتلك التي توزّع فيها المساعدات على الإسرائيليين المحتاجين قبيل الأعياد اليهودية، مشيرةً إلى أن "التوزيع سيُدار بالتجزئة وليس بالجملة"، وهو ما يعني أن "كل فلسطيني يمثل عائلة ما يمكنه المجيء إلى نقطة التوزيع، وبعد مروره عبر الفحص الأمني، يمكنه استلام سّلة غذائية"، وذلك خلافاً لما كان قائماً إلى اليوم؛ إذ توزّع الأمم المتحدة المساعدات بالجملة على منظمات الإغاثة ومراكز التوزيع والحوانيت، بعضها يحصل عليها الناس مجاناً وأخرى يدفعون ثمنها بسبب عصابات إجرامية تعمل على مرأى من الاحتلال، وبدفعٍ منه على نهب شاحنات المساعدات، وبيعها للتجار.

أمّا ما ستحويه السلال الغذائية فقد قرّرته إسرائيل بحسب "يديعوت أحرنوت" بناءً على مقياس السعرات الحرارية الذي تحتاجه كل عائلة، وستشمل المساعدات بحسبها "مواد الطحين، الزيت، والسكر والحبوب، ووجبة بروتينة خفيفة، إلى جانب غذاء للأطفال، وحتى أغذية خاصّة لأولئك الذين يعانون حساسية معينة تجاه الأطعمة مثل الغلوتين".

ومن المفترض أن تؤمن كل نقطة توزيع الغذاء لنحو 300 ألف إنسان، إذ ستعمل على مدار الساعة بثلاث ورديات عمل يديرها موظفو "منظمات إغاثية" ليسوا مندرجين ضمن الأمم المتحدة. وستصل يومياً عشرات الشاحنات إلى هذه المراكز، التي ستكون محاطة بسواتر ترابية عالية، يحرسها مسلحون أميركيون، فيما جيش الاحتلال سيواصل جمع "المعلومات الاستخبارية جواً، لمتابعة تأمين الحركة".

في غضون ذلك، ذكرت الصحيفة أنّ الشركة الأميركية تدربت مع الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة استعداداً لمواجهة عدد من السيناريوهات التي يمكن أن تحدث خلال عمليات التوزيع. وشملت التدريبات "مواجهة هجوم من عشرات المقاتلين على المراكز أو إطلاق صواريخ".

كيف نشأت فكرة السيطرة على المساعدات؟ ولماذا؟

رغم أن الهدف المُعلَن من سيطرة إسرائيل على توزيع المساعدات هو سلب حركة حماس إدارتها السلطوية - المدنية، فإن الأمر يتعدى ذلك هذه المرّة ليصل إلى جمع البيانات والمعلومات حول الفلسطينيين من خلال إخضاعهم للفحوصات الأمنية واشتراط حصولهم على حقّهم الأساسي في الغذاء بـ"طهارة" سجلّاتهم الأمنية، فضلاً عن استخدام التجويع مقابل المساعدات أداةً لتهجير الفلسطينيين وحصرهم جنوباً.

ما تقدّم يُعززه تقرير مطوّل أوردته صحيفة "هآرتس"، اليوم الأحد، لفتت فيه إلى أن مخطّط إسرائيل للسيطرة على المساعدات تجاوز الأمم المتحدة ولا يراعي القانون الدولي، الذي ينصّ على أن المساعدات الغذائية يجب أن تصل للمدنيين في أماكن القتال لا أن يذهب المدنيون بأنفسهم لتلقيها.

ومن تقرير الصحيفة يتبيّن أن مشروع سيطرة إسرائيل على المساعدات ليس وليد اللحظة، بل نشأت فكرته في الأسابيع الأولى من اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023؛ وتحديداً حين شُكلّت لجنة رسمية باسم "منتدى ميكفيه يسرائيل" وضمّت ضباطاً في الاحتياط ومستشارين للشؤون الاستراتيجية، فضلاً رجال أعمال.

وعقد المنتدى في ديسمبر/ كانون الأول اجتماعه التأسيسي في كليّة تقع قرب تل أبيب وتحمل اسم المنتدى نفسه، وشاركت فيه شخصيات بارزة مثل يوتام هكوهين الذي عمل مساعداً لقائد وحدة تنسيق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة، ورومان غوفمان الذي يشغل اليوم المستشار العسكري لنتنياهو، بالإضافة إلى رجل الأعمال الإسرائيلي - الأميركي، مايكل آيزنبيرغ، والمستثمر في قطاع التكنولوجيا الفائقة ليران تنكمان.

وبموازاة عمل غوفمان في منصبه السابق اشتغل أيضاً على مسألة المساعدات، إذ قاد فريقاً ضمّ تنكمان وهكوهين، وهما ضابطان عسكريان في قوات الاحتياط. وفي السياق، لفتت "هآرتس" إلى أن الأخير هو نجل الجنرال المتقاعد غيرشون هكوهين، المدير التنفيذي لشركة "Open Fox" التي تزود وزارات ومؤسسات حكومية بأنظمة لإدارة المعلومات.

وبحسب الصحيفة كان اقتراح هكوهين أن تطوّر إسرائيل أدوات تسلب حماس سيطرتها، لا أن تكتفي بحل حكومتها، وذلك من خلال "العمل المباشر مع السكان عبر توزيع المساعدات عليهم"، أي التحكم في مصيرهم والسيطرة عليه من خلال غذائهم. غير أن الذين شاركوا في الاجتماعات عارضوا تحمّل إسرائيل المسؤولية المباشرة عن الفلسطينيين، وعلى هذه الخلفية، ولد اقتراح التعاقد مع "شركات خاصة وأجنبية" توفر احتياجات أمنية وتشرف على مسألة التوزيع خلال الحرب، ليتضح فيما بعد أن هذه الشركات كان لإسرائيل يد مباشرة في تأسيسها.

وفي وقت لاحق، بعد إقالة نتنياهو لوزير الأمن السابق، يوآف غالانت، نهاية العام الماضي، أعاد نتنياهو تفعيل الفريق ونقل إليه مسؤولية ملف المساعدات، إذ بدأ الفريق بإدخال شركات خاصة إلى القطاع بينها "أوربس" التي تولت التحضيرات الميدانية لتولي عمليات التفتيش الأمني على محور "نتساريم"، مع العلم أنها لم تجتز إجراءات المنافسة أو توقع عقوداً رسمية.

وعلى إثر ذلك، طلبت وزارة الأمن من الجيش تحويل ملاين الشواكل لشركة "أوربس" مقابل تحضير عرض، وذلك على الرغم من عدم اختيارها رسمياً، فيما سافر المستثمر تنكمان للقاء ممثليها في الولايات المتحدة. وبحسب "هآرتس" فإن ضباطاً كباراً في المؤسّسة الأمنية "فوجئوا عندما ظهر ممثلو الشركة في إسرائيل، إذ كانوا بلا تجهيزات ومعدات أو حتى أزياء موّحدة، وقد اضطروا في إسرائيل إلى شراء الملابس والمعدات لهم".

وعدا عن أنهم لم يكونوا مجهزّين، تبيّن أنه عندما وصلوا إلى غزة لتفتيش الفلسطينيين، كان بينهم مصريون لم يخضعوا لأي فحوصات أمنية لدى "الشاباك"، وهو ما عدّته مصادر أمنية إسرائيلية "خطأ فادحاً". في غضون ذلك، كانت وزارة الأمن تدرس عروضاً قدّمتها شركات عديدة بينها شركة رجل الأعمال الإسرائيلي - الأميركي، موتي كاهانا، الذي تصدر اسمه العناوين في العام الماضي ضمن ما عرف بخطة "الفقاعات الإنسانية"، وكانت شركته قد قدّمت في السابق خدمات لوجستية للجيش الأميركي في العراق وسورية.

وفي وقت لاحق، نهاية العام الماضي بدأت شركة تدعى Safe Reach Solutions التي يقودها بحسب الصحيفة الضابط السابق في الـ"سي آي إيه"، فيليب رايلي، العمل في القطاع. وكان هذا الضابط مشاركاً في تدريب قوات الكونترا في نيكارغوا فضلاً عن مشاركته في الحرب على أفغانستان عام 2001 بصفته رئيساً لمركز الـ"سي آي إيه" في كابُل، كما عمل في شركات أمنيّة عدّة بينها "أوربس".

 وبحسب "هآرتس" فإن من اختار شركة رايلي كان طاقماً عيّنه غوفمان "دون علم الجيش والشاباك"، وقد تولى الضابطين تنكمان وهكوهين الاتصالات مع الشركة في إسرائيل والخارج، إذ حُوّلت إلى حساباتها ملايين الشواكل. وفي الفترة ذاتها تفرعت عن شركة رايلي شركتان سجلتا في الولايات المتحدة الأولى هي SRS والثانية صندوق غزة الإنساني المعروف اختصاراً بـGHF. وكانت لهما حتّى الشهر القريب متحدثة واحدة باسمها قبل الادّعاء بأنهما "منفصلتين".

واختبر عمل SRS في نقاط التفتيش في غزة خلال وقف إطلاق النار الذي بدأ في يناير/ كانون الثاني الماضي، وانهار في مارس/آذار الماضي. ولم يعرف إلى الآن هوية ممولي المشروع الذي سيحرس نقاط التوزيع فيه نحو 1000 عنصر أمن.

وعلى الرغم من أن إسرائيل تنكر علاقتها بالشركة، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" مؤخراً تصريحات السفير الإسرائيلي في واشنطن يحيئيل لايتر، التي أقر فيها أن "إسرائيل شاركت مع الولايات المتحدة في تأسيس الصندوق (GHF)"، لا بل إنه أكّد "أسّسنا (إسرائيل والولايات المتحدة) شركة تضم جنوداً سابقين من القوات الخاصة الأميركية شاركوا في مهمات إنسانية، آخرها في هايتي، وهم من سيتولون الآن توزيع المساعدات في غزة".

Read Entire Article