ARTICLE AD BOX
عادت التهديدات بالردود الانتقامية إلى الواجهة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، بعدما اتهم كل طرف الآخر بخرق الهدنة التجارية التي جرى التوصل إليها قبل نحو ثلاثة أسابيع، ومنحت الشركات والمستهلكين وأسواق المال على حد سواء "راحة مؤقتة"، أملاً في التوصل إلى تسوية تبعد شبح الركود والخسائر التي تلتهمها حرب تجارية عالمية.
واتهمت الصين أميركا بانتهاك الاتفاق التجاري الأخير بينهما، وتوعّدت باتخاذ تدابير للدفاع عن مصالحها، الأمر الذي قلص احتمال إجراء مكالمة وشيكة بين زعيمي البلدين، والتي يأمل دونالد ترامب أن تسهم في دفع المحادثات الثنائية إلى الأمام. وفي بيان صدر، أمس الاثنين، نددت وزارة التجارة الصينية بتصريحات ترامب التي اتهم فيها بكين بخرق الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في جنيف بسويسرا في مايو/ أيار الماضي.
وهددت هذه التوترات بإعادة خلط أوراق العلاقات التجارية بين الجانبين، رغم إعلان ترامب، يوم الجمعة الماضي، عن أمله في التحدث مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، فيما توقع المستشار الاقتصادي في البيت الأبيض، كيفن هاسيت، أن تُجرى المكالمة هذا الأسبوع.
اتهمت بكين واشنطن بفرض قيود تمييزية من جانب واحد، من بينها إرشادات جديدة للحد من تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي، وقيود على مبيعات برامج تصميم الشرائح الإلكترونية إلى الصين، بالإضافة إلى سحب تأشيرات الطلبة الصينيين. وقالت الوزارة: "إذا أصرت الولايات المتحدة على المضي في نهجها، وأصرت على الإضرار بمصالح الصين، فإننا سنواصل اتخاذ إجراءات حازمة وقوية لحماية حقوقنا ومصالحنا المشروعة".
ويعيد هذا التصعيد التوتر إلى الواجهة مجدداً بين أكبر اقتصادين في العالم، بعد نحو ثلاثة أسابيع من التهدئة في ملف الرسوم الجمركية. وكانت إدارة ترامب قد أعلنت الأسبوع الماضي عزمها على البدء في إلغاء تأشيرات الطلبة الصينيين، إلى جانب خطوات للحد من بيع برامج تصميم الرقائق إلى الصين، كما منعت تصدير قطع غيار حيوية ومحركات طائرات أميركية الصنع إلى الصين، وفقاً لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز.
لم يوضح ترامب تفاصيل اتهامه لبكين بخرق الهدنة الجمركية في تصريحاته، يوم الجمعة الماضي، لكن ممثل التجارة الأميركي جيميسون غرير، أعرب عن استيائه من أن الصين لم تسرع في تصدير المعادن الحيوية اللازمة للإلكترونيات المتقدمة. وفي بيانها، قالت وزارة التجارة الصينية إنها "ترفض بشكل قاطع هذه الاتهامات التي لا أساس لها"، مشيرة إلى أن الصين طبقت التفاهمات بدقة.
جاءت تصريحات ترامب بعد يوم واحد من إعلان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، أن المحادثات التجارية مع الصين وصلت إلى طريق مسدود، مشيراً إلى أن إجراء مكالمة بين ترامب وشي قد يكون ضرورياً لكسر الجمود. وكانت إدارة ترامب قد فرضت في إبريل/ نيسان الماضي رسوماً جمركية بنسبة 145% على البضائع القادمة من الصين، ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، لترد الصين بفرض رسوم جمركية انتقامية بنسبة 125%، ليتوصل بعدها الطرفان إلى هدنة جمركية، حيث أعلنا في 12 مايو الماضي عن اتفاقهما على خفض الرسوم بنسبة 115% لمدة 90 يوماً، لتصبح 30% على السلع الصينية الواردة إلى الولايات المتحدة و10% على السلع الأميركية المتجهة إلى الصين، وذلك في إطار رغبة الجانبين في منح الشركات والمستهلكين الذين يعانون من حالة عدم اليقين وخطر ارتفاع الأسعار نتيجة الحرب التجارية راحة مؤقتة.
وتراجعت الأسهم الصينية المتداولة في بورصة هونغ كونغ، أمس، على ضوء تصاعد التوترات التجارية مجدداً. وانخفض مؤشر "هانغ سنغ" للشركات الصينية بما يصل إلى 2.9%، مسجلاً أكبر تراجع له منذ أكثر من ستة أسابيع، متأثراً بخسائر أسهم شركات التكنولوجيا والسيارات الكهربائية. وجاء أداء المؤشر دون نظرائه في آسيا، إذ هبط مؤشر "إم إس سي آي" لدول آسيا والمحيط الهادئ 0.8%.
قيود أميركية جديدة على الرقائق الإلكترونية
وأسهمت خطط إدارة ترامب لتوسيع القيود المفروضة على قطاع التكنولوجيا في الصين، وفرض قيود على تأشيرات الطلاب الصينيين، في زيادة مخاوف المستثمرين. وقال بيلي ليونغ، خبير الاستثمار لدى شركة "غلوبال إكس إي تي إف إس" في سيدني، إن ضعف أداء الأسهم الصينية "يعكس تصاعد الضغوط والمخاوف مثل القيود الجديدة على الرقائق الإلكترونية". وأضاف ليونغ في تصريح لوكالة بلومبيرغ الأميركية: "على المدى القريب، ربما تُبقي حالة عدم اليقين التجاري، وضعف سوق العقارات، والضغوط على السيولة في يونيو/حزيران الجاري تدفقات المستثمرين الأجانب عند مستويات منخفضة".
ورغم موجة التراجع الأخيرة، لا تزال مؤشرات الأسهم الصينية في الأسواق الخارجية من بين الأفضل أداء على مستوى العالم منذ بداية العام الجاري، بدعم من آمال تحفيز داخلي إضافي، وتفاؤل مدفوع بالذكاء الاصطناعي، إثر الإنجاز الذي حققته شركة "ديب سيك" الناشئة. وسجل كل من مؤشر "إتش إس سي إي آي" ومؤشر "هانغ سنغ" ارتفاعاً بأكثر من 12% منذ بداية العام الحالي، ليتفوقا على مكاسب 6.7% حققها مؤشر "إم إس سي آي" لدول آسيا والمحيط الهادئ. في الوقت نفسه، تُثير موجة من عمليات الإدراج التي تقوم بها شركات صينية في هونغ كونغ توقعات بأن تُسهم هذه الطروح في تعزيز صعود السوق الأوسع نطاقاً بوتيرة أكبر.
وعلى صعيد سوق المال الأميركية، انخفضت العقود الآجلة لمؤشر داو جونز الصناعي، و"ستاندرد آند بورز 500"، وناسداك 100 بنسبة 0.4% أو أكثر، أمس، في أول يوم تداول من شهر يونيو الحالي. وفي مايو الماضي، حققت الأسهم الأميركية أفضل أداء شهري لها منذ عام 2023، على ضوء الهدنة التجارية مع الصين.
لكن الرئيس الأميركي كثيراً ما يقلل من تداعيات حرب الرسوم الجمركية التي يشنها على الصين على سوق المال في بلاده. وسلّط ترامب الضوء، يوم الجمعة، على تقرير أظهر انكماش عجز تجارة السلع بشكل ملحوظ في إبريل الماضي، حيث انخفض بنحو 75 مليار دولار عن مستويات مارس/ آذار. ويُرجّح أن يكون ذلك قد حدث لأن الشركات توقفت عن استيراد كميات كبيرة من السلع أثناء سريان الرسوم الجمركية. ففي وقت سابق من هذا العام، كانت الشركات تُخزّن المنتجات تحسباً للرسوم.
وقد فرض تصعيد الرسوم الجمركية بين الصين والولايات المتحدة ضغوطاً كبيرة على الشركات والمستهلكين الأميركيين، الذين اعتمدوا لعقود على تجارة مفتوحة إلى حد كبير بين البلدين. وقد أدت الحرب التجارية وعدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية إلى فرض رسوم مفاجئة، وانخفاض الشحنات من الصين، وتباطؤ إنفاق المستهلكين، في حين كانت العائلات الأميركية تنتظر لمعرفة كيف ستتطور حالة عدم اليقين المتعلقة بالرسوم الجمركية.
ورغم تراجع العجز التجاري الأميركي مع الصين كثيراً منذ أن بدأ ترامب خلال ولايته الرئاسية الأولى (2017 ـ 2021) في فرض رسوم جمركية كبيرة على السلع الصينية واستمرارها خلال ولاية الرئيس السابق جو بايدن، إلا أن العجز لا يزال عند مستويات مرتفعة، حيث بلغ 295.4 مليار دولار في العام الماضي 2024، بزيادة قدرها 5.8% عن عام 2023. وكان العجز قد بلغ مستوى قياسياً عند 418 مليار دولار في 2018، وفق البيانات الأميركية.
أضرار صناعية وتجارية لاقتصادات آسيوية
وأظهرت مؤشرات اقتصادية في العديد من الدول الآسيوية تضرر الصناعة والتجارة فيها بسبب الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وفي فيتنام، تراجعت طلبات التصدير الجديدة في مايو الماضي للشهر السابع على التوالي، فيما انخفضت تكاليف المدخلات لأول مرة منذ نحو عامين، حسب بيانات مؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال" الصادرة، أمس. وفي تايوان، انخفض الإنتاج ومبيعات التصدير الجديدة للشهر الثاني على التوالي، وسجلت إندونيسيا أكبر تراجع في الطلبات الجديدة منذ أغسطس/ آب 2021، كما شهدت المصانع الكورية الجنوبية أكبر انخفاض في الإنتاج منذ نحو ثلاث سنوات.
سجلت فيتنام وإندونيسيا وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية انكماشاً في النشاط العام، مع بقاء مؤشر مديري المشتريات دون مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش. أما في الفيليبين، فقد استمر النمو لكن بوتيرة أبطأ. وتعكس هذه الأرقام حالة الضبابية المستمرة في ظل حملة الرسوم الجمركية التي يقودها ترامب، والطبيعة المتقلبة للسياسات التجارية الأميركية.
وقال محافظ بنك كوريا المركزي، ري تشانغ ـ يونغ، إن نتائج المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين سيكون لها تأثير على جميع اقتصادات آسيا، مشيراً إلى أن هذه الأهمية تتعدى العلاقات الثنائية بين الطرفين. وأضاف محافظ المركزي، أمس، وفق "بلومبيرغ": "عندما نقيس فعلياً تأثير الرسوم الجمركية الأميركية علينا، فإن التأثير غير المباشر عبر الصين يُعد بالغ الأهمية لأننا مرتبطون بها بشدة من خلال سلاسل التوريد".
في الأثناء عقدت حكومة كوريا الجنوبية، اجتماعاً طارئاً مع كبرى شركات صناعة الصلب المحلية، أمس الاثنين، لمناقشة تأثير خطة الولايات المتحدة لمضاعفة رسومها على جميع واردات الصلب إلى 50% في وقت لاحق من هذا الأسبوع، حسبما أفادت وزارة الصناعة.
وحضر الاجتماع، الذي استضافته وزارة التجارة والصناعة والطاقة، مسؤولون من مجموعة "بوسكو" وشركة "هيونداي ستيل" وغيرها من شركات الصلب الكبرى في البلاد، وفقاً لما نقلت وكالة يونهاب الكورية للأنباء عن مسؤولين في الوزارة.
وفي مايو الماضي، انخفضت صادرات كوريا الجنوبية من الصلب بنسبة 12.4% على أساس سنوي لتصل إلى 2.6 مليار دولار، مع انخفاض الشحنات إلى الولايات المتحدة بنسبة 20.6% خلال الفترة المذكورة.
