ARTICLE AD BOX
د. فالح الحمـراني
انعقدت في 23 أيار الحالي في روما الجولة الخامسة من المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران. ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها اختيار العاصمة الإيطالية، فقد كانت أيضًا المكان الذي تفاوض فيه الطرفان في الجولة الثانية من المحادثات حول الملف النووي الإيراني. وكان عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، قد كتب في العشية على حسابه على شبكة التواصل الاجتماعي "إكس": "إن إيجاد سبيل للتوصل إلى اتفاق ليست معادلة صعبة. فلا أسلحة نووية يعني يوجد اتفاق. ولا تخصيب، يعني عدم وجود اتفاق. لقد حان الوقت لاتخاذ قرار".
ووصِفت الجولة الرابعة السابقة بأنها "أكثر جدية وملموسة من الجولات السابقة"، حيث "ابتعدت الأطراف عن الكلمات العامة وتعمقت في التفاصيل". لكن بعد تلك الجولة، برز أخيرًا الموقف الأمريكي الصارم والصريح للغاية، والذي عبّر عنه كبير المفاوضين ستيف ويتكوف: "لا يمكنكم التخصيب ولا امتلاك أجهزة الطرد المركزي. وإذا لم تُسفر المفاوضات عن نتائج، فستتوقف عملية الحوار، وسيتعين علينا اتباع مسار مختلف". لاحقًا، صدر تصريحٌ آخر بنفس الوضوح: "لدينا خطٌّ أحمرٌ واضحٌ جدًا، وهو التخصيب. لا يمكننا السماح ولو بواحدٍ بالمائة من قدرة التخصيب، لأن التخصيب يُمكّننا من إنتاج أسلحة. ولن نسمح بالوصول إلى انتاج القنبلة".
ومن المنطقي أن يثير هذا التصريح رد فعل حاد من جانب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي، حيث قال: إن قضية تخصيب اليورانيوم التي تصر عليها الولايات المتحدة ليست موضع نقاش على الإطلاق.". إننا نشهد موقفا غير معقول وغير منطقي تماما من جانب الأميركيين". وعلى حد قول المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن الأميركيين "يتكلمون هراء". وأضاف أن "الجمهورية الإسلامية لا تنتظر الإذن من أحد"، ولأول مرة أشار صراحة إلى أن إيران لا تؤمن بنتيجة إيجابية..
وعلى النحو عقدت الجولة الخامسة في ظل تراجع احتمالات انعقادها بشكل كبير بسبب ذروة الخلافات بين الجانبين والتصريحات المستمرة للولايات المتحدة بشأن وقف تخصيب اليورانيوم في إيران، ومعارضتها الواضحة والجدية لهذه القضية. وأعرب العديد من السياسيين الإيرانيين عن تشاؤمهم االسافر. وفي هذا الصدد صرّح عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، كوساري، بشأن آفاق المفاوضات: "اعلموا أننا لن نحقق شيئًا في المفاوضات. إنها مستمرة، ولكنها لن تسفر عن التوصل إلى نتائج". واللافت أن هذا التوقع تأكد من خلال تحليل لوكالة رويترز جاء فيه: "من المستحيل التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران قبل الصيف". ومن الجدير بالذكر أن مقالة وول ستريت جورنال لم تعرب أيضًا عن أي أمل في التوصل إلى اتفاق قريبًا. ولم يقتصر الشعور بخيبة الأمل في التوصل إلى اتفاق على وسائل الإعلام الأجنبية فحسب. على سبيل المثال، وصف المحلل السياسي الإيراني أحمد زيد آبادي على قناته على تيليجرام فرص النجاح في المفاوضات بأنها ليست أسوأ من مرور الجمل في عين الإبرة، وكتب: "أيام صعبة تنتظرنا".
وبدا الأمر وكأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود ولم يعد هناك معنى لمواصلة الاجتماعات التي لن تؤدي إلى أي نتيجة. ولكن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر عراقجي قال في مقابلة مع وكالة تسنيم الإخبارية بعد الجولة الخامسة: إن هناك إمكانية لتحقيق تقدم في المفاوضات: "المفاوضات معقدة للغاية بحيث لا يمكن حل القضايا في بضعة اجتماعات قصيرة، ولكن هناك إمكانية للتوصل إلى حل". تجدر الإشارة إلى أنه في بداية المفاوضات، كان الطرفان يهدفان إلى عقد عدة لقاءات. لقد كان من الواضح أن الإيرانيين، مستعدون لمواصلة المفاوضات. وأوضحوا أن هناك تقدم، وأشادوا بشركائهم: "كانت الجولة الأخيرة واحدة من أكثر مراحل المفاوضات احترافية التي شاركنا فيها على الإطلاق". إن استنتاج عراقجي توضح أن الطرف الأمريكي "أصبح لديه الآن فهم واضح لموقف إيران". وقيل الشيء نفسه بعد الجولات السابقة.
وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، فإن الوفد الإيراني في هذه الجولة من المحادثات ”نقل بوضوح وشفافية للطرف الآخر اعتراضه على هذه العملية، نظراً للمواقف المتناقضة للمسؤولين الأمريكيين في الآونة الأخيرة وحزمة العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن ضد طهران“. كما أكد أن هدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو "عرض موقفها المشروع بجدية وحزم بشأن استخدام الطاقة النووية السلمية ورفع العقوبات". مإن وقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية المعلن، الذي تكرر منذ الاجتماع الأول للوفود: "البرنامج النووي الإيراني هو نتيجة مثابرة وصمود ومقاومة طويلة للأمة التي تفتخر بالإنجازات التي حققتها في ظل صعوبات كبيرة وتتوقع من ممثليها اتخاذ خطوات حاسمة ومثابرة لحماية حقوق ومصالح الأمة الإيرانية“ - وتكرر الاعلان عنه هذه المرة دون أن تحدث تغييرات إيجابية في مسار الحوار.
وقد ردت وسائل الإعلام الرسمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتفاؤل، وهو ما يتفق تماماً مع روح تصريح عراقجي. واعتبرت أن المحادثات التي جرت في روما تشكل إشارة نحو تعزيز الآمال في إزالة العقبات والتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران. وبحسب وسائل الاعلام تلك، فإن مسار الجولة الخامسة سجل تفاهما متبادلا وأظهر وجود فرصة محتملة لتخفيف أشد نقاط المواجهة حدة. وركزت افتتاحية صحيفة "أرمان ميلي" على أن المفاوضات تتوصل إلى مقاربات مشتركة، مما يدل على الاحترافية العالية لفرق التفاوض. ولكن صحيفة كيهان، أقدم صحيفة في إيران، سعت إلى اكتشاف ما يعيق تقدم المفاوضات الإيرانية الأميركية، واستنتجت: إن إسرائيل باعتبارها شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة، هي التي تصرف انتباه الرئيس دونالد ترامب إلى مشاكل أخرى غير القضية النووية الإيرانية، وتجره إلى حل قضايا الحرب في قطاع غزة، وبالتالي تجبره على أن يكون أقل اهتماماً بإيران وتطلعاتها.
- استفادت المقالة من تقارير معهد الشرق الاوسط في موسكو.
The post تفاؤل حذر من نتائج لجولة المفاوضات الإيرانية ـ الأمريكية، الخامسة appeared first on جريدة المدى.