ARTICLE AD BOX
يتناول الفنان التشكيلي التونسي جابر المحجوب (1938 – 2021) قضايا كبرى تتعلق بالهوية والحرية واللامساواة بمفردات بسيطة تنتمي إلى الفن الفطري، كما يعكسها المعرض الاستعادي "العالم للجميع" الذي افتتح في "دار الفنون البلفيدير" بتونس العاصة بداية الشهر الماضي، ويتواصل حتى نهايته.
ربما يبدو عنوان المعرض معاكساً للأفكار التي تتضمنها اللوحات المعروضة، أو مخاتلاً في تقديمها أمنياتٍ يحلم بها الفنان الذي غادر بلدته مساكن في السابعة عشر من عمره إلى فرنسا، حيث يتجاور البشر بألوانهم المختلفة والحيوانات والطيور في مشهد واحد، بأحجام لا تطابق الواقع إنما بحسب ما تذهب إليه المخيلة الجامحة التي تسعى إلى التحرر من هيمنة قوالب أو معايير ثابتة.
المحجوب الذي عمل بمهن عديدة، موسيقياً متجولاً، ومهرّجاً، وراوياً للقصص، وعازفاً في فرق موسيقية، وغيرها، وعاش في منفاه حتى رحيله. وفي أثناء عزفه ألحاناً من تأليفه، كان يرسم رسومات شبه مرتجلة في دقائق معدودة ويوقعها باسمه الأول "جابر"، وينسحب الأمر على منحوتاته التي تضمّ أشكالاً ورموزاً عابثة بإيقاع لوني يحمل ارتباكاً في التعبير والتباساً في تلقيه. وهنا يكمن أسلوبه الخاص.
غادر الفنان بلدته مساكن التونسية في السابعة عشر من عمره إلى فرنسا التي عاش فيها حتى رحيله
آراء النقاد في طبيعة الفن الساذج الذي قدّمه المحجوب على مدار ستة عقود تشير إلى التجديد في الفن الساذج بما يستخدمه من خامات أولية في تنفيذ أعماله، بحيث تبقى بعض الجذور التي ترتبط بشكل من أشكال الفن الشعبي يمزج بين مناظر حضرية تنتمي إلى مدينة باريس وبين شخصيات وكائنات جوّالة عابرة في المكان.
كما تحضر مناخات غنائية في معظم أعمال محجوب الذي كان يطلق على نفسه لقب "الأحمق السعيد"، وهي مناخات مستمدّة حياته الشخصية، فتتكرّر شخصية المهرج أو فنان الشارع الذي يمضي هائماً أو مطارداً و محلّقاً مثل طيوره التي تعيش معه، أو مشاهد كاريكاتيرية لثلاث سمكات تبتلع الأولى الثانية والثانية الثالثة، وأناس يدخنون على شكل بيوت بسلالم يسكنها أناس أيضاً. وفي كثير من الأحيان، تؤدي هذه الكائنات أفعالاً أمام حشود تنظر إليها، وكأن يومياتهم جزء من سيرك.
وعلى هامش المعرض، يعقد عند التاسعة من صباح غدٍ الاثنين في "دار الفنون" لقاء ثقافي تحت عنوان "الظاهرة ومعانيها" حول الفنان الراحل، إلى جانب توزيع كتيب بعنوان "الطائر الحر" يضيء تجربته ويستعرض أعماله التي طبعت المشهد الفني، مع تقديم تحليلات معمّقة حول أبعادها ورموزها.
يُذكر أن جابر المحجوب نفّذ العديد من المنحوتات بأشكال طوطمية من الجص مغطاة، مثل لوحاته، بنقوش غامضة تستحضر أسماء مناطق أو بلدان مثل كورسيكا وأوفيرني وإسبانيا، وأقام العديد من المعارض في الولايات المتحدة الأميركية وكوبا ومصر وهولندا وبلجيكا وإسبانيا، بالإضافة إلى فرنسا.
