ARTICLE AD BOX
لم يكن هادي بدران طبيباً عادياً، وهو الذي قاوم إصابته بمرض السرطان ليُسعف أهله في قطاع غزة. هو ابن لعائلة لاجئة فلسطينية هجّرتها نكبة 1948 من عكا (فلسطين) إلى لبنان. كان والده يروي له قصصاً عن فلسطين، وعن البيوت التي طردوا منها، والحقول التي سلخوا عنها. يقول هادي: "هذه القصص ساعدتني على تخيل كيف كانت الحياة، وزادتني شوقاً للذهاب إلى هناك". أما والدته اللبنانية، فحملت الحكاية على طريقتها. كان يقول ممازحاً في مقابلة تلفزيونية: "ستي كانت تدعو أن يكون والدي طبيباً، لكنه كان يخاف من الدماء، فوقع الاختيار علي".
في عام 1996، سافر إلى تركيا ليدرس الطب، ثم انتقل إلى المملكة المتحدة عام 2004، حيث تخصّص في طب التخدير، وأمضى سنوات طويلة يعمل في مستشفيات بريطانية، آخرها استشاري التخدير في مستشفى سانت جورج في لندن. في عام 2023، اكتشف أنه مصاب بسرطان الرئة. كان المرض في مرحلته الرابعة، لكنه لم يتراجع. يقول إنه سمع صدفة عن حاجة مؤسسة "رحمة حول العالم" لطبيب تخدير في غزة، فطلب منهم أن يكون ضمن البعثة. في مارس/آذار 2024، سافر رغم اعتراض زوجته وعائلته، الذين خافوا عليه من شدة التعب. قالت له زوجته: "إذا مت، سيكون أطفالك أيتاماً"، فأجاب: "لو فكر الجميع بهذه الطريقة، فلن يذهب أحد".
في مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، وقف الطبيب بين الأنقاض يشهد الإبادة عن قرب. كان يقول: "غزة أسطورة، ولو أن لعزة النفس شكلاً، فهو شكل أهل غزة". لم يكتف بالعمل طبيبا، بل دعم القطاع مالياً، وساهم في حملة إغاثة أطلقها المنتدى الفلسطيني في بريطانيا.
هادي بدران لم يكن مجرد طبيب، بل لاجئا يعرف معنى أن تولد بلا وطن، وتعيش في المنفى طويلاً، ثم تموت محاصرا بالذاكرة. اختار أن يكون مع من يشبهونه، ويسير نحو الموت وفاء لأهل غزة. توفي يوم 23 مايو/أيار 2025 في بريطانيا ودفن فيها. وفي اليوم نفسه، كانت جثث الأطفال تُنتشل من تحت الركام في غزة. رحل الطبيب وبقي الجرح مفتوحاً.
وُصف بدران بأنه نموذج للطبيب النبيل والإنسان المخلص، الذي رغم تدهور صحته توجه إلى قطاع غزة، ليقدم الدعم الطبي والعلاجي للجرحى والمرضى تحت نيران العدوان، مؤكداً أن مسيرته كانت مليئة بالعطاء والتفاني، وقد "قدم نفسه قرباناً إنسانياً ومهنياً في سبيل خدمة شعبه". كما أشاد المنتدى الفلسطيني في بريطانيا بصبر الفقيد وإيمانه الكبير، مشيراً إلى مشاركاته الفعالة في الفعاليات والمبادرات التي تخدم القضية الفلسطينية، وحضوره المشرّف في مناسبات الجالية رغم ألمه ومرضه.
