ARTICLE AD BOX
أعلن المعهد الوطني التونسي للإحصاء نتائج التعداد العام للسكان، مبيناً أن محافظات تونسية عدة شهدت تراجعاً في عدد السكان، في وقت بدا النمو في محافظات أخرى بطئئاً خلال السنوات العشر الماضية.
وكانت محافظتا الكاف وسليانة (شمال غربي تونس) على رأس المحافظات التي سجلت تراجعاً في عدد سكانها خلال الفترة الممتدة ما بين 2014 و2024. وتراجع عدد سكان محافظة الكاف بـ 5475 نسمة، بينما تراجع عدد سكان محافظة سليانة بـ 6852 نسمة.
وتشهد البلاد خلال السنوات الماضية تراجعاً في معدل الخصوبة. ويتفق عدد من الخبراء على أن تونس تواجه أزمة سكانية، وقد تشهد تراجعاً سريعاً في عدد السكان، ما يتطلب إعادة النظر في سياسات التنظيم العائلي والتشجيع على الإنجاب.
ومنذ أكثر من 50 عاماً، تطبق تونس سياسة التنظيم العائلي التي تشجع على تقليص الإنجاب والتباعد بين الولادات، ما أدى إلى استقرار عدد سكانها على مدى عقود في مستويات تتراوح ما بين 10 و12 مليون نسمة. وبحسب نتائج التعداد، تسجل تونس تراجعاً في نسبة الخصوبة بنسبة 1.7%، وهي نسبة ما دون المعدلات العالمية لتجدد السكان المقدرة بـ 2.1%.
وبلغ عدد سكان تونس 11.972.169 نسمة حتى 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، في مقابل 10.982.754 نسمة عام 2014، أي بمعدل نمو سنوي بلغ 0.87%.
ويرى الباحث في الديموغرافيا، منذر سوودي، أن سياسة التنظيم العائلي في تونس، التي كانت تقدّم في كثير من الأحيان قصة نجاح في التخطيط الديموغرافي، أصبحت تظهر جوانب سلبية، أبرزها التحول الديموغرافي الذي تشهده البلاد، والانخفاض السكاني في عدد من المحافظات. ويقول لـ "العربي الجديد" إن سلطات تونس اعتمدت على مدى عقود على إطار منطقي مفصول عن تموقعها دولة من دول الجنوب، واعتبرت السكان عبئاً على الاقتصاد، ونسيت أنهم قوة منتجة، ما أدى إلى كبح النمو واختلال في البنية السكانية النشطة.
يتابع: "تمت التضحية بملايين الولادات المفترضة من دون اعتبار للنتائج بعيدة المدى. واليوم، نحصد تبعات هذا المسار من تهرّم سكاني متسارع سيؤدي إلى صعوبات في منظومة الضمان الاجتماعي، وزيادة العجز في صناديق التقاعد والمنظومة الصحية التي لن تكون قادرة على الاستجابة لاحتياجات الشريحة السكانية الأكثر حاجة للمتابعة الصحية، أي كبار السن".
وخلال سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته، سجلت تونس طفرة في نموها الديموغرافي بنسبة 2.35% عام 1975، ثم 2.48% عام 1984، قبل أن يأخذ هذا النمو منحى معاكساً بدءاً من التسعينيات.
ويقول سوودي إن التخطيط الديموغرافي أمر أساسي للدول، مع الأخذ في الاعتبار خصوصيات المجتمعات وتموقعها في الاقتصاد العالمي، والبنية الاقتصادية والاجتماعية، والمساواة في أدوار التربية والتنشئة في العائلة والمجتمع والدولة. يضيف: "يجب عدم إنكار مزايا خطة التنظيم العائلي التي اعتمدتها تونس منذ عقود، لكن أصبح من الضروري مراجعتها لتجنب الأسوأ". ويوضح أن "التخطيط الديموغرافي ليس عملية تقنية باردة، بل يجب أن يكون مشروعاً قائماً على العدالة والاستثمار في الإنسان قوة منتجة لا عبئاً".
وتتوقع سلطات تونس أن تبلغ نسبة كبار السن خمس السكان بحلول عام 2036، ما سيضع البلاد أمام الكثير من التحديات، خصوصاً مع تصاعد وتيرة الهجرة النظامية وغير النظامية نحو أوروبا، ما يهدد بإفراغ البلاد من كفاءاتها.
كما تتسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في تأخر سن الزواج (31 عاماً للإناث و33 عاماً للذكور)، الأمر الذي انعكس على نسبة الولادات في البلاد.
ويرمي التعداد العام إلى إنتاج قاعدة بيانات مرجعية ومؤشرات رقمية حديثة وشاملة وموثوقة حول السكان والمساكن وظروف عيش الأسر التونسية، لبلورة السياسات العمومية وتوفير قواعد بيانات رسمية وموثّقة للبحوث والدراسات التي تنجز من قبل السلطات العمومية أو المؤسسات الخاصة.
