ARTICLE AD BOX
بعد مرور 77 عاماً على نكبة فلسطين، تُعاد فصول التهجير القسري عبر تشريع إسرائيلي جديد يشرّع للمستوطنين تملّك الأراضي المصنّفة "ج" في الضفة الغربية، إذ إن القرار الأخير يُسرّع عملية الضم الزاحف، لتأتي ذكرى النكبة في العام الحالي على وقع شبح الاستيطان وفق القانون الجديد بما يحوّل السيطرة العسكرية إلى هيمنة قانونية دائمة، تعمّق واقع الاحتلال وتُشرعن نهب الأرض الفلسطينية. ذكرى النكبة الـ77 تعاد ذكراها واقعاً يكرر المشهد ذاته المرتبط بدفع الفلسطيني قسراً إلى ترك أرضه تحت ضغط القوة العسكرية الإسرائيلية كما يجري في أراضي الضفة الغربية منذ سنوات، خصوصاً في الفترة الأخيرة، وزادت فيها خطوات مسح الوجود الفلسطيني في المناطق المصنّفة "ج" وفق اتفاقية أوسلو، أي الخاضعة للسيطرة المدنية والأمنية الإسرائيلية. وتجلّى ذلك بعدما صادق الكنيست الإسرائيلي في 11 مايو/ أيار الحالي على قرارٍ يعطي الحقّ للمستوطنين في إطار القانون الإسرائيلي بأن يتملّكوا الأراضي الفلسطينية المصنّفة "ج"، لا سيّما تلك المحاذية للبؤر الاستيطانية، وخاصّة الرعوية منها، التي زاد انتشارها بعد أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ كان المعدّل السنوي للبؤر الاستيطانية سبع بؤر، فيما قفز خلال العام الماضي إلى 59 بؤرة (أي بزيادة تصل إلى 740%).
ويتيح القرار عملياً شراء وبيع الأراضي الفلسطينية التي استولى عليها جيش الاحتلال سابقاً بحجّة أنها "أراضي دولة" أو التي استولى عليها المستوطنون عبر إقامة البؤر الاستيطانية، إذ ينص على أنه يمكن "تسجيل حقوق ملكية الأراضي في المناطق (ج) بالضفة الغربية، وجعل هذه الصلاحيات عند الجيش والإدارة المدنية الإسرائيلية، وفي نهاية إجراءات ترسيم خرائط الأراضي وتسجيل الملكية في الطابو (السجل العقاري الإسرائيلي) بشكل نهائي، سيكون من الصعب الاستئناف على القرار، كما أن أي أرض ليست مسجلة عليها حقوق ملكية تنتقل إلى السلطات الإسرائيلية".
واصل أبو يوسف: الاحتلال لا يُخفي نواياه بتلك النكبة، بل يسابق الزمن لفرض وقائع استيطانية مدفوعاً بصمت المجتمع الدولي
الفلسطينيون في ذكرى النكبة
ويقول واصل أبو يوسف، عضو اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الوقائع تشير إلى ملامح نكبة جديدة تتشكل على الأرض عبر التهجير المقنّع في المخيمات، والهدم الممنهج بمناطق (ج)، وتجفيف متعمد لمقومات الحياة". ووفق أبو يوسف، فإن الاحتلال لا يُخفي نواياه بتلك النكبة، بل يسابق الزمن لفرض وقائع استيطانية مدفوعاً بصمت المجتمع الدولي، ومتسلّحاً بتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول إمكانية تهجير الفلسطينيين. ويوضح أبو يوسف أن الاحتلال الإسرائيلي يعمل على خلق بيئة تدفع الفلسطينيين إلى الرحيل القسري في ذكرى النكبة من خلال القرار الأخير الذي سبقه منع البناء والتوسع الفلسطيني، وتنفيذ سياسة الهدم، وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية. ويضيف أبو يوسف: "ما يجري يتقاطع مع مساعي الاحتلال لحسم الصراع وضم الضفة الغربية بالكامل، في سياق مشروع استعماري متكامل، إلا أن الفلسطيني في الداخل والشتات سيُحيي ذكرى النكبة هذا العام بسلسلة فعاليات تؤكد تمسكه بحقه في أرضه".
بدوره، يؤكد مدير دائرة القانون الدولي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية حسن بريجية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القرار "بحد ذاته قرار غير قانوني ويخالف جميع المعايير"، كما أن القرار سبق وصوّت عليه الكنيست في قراءاته الثلاث، لكن تم إيقافه حينها من قبل المستشار القانوني لحكومة الاحتلال، ليُعاد لاحقاً إلى مجلس الوزراء الإسرائيلي بهدف تمريره بشكل سياسي، وتمريره لاحقاً في الكنيست كما جرى أخيراً. ويُعدّ القرار خطوة ضمنية باتجاه تنفيذ مخطط الضم بشكل عملي للضفة الغربية، بحسب بريجية، الذي يقول إن "القرار بفحواه يتيح للمستوطنين تقديم ادعاءات بملكية أراضٍ فلسطينية، رغم أن هذه الأراضي، وفقاً للقانون الدولي، هي أراضٍ محتلة لا يجوز الاستملاك فيها حسب اتفاقيتي جنيف الرابعة ولاهاي، وقرارات مجلس الأمن الدولي".
ويرى بريجية أن القرار جاء نوعاً من الرد غير المباشر على تصريحات ومواقف متداولة أخيراً لترامب حول حقوق الفلسطينيين. وعن آلية تنفيذ هذا القرار، يوضح بريجية أنه يبدأ عبر تقديم المستوطنين ادعاءات بشأن أراضٍ معينة في مناطق "ج" بزعم أنهم "متصرّفون فيها" منذ مدة عام أو أكثر على سبيل المثال، خصوصاً في المناطق التي أقيمت فيها خيام وبؤر استيطانية خلال الأشهر الأخيرة. ويشير إلى أنه في ظل غياب قدرة الفلسطينيين على تقديم تسوية إسرائيلية أو وثائق رسمية وفق شروط الاحتلال، تتولى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي النظر في الادعاءات، ومن المتوقع بشكل قاطع أن تُمنح الأرض للمستوطن بذريعة أنه "متصرف فيها". ويلفت بريجية إلى أن "الآلاف من المستوطنين في البؤر الاستيطانية الرعوية سيسعون لاستغلال القانون الجديد، وسيزعمون أنهم يقطنون الأرض منذ أكثر من عام، ليحصلوا على شرعنة قانونية زائفة بملكية الأرض". ويؤكد أن هذا الإجراء سيحول عشرات البؤر الاستيطانية إلى مستوطنات قائمة على نهب علني للأرض الفلسطينية في ذكرى النكبة وبحجّة "التصرّف" سيتم التملّك.
ويصف بريجية القرار بأنه كارثي، قائلاً: "كأن يقتحم أحد بيتك، ويقدم اعتراضاً بأن هذا بيته، والحكم بينكم يقضي بأنه بيت المقتحم"، في إشارة إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي هي التي ستسيطر على إجراءات التسوية، وستدعم المستوطنين بذلك، بهدف دفع الفلسطيني نحو ترك أرضه التي استولى عليها المستوطن بذريعة قانونية. وحول طرق مواجهة القرار، يرى أن ذلك يجب أن يتمّ من خلال "تفعيل الدور السياسي والدبلوماسي الفلسطيني في المحافل الدولية، لأن من يقف خلف هذه السياسات هي الولايات المتحدة الداعمة للاحتلال". ويشدّد بريجية على أهمية تعزيز صمود الفلسطيني على أرضه والوجود الفعلي فيها، لمنع المستوطنين من استخدام ذريعة "التصرف" مبرراً للاستيلاء على الأرض.
جمال جمعة: بات بإمكان المستوطن الذي أقام خيمةً أو كرفاناً في أرض فلسطينية أن يدعي أن الأرض ملكه
ولا يعتبر القرار الإسرائيلي مجرد إجراء إداري، بل قرار غير مسبوق بتسريع عملية الضم التي أطلقت بشكل تفصيلي عام 2020، ويأتي الآن من أجل إعطاء تسهيلات مباشرة للمستوطنين للسيطرة على الأراضي الفلسطينية، ضمن سياسة واضحة بدأ التمهيد لها عبر خطوات متتابعة، أبرزها سيطرة الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش على نفوذ الإدارة المدنية، وتعيين المستوطن هيلل روط نائباً لرئيس الإدارة، إلى جانب إصدار تعليمات جديدة من وحدة "إدارة الاستيطان" تُسهّل نشر البؤر الاستيطانية، تحديداً البؤر الرعوية، وفق منسق الحملة الشعبية الفلسطينية لمقاومة جدار الفصل العنصري جمال جمعة في حديث مع "العربي الجديد". ويشير جمعة إلى أن البؤر الرعوية التي يزيد عددها عن 130 ضمن ما يقارب 290 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية، أدت دوراً مركزياً في تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وقد أسفرت حتى الآن عن إخلاء أكثر من 60 تجمعاً فلسطينياً. ومع القرار الجديد، بات بإمكان المستوطن الذي أقام خيمةً أو كرفاناً في أرض فلسطينية أن يتقدم بطلب تسوية ويدعي أن الأرض ملك له، ما يُحوّل أداة التهجير إلى غطاء قانوني للتملك. ويقول: "القرار الإسرائيلي سيسهل في الفترة المقبلة زيادة عمليات التهجير والاستيلاء على الأراضي، ليس فقط بهدف الضم، بل لتحويل كل هذا الوجود الاستيطاني غير القانوني إلى وضع دائم مُشرعن بقرارات تحمل طابعاً قانونياً وفق مخططات الاحتلال".
سهولة تملّك الأراضي الفلسطينية
ويشرح جمعة أنه سابقاً كانت عملية تسجيل الأراضي داخل الضفة الغربية بأسماء المستوطنين تمرّ بإجراءات إسرائيلية معقدة وتحتاج وقتاً، إلا أن القرار الحالي يمهّد الطريق أمام سهولة تملّك الأراضي الفلسطينية بسهولة، إذ يكفي أن يكون المستوطن قد نصب خيمته أو كرفانه (بيتا متنقلاً) في منطقة ما، حتى يتمكن من الادعاء أن الأرض تعود إليه، وقد يُسجَّل ذلك رسمياً باسمه، وهو ما يفتح الباب ليس فقط للتملّك غير المشروع، بل أيضاً لتسهيل عمليات تسريب الأراضي وبيعها لاحقاً. ويرى أن "المطلوب من المستوى الرسمي الفلسطيني مواجهة سياسية حقيقية عبر قطع العلاقات مع إسرائيل فوراً، وتشكيل لوبي عربي ضاغط".
وبحسب مراقبين، فإن المناطق الفلسطينية المتضررة والمصنّفة "ج" على المدى القريب هي المحاذية للبؤر الاستيطانية التي تركّز انتشارها في مناطق الأغوار الشمالية ووسط الضفة الغربية، وجنوب الخليل، جنوبي الضفة، في ظل ما يشهده الاستيطان الرعوي من توسع غير مسبوق، حيث وصلت مساحة هذه البؤر في عام 2025 إلى نحو 800 كيلومتر مربع، ما يشكّل أداة ضغط لترحيل الفلسطينيين من أراضيهم الزراعية والرعوية في مناطق "ج" التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية.
