ARTICLE AD BOX
في توقيتٍ غير منعزلٍ عن المشاهد الآتية من الرياض، حيث بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب جولته الخليجية، مُوقّعاً مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اتفاقيات تاريخية بأكلاف فلكيّة، اختارت قيادة تل أبيب الاستمرار في لغة القوة، في محاولة لامتصاص صدمة ما أنتجته لغة المال في الوصلة الأخرى من الخريطة، لتقصف المستشفى الأوروبي في مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، بزعم "توفر معلومة ذهبية" أفضت لاغتيال القيادي في حماس محمد السنوار. فلئن كان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو طَلِق اللسان بالإنكليزية، إلا أن هذه الأخيرة "ليست لغة ترامب"، وفقاً لتقرير أوردته صحيفة "معاريف" اليوم الأربعاء. ومع أنها شددت على أن الدعم الهائل، والمصالح المشتركة بين واشنطن وتل أبيب لا تتزعزع، اعتبرت أن "نتنياهو لا يمكنه منافسة زعماء الخليج مالياً، ولا يستطيع منح ترامب ما يطمح إليه بنيل جائزة نوبل للسلام عبر التوصل إلى اتفاق يفضي لوقف الحرب في قطاع غزة"، لافتةً إلى أن مصالح الولايات المتحدة ليست بالضرورة كلها متوائمة مع مصالح إسرائيل. وربطت الصحيفة ما سبق بـ"توتر العلاقة" بين ترامب ونتنياهو أخيراً، والذي يمكن أن يتبدل وفقاً لاعتبارات رجل البيت الأبيض.
هكذا، اختارت إسرائيل أمس اغتيال محمد السنوار، شقيق قائد الحركة يحيى السنوار، الذي اغتالته مصادفة في غزة قبل شهور. وفي الوقت الذي كانت إسرائيل تراقب فيه ما يحدث في الخليج، اختارت ماكينة دعايتها أن تروّج لعملية الاغتيال باعتبارها أزاحت الرجل الذي "يقف عقبة بوجه التوصل لصفقة".
ووفقاً لما ادعته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن أجهزة الأمن الإسرائيلية انتظرت منذ زمن اللحظة التي تتوفر فيها معلومة ذهبية عن السنوار، المعرّف بصفة "آس" في قائمة الاغتيالات (قائمة من ورق تُصنف فيها إسرائيل الشخصيات التي ترغب باغتيالها من حيث الأهمية اتساقاً مع قيمة الرموز على ورق اللعب). ولمّا جلب عناصر أجهزة الأمن المختلفة المعلومة حول موقع السنوار، هرعت المنظومة بأكملها لتنفيذ العملية التي أسقطت فيها المقاتلات الجويّة 40 قذيفة خارقة للتحصينات تزن كلٌ منها طناً، ما يعني نصف ما ألقته على مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت لاغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في سبتمبر/ أيلول الماضي.
يُعد السنوار هدفاً تلاحقه إسرائيل طوال الوقت، ومع ذلك لم تبادر إلى اغتياله إلا أمس، حيث نقلت "يديعوت" عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله إنه "قبل ساعة واحدة فقط من التنفيذ، صدّق رئيسا الأركان والشاباك، أيال زامير ورونين بار، وبعدهما نتنياهو ووزير أمنه يسرائيل كاتس، على العملية"، التي أسفرت عن استشهاد عشرات الفلسطينيين، وجرح مثلهم، بينهم مرضى وجرحى حرب في المستشفى.
وبالرغم من الزعم المحيط بـ"المعلومة الذهبية"، لفتت صحيفة "يسرائيل هيوم" إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية "ما زالت تتحفظ على تأكيد اغتيال السنوار نهائياً"، مشيرةً إلى أن "التحقق من النتائج قد يستغرق أياماً أو حتى أسابيع، نظراً لأن الهجوم استهدف منشأة تحت-أرضية".
وبحسب التقديرات الأوليّة، فإن جميع من كانوا داخل المنشأة التحت - أرضية، بما في ذلك شخصيات قيادية بارزة في حماس، استشهدوا في العملية، إمّا بفعل القذائف نفسها أو بفعل الاختناق، كما جرى في اغتيال نصر الله وعدد من قادة حزب الله. غير أن جيش الاحتلال لا يزال يتعامل بحذر مع الإعلان نظراً لتجاربه السابقة التي تبيّن فيها أنه أعلن عن اغتيال قادة من الحركة ليتضح لاحقاً أنهم ما زالوا أحياء.
إلى ذلك، شددت وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة على أن أجهزة الأمن بذلت جهوداً حثيثة للتأكد من عدم وجود محتجزين في محيط المجمع المستهدف، فيما نقلت إذاعة "كان ريشت- بِت" عن مصادر إسرائيلية قولها إن "نجاح عملية اغتيال السنوار، في حال تأكد، يمثل إنجازاً كبيراً يمكن أن يفتح الباب أمام إحراز تقدم في المفاوضات"، زاعمةً أنه "كان يشكل عقبة أساسية أمام أي اتفاق".
وبالعودة إلى توقيت الاغتيال، رأت صحيفة "هآرتس" أن العملية "خطفت العناوين مؤقتاً في داخل إسرائيل نفسها، وأزاحت عن الواجهة قليلاً زيارة ترامب للسعودية بينما كان منشغلاً في توقيع عقود بمئات المليارات. وعلى الرغم من أن الاغتيال إذا كان قد نجح يمثل بنظر إسرائيل نوعاً من إغلاق دائرة الحساب مع المسؤولين عن عملية "طوفان الأقصى"، رأت الصحيفة أن الاغتيال الذي يُوصّف بأنه "أزاح عقبة" في طريق الاتفاق ليس هو الذي سيقرر مسار الحرب، وإنما "ما سيفعله ترامب في الأيام القليلة المقبلة، وأهمها مدى نجاحه في فرض موقفه على نتنياهو.
