حسن اصليح.. الآن لينَم الجميع!

2 weeks ago 10
ARTICLE AD BOX

كم ليلة في الحرب تعبت يا حسن، وكم يومًا قضيت بلا مأوى، وأنت تنقل الخبر لحظة بلحظة، لا نتخيّلك إنسانًا بل منظومةً، لا صحافيًا بل مؤسّسة، لا إعلاميًا بل قناة لا يقلّ عدد موظفيها، مذيعين ومراسلين، عن خمسين شخصًا، وأنت وحدك وحدك منذ أوّل يوم، تعبر الجدار، وتعود لما وراء السور، وتبدأ السير ولا تتوقّف عنه ولو بالرصاص، ولو بتهديدات الاغتيال والقصف، كأنك تعلم أنك ماضٍ إلى مصير محتوم، كان بعيدًا قليلًا، كان يمكن تفاديه، لولا أبناء جلدتك، ذاتهم الذي يدعونهم "أبناء الحرام"، الذين يسلمونك لعدوّك، ويحرّضونه على قتلك، ويوفّرون غطاءً لتصفيتك، وتصنيفهم "شركاء وطن"!

غارقًا في دمائك كنت، تناثر إصبعان منك، أضحى وجهك مشوّه الملامح وجسمك صعب التعرّف عليه، وقد أتاك التحذير وفهمت الرسالة وإن أخطأك الموت تلك المرّة، حين اغتالوا في الخيمة من اغتالوا واشتعل من اشتعل، ولا أقول نجوت، وإنما بقيت تحمل حتفَك على كفيك، ينتظر اللحظة الملائمة ليجهز عليك، ولم يكتفِ الخائنون (الذين يتظاهر المرجفون من أصدقائهم أنهم كانوا يحبونك أو قريبين منك) بأنك كدت تصل إلى الموت النهائي، كدت تفقد آخر ما تبقى من أنفاسك الزكية، بل واصلوا التحريض كأنهم يشجّعون قناصًا على صيد دجاجة، يدفعونه دفعًا إلى هدفه، كأنه محرج من أنك ما زلت حيًّا، وعليه مواراة عاره في التصويب، فصوّب مجدّدًا، وأنت بعدُ في المشفى، ليجدوك بين كومة من الحجارة، شهيدًا، أخيرًا، يا حسن!

سينام الجميع، هم، وأنت، وحتى نحن، لا إشعارات كلّ دقيقة بكلّ خبر في غزّة، ووحدها غزّة، لن يزورها يا حسن النوم!

الليلة، يا ساهر الليالي وسائر الأيام، يا أيّها الإنسان الذي لم يرد أكثر من أن يكون إنسانا لا تهدّده قوّة عسكرية تملك ملايين الأطنان من المتفجرات، ولا آلاف الطائرات والدبابات، ولا مئات آلاف الجنود، وتتحداه كلّها وحده، وتجنّد لمجابهته "أبناء الجلدة" القذرين، الذين يوغرون في صدورهم ما يغور في قلبك، الآن يا صاحب النظرات البريئة المتعبة، والصوت المنهك الجائع، والصدر النقي المثخَن، والثأر الصافي المتعاظم، والرفاق الراحلين الكثر، الآن تذهب إلى حيث لا تهديد مجدّدًا، ولا قناصةً على المبنى المجاور يترقبون اللحظة الذهبية، ولا طائرات بالأعلى تتقيّأ حملها كلّه فوق رأسك.

اليوم تذهب يا حسن، لتنام، ولا تحلم بشيء، لا بوطن غير محتل، ولا بجرح ملتئم، ولا برفاق يعودون... الآن أخذت تأشيرة عبور أخرى إلى دار أخرى، لا الناس فيها نفس الناس، ولا التعب فيها ولا الأرق، وإنما بعون الله روح وريحان وجنة نعيم، حيث حمزة، ووليد، وإسماعيل، وكلّ الذين ظننت لقاءهم بحجم المسافة ما بين السماء والأرض، الآن ترحل مغدورًا بقصف العدو الإسرائيلي الحقير، وبوشاية الفلسطينيين الذين تخلعهم فلسطينيتهم وتلقيهم بأقرب سلّة قمامة، وقد بلغوا منك مبلغهم، وقد بلغت أنت من الله مبلغك، ليرتاحوا مؤقتًا ويتعبوا أبدًا، وينتهي تعبك المؤقت وترتاح أبدًا، والليلة يا حسن، سينام الجميع، هم، وأنت، وحتى نحن، لا إشعارات كلّ دقيقة بكلّ خبر في غزّة، ووحدها غزّة، لن يزورها يا حسن النوم!

Read Entire Article