ARTICLE AD BOX

<p>من غير الواضح ما إذا كانت تونس ستنجح في التخلص مما يصفه بعضهم بالإرث الثقيل لحركة النهضة في الإدارات (أ ف ب)</p>
تسعى السلطات في تونس إلى تفكيك تركة حركة النهضة، الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين، وذلك من خلال مراجعة التعيينات التي تمت خلال فترة إدارتها الحكم منذ عام 2011 إلى 2014، وسط ترقب لتقرير ستصدره لاحقاً.
وأطل هذا الملف برأسه من جديد أخيراً بعدما عقدت لجنة تنظيم الإدارة ومكافحة الفساد في البرلمان جلسة استمعت خلالها إلى ممثلين عن الحكومة لمناقشة تطورات عملية التدقيق ومراجعة التوظيف خلال فترة حكم الإسلاميين.
وكثيراً ما اتهمت حركة النهضة بتوظيف الآلاف بعد أحداث الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت الرئيس زين العابدين بن علي، وهو أمر تنفيه الحركة التي يواجه كثير من قياداتها الحبس منذ أشهر.
غموض ومماطلة
مسألة مراجعة التعيينات والتوظيف داخل الإدارة في تونس خلال فترة حكم حركة النهضة انطلقت بعد الـ25 من يوليو (تموز) 2021 عندما أطاح الرئيس قيس سعيد الحركة من الحكم بعد حل البرلمان والحكومة في خطوة وصفتها النهضة بـ"الانقلاب"، لكنه اعتبرها ضرورية من أجل تصحيح مسار ثورة الـ14 من يناير (كانون الثاني) 2011.
ودعا مقرر لجنة تنظيم الإدارة ومكافحة الفساد النائب البرلماني بوبكر يحيى، السلطات إلى "تحمل مسؤوليتها بنشر التقرير النهائي لعمليات التدقيق في الانتدابات مع تطبيق القانون، لأن هناك عديداً من التفاصيل في شأن هذا الملف لا تزال غامضة".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية"، أن "هناك غموضاً كبيراً حول هذا الملف، فحتى من الجانب القانوني هناك أمر وقانون ينظم عملية التدقيق في التعيينات وعمليات التوظيف التي تمت، ويضع آجالاً للانتهاء منها وكيفية العمل، لكن لم يتم حتى الآن لا الكشف عن مخرجات عمل اللجان، ولا إرسال التقارير إلى رئيس الجمهورية أو البرلمان باعتبارهما سلطتين تنفيذية ورقابية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد على أن "هناك تخوفاً ومماطلة في إصدار هذه التقارير، وربما هناك مقاومة من الإدارة العميقة، وفي انتظار ذلك نحن في البرلمان سنطلب الاستماع إلى رئيس الحكومة أو تلقي نسخة من هذه التقارير حتى نضمن التعاطي بجدية مع هذا الملف".
يأتي هذا في وقت يسعى الرئيس قيس سعيد إلى القيام بإصلاحات جوهرية على مجال التوظيف وغيره، لكن جهوده تواجه انتقادات متزايدة من قبل النقابات والأحزاب السياسية التي تقلص دورها بصورة كبيرة، خصوصاً مع عودة البلاد إلى النظام الرئاسي المطلق.
واعتبر الباحث السياسي هشام الحاجي أن "مراجعة التعيينات في الإدارة التونسية قد أصبحت تقليداً منذ يناير 2011، وهي تدل أساساً على أن عامل الولاء السياسي محدد في إسناد المسؤوليات، وحالياً وقع استبعاد عدد كبير من المحسوبين على حركة النهضة من مواقع المسؤولية".
وأردف الحاجي، في تصريح خاص "يمكن القول إن السلطة نجحت في ذلك، لكن القضاء على تأثير حركة ذات خلفية أيديولوجية يحتاج إلى عمل أعمق ثقافياً وفكرياً وهو ما لا نلمسه حالياً، إذ تبدو السلطة السياسية الحالية ضعيفة في هذا الشأن".
ويعتقد المتحدث أن "المشكل له وجهان: الأول، وجود مواطن خلل معروفة وقديمة في الإدارة التونسية. والثاني، أن رئيس الجمهورية لا يملك مقاربة دقيقة وواضحة للإصلاح الإداري، وتعدد التعديلات في الحكومة منذ أعوام أكبر دليل على ذلك".
ملف قديم جديد
في سبتمبر (أيلول) 2023 أصدر الرئيس التونسي أمراً يستهدف تشكيل لجان تقوم بعمليات تدقيق شاملة لعمليات الانتداب والإدماج التي تمت منذ عام 2011 وحتى 2021. وعلى رغم مضي نحو عامين على هذه الخطوة فإن هذه اللجان لم تكشف بعد عن مخرجات عملها.
وعد الباحث السياسي التونسي الجمعي القاسمي أن "هذا الملف قديم جديد، لأنه حتى في عهد رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد تم التطرق إلى مسألة مراجعة عمليات التوظيف العشوائية التي نفذت في فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة، والتوافق المغشوش بين الرئيس الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي. ثم أعيد تأكيدها عندما طرحت مسألة تضخم كتلة الأجور في تونس وضرورة التقليص منها، والآن عاد الرئيس قيس سعيد إلى المسألة، ويبدو أن اللجان التي عملت عليها تقدمت أشواطاً كبيرة، لكن للأسف الشديد لم نر نتائج ملموسة حتى الآن".
وبين أن "المؤكد أن جزءاً كبيراً من عمليات التوظيف لا تزال سارية، وعدداً كبيراً من الأفراد الذين عُينوا أو وُظفوا لا يزالون يباشرون مهامهم حتى الآن باعتبار أن اللجان التي شكلت بعد الـ25 من يوليو 2021 لا تزال تجمع وترصد ولم تنه بعد عملها، وهناك أفخاخ تهدد هذه العملية من التدقيق في التوظيف والتعيينات، ويجب العمل مع هذا الملف بكثير من الحذر والتريث لأن المسألة في غاية الخطر".
وفي ظل ما يعده كثر تأخراً في حسم هذا الملف، فإن من غير الواضح ما إذا كانت تونس ستنجح في التخلص مما يصفه بعضهم بالإرث الثقيل لحركة النهضة في الإدارات والوزارات.