تربية الدمى...ظاهرة تُنذر بأزمة ثقة وانتماء في الصين

1 day ago 2
ARTICLE AD BOX

برزت ظاهرة غريبة في الصين خلال السنوات الأخيرة، مع اندفاع المزيد من الشباب إلى تربية الدمى القطنية مثل الأطفال، وقد وجد الباحثون رابطاً بين الوحدة والرغبة في الانتماء. وتشارك الغالبية العظمى من هؤلاء صوراً للدمى بشكل روتيني عبر الإنترنت، مثل الجلوس في مقهى مع فنجان قهوة، أو الاستمتاع بالمناظر الطبيعية في منطقة سياحية، أو باعتبار ذلك جزءاً من حشد في حفل موسيقي.

ويعلّق بعضهم أن الأمر مرتبط بـ"رغبة الناس في رؤية هذه الصور والتفاعل معك، نحن نستمتع حقاً بهذا الشعور". في حين يرى آخرون أن هؤلاء يواجهون صعوبةً في إيجاد قبولٍ من المجتمع، فيلجؤون إلى اقتناء الدمى للفت الأنظار. ويُسمّى هؤلاء "أمهات الدمى أو آباءها" وينبع رضاهم بشكل كبير من مدى قدرة هذه الدمى على لفت الأنظار من خلال منحها شخصية مميزة، بدءاً من اختيار اسمها وملابسها وتزيينها بأسلوب معيّن. وهم مثل أي أم فخورة أو أب فخور، يستمتعون كثيراً بتلقي "أطفالهم" الثناء.

ويرى مراقبون أن "آباء الدمى" هم في الغالب من الشباب، إما في الجامعة وإما في بداية مسيرتهم المهنية. وعلى عكس طريقة لعب الأطفال بالدمى التي تميل إلى تقليد سلوكات تربية الأطفال، لا يربط أصحاب الدمى القطنية رعاية دماهم بتربية الأطفال، حتى إن العديد منهم قالوا إنهم فكروا في البقاء عُزّاباً أو بلا أطفال.
سو شيانغ، طالبة صينية من مدينة هاربين الشمالية، تدرس في جامعة شينزن جنوبي البلاد، تُخبر "العربي الجديد" أنّها تعيش وحدها في الحرم الجامعي منذ ثلاث سنوات، وتفتقد أسرتها بسبب بُعد المسافة الجغرافية بينهم، إذ إنها لا تعود إلى المنزل إلا مرة في العام أثناء عطلة عيد الربيع.

وتضيف: "مع إلحاح الشعور بالوحدة، قرّرتُ في بادئ الأمر شراء حوض من الأسماك الملوّنة، للاعتناء بها وقتل ساعات الفراغ، لكنّي واجهتُ صعوبات مضاعفة لأن هذه الأسماك الصغيرة عمرها قصير نسبيّاً، وكنت كلما تعلقت بواحدة، فُجعت بموتها (السمكة) لأسباب مختلفة مثل انخفاض أو ارتفاع درجة حرارة حوض الأسماك، أو بسبب سوء التغذية، خصوصاً أنّني لا أملك الخبرة الكافية في تربية الأسماك".
وتتابع شيانغ: "لم يدم الأمر طويلاً حتى قررتُ اقتناء دمية، فهذا الخيار الأفضل عندي، وبالفعل ذهبتُ إلى المتجر، واشتريتُ واحدة، أطلقت عليها اسم شياو تساو مي وتعني الفراولة الصغيرة، ومنحتها عمراً افتراضيّاً، بدءاً من تاريخ شرائها، حيث يبلغ عمرها اليوم سنة وسبعة أشهر".

وتشرح كيف أنها احتفلت بعيد الميلاد الأول لدميتها العام الماضي، في حضور بعض زميلاتها في الجامعة. وعن طريقة تعاملها معها، توضح الطالبة الصينية أنها تعتبرها "صديقة وليست ابنة"، وتقول: "أتحدث معها طوال اليوم، ولا سيّما عند ساعات الليل، لأنها تنام بجانبي، فهي تعرف كل شيء عني، حتى أسراري الخاصة. عندما أبوح لها بمكنوناتي الداخلية أشعر بالارتياح، وينتابني شعور بأن هناك من يسمعني ويهتم بي".
في تعليقه على هذه الظاهرة، يقول أستاذ الدراسات الاجتماعية السابق في جامعة صن يات سن، وي لي فنغ، في حديث لـ"العربي الجديد": "إنّ ذلك يتعارض مع الأعراف الصينية السائدة في المجتمع، لأن اقتناء الدمى بدلاً من الاستعداد للزواج والإنجاب، يُنظر إليه منذ حقب زمنية طويلة على أنه نذير شؤم خصوصاً في المناطق الريفية والقروية التي لم تتأثر بالانفتاح على الأفكار الغربية".

ويضيف: "حتى إن هذا السلوك مستهجن داخل المجتمع حين يرتبط بأشخاص بالغين وراشدين، لأنه ينمّ في ظاهره عن اضطراب عقلي ونفسي، إذ لا يعقل أن يتمّ استبدال العلاقات الإنسانية الطبيعية باقتناء الدمى والتحدث إليها وكأنها كائنات من لحم ودم، هذا جنون وهراء ويعبّر عن أزمة ثقة وانتماء لدى هذه الشريحة الواسعة من المجتمع الصيني". ويتابع: "لك أن تتخيّل أن يدعوك شخص ما لحضور عيد ميلاد صديقه أو ابنه، وتُفاجأ لاحقاً بأن صاحب المناسبة عبارة عن دمية".

وعن الأسباب الكامنة وراء اتّساع هذه الظاهرة، يقول وي لي فنغ: "من الواضح أن العامل المشترك بين هؤلاء الفتية هو التوق إلى القبول المجتمعي والتقدير والانتماء، وقد يرجع ذلك تحديداً إلى أن هذا الجيل ربما نشأ في بيئة أبوية متطرّفة، بسبب تداعيات سياسة الطفل الواحد التي استمرت لعقودٍ عدة، أو الآثار الجانبية لتسارع وتيرة الحياة الصناعية التي تضغط بشكل مباشر على العلاقات الاجتماعية حتى داخل الأسرة الواحدة".

ويلفت إلى أنّ "معظم هؤلاء الآباء أو الأمهات الافتراضيّين للدمى، كانوا يمرّون في الغالب بمرحلة انتقالية بين تجربتين، سواء كان الأمر يتعلق بمغادرة الأسرة الصغيرة للدراسة في منطقة أخرى بعيدة جغرافياً، أم محاولة العيش بشكل مستقل بعد التخرّج، أو دخول سوق العمل لأول مرة، وتجربة العيش والتأقلم مع هذه البيئة الصعبة، جميعها عوامل تزيد من كمّ المسؤوليات التي تثقل كاهلهم، وتزيد من ضغوط الحياة عليهم".
يُشار إلى أن هذه الظاهرة ساهمت في فتح سوق كبير يُعرف باسم "سوق الدمى القطنية"، يتخصّص بتصنيع الدمى وبيعها، وتراوح أسعار التصميم والإنتاج بين 70 و100 يوان، أي ما يعادل نحو 10 إلى 15 دولاراً أميركيّاً، وهي في الغالب مصمّمة بحسب الطلب، بعيون واسعة ووجه مبتسم وملابس زاهية يغلب عليها اللون الأحمر، الذي يرمز إلى الحب والسعادة في الثقافة التقليدية الصينية.

Read Entire Article