ARTICLE AD BOX
يُتوقّع أن يشكل رفع العقوبات الأميركية عن سورية نقطة تحوّل في مسار الاقتصاد السوري، الذي دمرته الحرب المستمرة منذ 13 عامًا، ويفتح المجال أمام تدفقات استثمارية من السوريين في الخارج، إضافة إلى استثمارات من تركيا ودول الخليج الداعمة للحكومة السورية الجديدة. وقال رجال أعمال سوريون ووزير المالية ومحللون لوكالة "رويترز" إنهم يتوقعون تدفق رؤوس أموال إلى الاقتصاد السوري المتعطش لها فور رفع العقوبات، الذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مفاجئ، رغم التحديات الكبيرة التي لا تزال تواجه البلاد المنقسمة بشدة.
وأكد رجل الأعمال السوري غسان عبود، المقيم في الإمارات، لـ"رويترز"، أنه يضع خططًا للاستثمار، متوقعًا أن يسير آخرون من أصحاب العلاقات التجارية الدولية على النهج نفسه، وقال: "كانوا خائفين من القدوم والعمل في سورية بسبب مخاطر العقوبات... هذا سيختفي تمامًا الآن". وأضاف: "أُخطط بالطبع لدخول السوق لسببين: أولًا، أريد مساعدة البلاد على التعافي بأي طريقة ممكنة، وثانيًا هناك أرض خصبة؛ فأي بذرة توضع اليوم قد تدر هامش ربح جيدا". وقد عرض عبود خطة بمليارات الدولارات لدعم قطاعات الفن والثقافة والتعليم في سورية .
ويُتوقع أن يعيد رفع العقوبات تشكيل الاقتصاد السوري بشكل جذري، مع توجه الحكومة الجديدة نحو تبني سياسات السوق الحرة، بعيدًا عن نموذج التخطيط المركزي الذي اتبعته عائلة الأسد طوال عقود حكمها.
وكانت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى قد فرضت عقوبات صارمة على سورية عقب اندلاع الحرب في عام 2011، إثر الاحتجاجات ضد حكم الرئيس السابق بشار الأسد. واستمرت واشنطن في فرض العقوبات حتى بعد الإطاحة بالأسد في ديسمبر/ كانون الأول عام 2024، بينما كانت تدرس سياستها تجاه سورية وتراقب تحركات الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وهو قيادي سابق في تنظيم القاعدة.
وقد طالبت دول داعمة لحكومة الشرع واشنطن برفع العقوبات. وقال وزير الخارجية السعودي، يوم الأربعاء، إن فرص الاستثمار ستتزايد بشكل كبير فور تنفيذ ذلك. وفي خطاب بثه التلفزيون الرسمي مساء الأربعاء، وصف الرئيس السوري أحمد الشرع قرار الرئيس ترامب برفع العقوبات بأنه "قرار تاريخي شجاع"، مؤكدًا التزام حكومته بتعزيز المناخ الاستثماري. وأضاف: "نرحب بجميع المستثمرين من أبناء الوطن في الداخل والخارج، ومن الأشقاء العرب والأتراك والأصدقاء حول العالم، وندعوهم للاستفادة من الفرص المتاحة في مختلف القطاعات".
وكانت الحرب قد خلفت دمارًا واسعًا في المناطق الحضرية، وأودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص، فيما تؤكد وكالات الأمم المتحدة أن أكثر من 90% من السوريين، البالغ عددهم 23 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر. وقال المحلل الاستراتيجي للأصول السيادية في الأسواق الناشئة لدى شركة "آر.بي.سي بلوباي" لإدارة الأصول تيموثي آش إن هناك فرصة حقيقية لإحداث تغيير جذري في سورية والمنطقة الأوسع.
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة "بي.بي.في.إيه" المالية العالمية أونور جنش، التي تضم مصرف "جرانتي"، وهو ثاني أكبر بنك خاص في تركيا، إن الشركات والبنوك التركية من المتوقع أن تستفيد من رفع العقوبات. وأضاف متحدثا لرويترز: "بالنسبة لتركيا، سيكون الأمر إيجابيًا لأن هناك حاجة إلى عمليات إعادة إعمار كثيرة في سورية. من يفعل هذا؟ الشركات التركية". وتابع: "سيسمح رفع العقوبات للشركات التركية بالذهاب إلى هناك الآن بشكل أفضل بكثير، وستتمكن البنوك التركية من تمويلها، وهذا سيدعم العملية". وكانت تركيا قد دعمت قوات المعارضة السورية خلال الحرب التي دمرت اقتصادًا كان يومًا ما متنوعًا ومنتجًا.
وفي السياق، أظهرت بيانات رسمية سورية، أوردها البنك الدولي عام 2024، أن الاقتصاد السوري انكمش بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2021، إلا أن البنك أشار إلى أن الرقم الفعلي ربما يكون أسوأ من ذلك.
فرص في كل القطاعات
وشهدت الليرة السورية ارتفاعًا في قيمتها منذ إعلان ترامب، وقال متداولون إن العملة تراوحت بين 9000 و9500 ليرة للدولار الواحد يوم الأربعاء، مقارنة بـ12600 ليرة في مطلع الأسبوع ذاته. وكان الدولار يعادل 47 ليرة سورية قبل الحرب في عام 2011. وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية لـ"رويترز" إن مستثمرين من الإمارات والكويت والسعودية ودول أخرى قدّموا استفسارات عن فرص الاستثمار. وأضاف: "سورية اليوم هي أرض الفرص، وهناك إمكانات كامنة هائلة في جميع القطاعات، من الزراعة إلى النفط والسياحة والبنية التحتية والنقل". وتابع: "ندعو جميع المستثمرين إلى اغتنام هذه الفرصة".
ووصف المدير العام لبنك "شهبا بنك" كرم بشارة الحماسة السائدة في مجتمع الأعمال السوري، بينما كان يتابع من مكتبه في دمشق لقطات من اجتماع ترامب مع الشرع في الرياض، قائلاً: "إنه رائع بشكل يفوق التصور.. نحن على المسار الصحيح الآن على الصعيد الدولي ما لم يحدث شيء في سورية يعرقل العملية".
ورغم التفاؤل، ما زالت الأوضاع في سورية هشة، فبعض الجماعات المسلحة لم تسلّم أسلحتها بعد، وتظل مطالب الحكم الذاتي من الأكراد نقطة خلاف، بينما يثير العنف الطائفي مخاوف الأقليات من حكومة الشرع، رغم وعوده بتوفير الحماية، كما شنت إسرائيل سلسلة اعتداءات على سورية.
وقال الصحافي ومؤسس ورئيس تحرير موقع التقرير السوري الاقتصادي جهاد يازجي إن قرار الولايات المتحدة يشكل تحولًا جذريًا لأنه يبعث رسالة سياسية قوية جدًا، ويمهد الطريق لعودة سورية إلى التكامل مع دول الخليج والمنظمات المالية الدولية، فضلًا عن ملايين السوريين في الشتات.
من جهته، قال المستثمر اللبناني عماد الخطيب إنه يعجل بخططه الاستثمارية في سورية بعد إعلان ترامب، وأوضح أنه يعمل بالتعاون مع شركاء لبنانيين وسوريين على دراسة جدوى لإنشاء مصنع فرز نفايات في دمشق بقيمة 200 مليون دولار منذ شهرين، وقال إنه أرسل، صباح أمس الأربعاء، فريقًا من المتخصصين إلى سورية لبدء التحضيرات. وأضاف: "هذه هي الخطوة الأولى... وستتبعها خطوات أكبر. وسنعمل بالتأكيد على جذب مستثمرين جدد، لأن سورية أكبر بكثير من لبنان".
(رويترز، العربي الجديد)
