ARTICLE AD BOX
في قلب بيروت المتقلّبة، التي تنهض كلّ مرة من رمادها كما لو أنها خُلقت لتُعاد صياغتها مراراً، اختارت صالة "Pik’d Gallery"، الأسبوع الماضي، أن تُدخل الضوء من زجاج. زجاج مورانو. ليس زجاجاً عادياً، بل قطعاً تتنفس فناً، وتحمل في شقوقها ما يشبه سرديات البقاء.
"حدائق مورانو" هو الاسم الذي اختارته غدي عازار لمجموعتها المنسّقة، المستلّة من مشاغل الحِرَف الفينيسية العريقة، حيث يُنفخ الزجاج بنَفَس الصانع كما يُنفخ الحلم. وقد ولدت هذه القطع - من ثريات ومزهريات وطاولات وحوامل شموع - خُلقت واحدة تلو الأخرى في جزيرة مورانو الإيطالية، لتُعرض للمرّة الأولى، حصرياً، في بيروت.
في كلّ قطعة، حكاية مزدوجة: حنين إلى تقاليد صنعت المجد بإتقان النار والهواء، وانحياز إلى روح معاصرة لا تخشى التجريب. إنها قطع تتجاوز وظيفتها، لتصبح بياناً جمالياً عن التفرّد، عن الزمن حين يُختصر في انحناءة زجاج.
ضمّ المعرض قطعاً فنية أنجزها أساتذة الزجاج في مورانو، وتُجسّد كلّ قطعة التزاماً عميقاً بفنّ الصناعة المعاصرة، المنبثق من تقاليد ضاربة في الجمال، وتقدّم تصاميم فريدة تتجاوز حدود الزمن والموضة.
لكن ما جعل المعرض أكثر من مجرد عرض تصميمي، هو تواطؤه الحميم مع المدينة. فبيروت، بكل ما تحمله من هشاشة وقوة، تجد في الزجاج الموراني مرآةً دقيقة. وكأن هذه الأشكال الشفافة، الموشّاة بالضوء، قد خرجت من رحم المدينة نفسها، لتقول إن الجمال يمكن أن يكون هشاً، لكنه عنيد، لا ينكسر.
الزجاج الموراني، بكلّ ما يحمله من هشاشة وصلابة في آنٍ، وجد صدى خاصاً في بيروت، المدينة التي لا تنفك تعيد تشكيل ذاتها بطرق مفاجئة. يُعدّ هذا المعرض تأمّلاً في التحوّل، والتقاطاً لروح الحرفة وروح المدينة معاً.
ويأتي هذا التعاون بين "Pik’d" وغدي عازار ليضيف رؤية جديدة إلى فنّ الزجاج الموراني، في مزجٍ رشيق بين التقاليد والرؤية المعاصرة، داعماً بذلك نموّ الفن والتصميم في لبنان وخارجه، وموسّعاً برفق أفق التجربة الجمالية.
في "حدائق مورانو"، تكمن الرسالة: حين تنهار الأشياء، يمكن لشيء جديد أن يولد. والمعرض الاستثنائي هو تأمّل في التناقضات: كلّ قطعة صاغها أساتذة مورانو تحمل في طيّاتها رهافةً وجرأة، زمنية وأزلية، مألوفة وجديدة.
ليست هذه القطع مجرّد أشياء، بل أفعال محبّة، وصناعة، وبدايات. قطع فريدة تُعرض لأوّل مرّة في بيروت التي تعرف معنى الانكسار والقيام من جديد، وتأتي هذه المجموعة كتحيّة هادئة للصلابة، وللجمال الذي يُصرّ على البقاء.