حلم الشاعر الذي يشبه المسيح

5 days ago 3
ARTICLE AD BOX

 

"أنتِ يا أيتها التي يسودها الصمت، مثل كل شيء جميل في الطبيعة" من فلاديمير نابوكوف إلى فيرا

قرص الشمس الحزينة:

تأملت من حولي مندهشاً، كطفل غرق في الصحراء طويلاً ثم حملته الريح نحو البحر. كانت الشمس منهمكة في انهيارها اليومي في السماء البعيدة. كنت ألمحها تسكنني لوحدي. كانت الشمس تنمو داخلي. وكان صوت الروح الصامتة منذ الأزل يهمس بصوتي: تحدث نيابة عني حتى أتسرّب في شرايين الأرض.

الليل الحي الميت:

هذا الليل المبهج الصاعد نحونا * أنا والروح الصامتة * كسمفونية ضاحكة. كان يتسرّب بروية لذيذة ويضحك للجبل الأخضر. سكن الليل إحدى عينيها وابتسم لي هازئاً، وغاب شيء مني، أو ربما انساب نحو عين الصامتة الأخرى. كان ما تبقى من روحي يأخذ مكانه بصمت في الفسيفساء الصامتة، تنهدت بغضب بادٍ: تحدث نيابة عنّي حتى أتسرّب في شرايين الأرض.

ظل يشبهني يبحث عن ذيل روحه:

المكتب الشبيه بيابسة تائهة، يستبد بالذاكرة على ورقة بيضاء تلتهم الحبر بنهم. يمسك بتلابيب اليوم الأسود، ويعصره، ينادي في الفضاء: صمت، جيش قديم وجديد، أم النبي يوسف، مكان، حقل.. المكتب المرصّع على غير العادة بملح السماء، وبقليل من خليط بنفسجي وبرتقالي. أخجل من جبهتي، وأحنّ للأسود والأبيض. أحنّ لغربة ذاكرتي ويسكنني الفراغ. أتنفس الصعداء وأسترشد بتمائم قديمة وجدتها فجأة في حلقي، قريباً من الهذيان الذي توسد صدري.

تتسرّب يدي اليسرى إلى جيبي وأصطدم بشمعة نبيذية. أغرقها في كأس النبيذ فتخرج الشمس متمتمة أغنية لا عهد لي بها. كان ظلي يراوغ مكانه ويسيج رقعة للشمس التي تظلّل لوحدها جبالاً وددتُ لو فتَنَتْ عينَيَّ. كان يصرخ: الأغنية لي، الشمس لي، الذاكرة المفتونة بالبياض والسواد مشاع.

يحضرني الصدى الفاتن: تحدث نيابة عني حتى أتسرّب في شرايين الأرض.

حلم الشاعر الذي يشبه المسيح:

رأيت فيما يرى النائم أنّني أسجد لأرض ترقص مزهوة بصمتك، كلما رفعت قدمك كانت تنبت شجرة، وكلما أنزلتها يرسم نهر ما مجراه، ويكبر حلم أخضر داخل قلوب اليتامى والفقراء، وتحلق الأزهار حول الفراشات التي عانقت بأجنحتها صوف الأرض أخيراً.

أيتها الصامتة أنا بحاجة لكلمات مرصّعة بنجوم الفتنة الأولى، والحياة الأولى، والحكمة الأولى، والزنبقة الأولى، والحمامة الأولى.. أنا صامت مثلك وأحتاج صمتك الأول لتخلق اللغة بداخلي.

أيتها الشمس: شمسي التي تدلف تحت إبطي كرمانة حديقة بيتنا اليتيمة، بجوار إجاصتَين ومشمشتَين. هل أصعد نحوك مثل بدايةٍ كاذبة أم أكتفي باللهفة البعيدة؟

أيتها الشمس: يا بذرة البداية المذهبة، أيتها المطرّزة ببستان ربيعي لم يعرف الصيفَ يوماً، يا نهراً من حنّاء قديمة، يا سهل النرجس وحده. يا شمس اللغة والشعر. يا سيدة الآلهة القديمة والجديدة.

يا أم الأبدية وأم كل شيء. يا صمتَ العالم وبهاءَه الأوحد:

بصمتك يحيا الجسد، وترقص القبيلة وتتوحّش الشهوة، بصمتك المفرط في دهشته تخلق الألوان في تفاصيل اللوحة القديمة، بصمتك تخجل السلطة وتشتعل الثورات، وتقرع أجراس الكنائس. بصمتك تختلط الأديان على المؤمنين، وتنتفض الطريق التي تربط بين المدن.. بصمتك تمسد يد أمي ناصعة البياض شعري، وتعدّ لي فطور الصباح تحت ظل زيتونتنا اليتيمة. بصمتك تختلط عليّ الصور القديمة وتتزاحم الملامح لتشكل ظلّك السماويّ.

صدى، صدى، صدى: تحدث نيابة عنّي حتى أحبك أكثر.

Read Entire Article