رهانات إنهاء العدوان

2 weeks ago 4
ARTICLE AD BOX

بات من الواضح أن جولات المفاوضات المتلاحقة والمتنقّلة بين الدوحة والقاهرة لن تصل إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وأن العقبات لا يمكن تذليلها مهما تحدّثت التسريبات عن حصول تقدّم في بعض النقاط والاقتراب من الوصول إلى تفاهمات. لم تكن جولة من المفاوضات في الدوحة أخيراً إلا محاولة إسرائيلية لتشتيت الرأي العام الداخلي بأن العمل لا يزال قائماً على إطلاق المحتجزين، في وقت بقي فيه الوفد الإسرائيلي أياماً في الدوحة من دون حصول أي اتصالاتٍ مع الوسطاء، بعد الوصول إلى حائط مسدود منذ الجولة الأولى، قبل أن تقرّر الحكومة الإسرائيلية إعادتهم.

عوائق كثيرة تمنع الوصول إلى اتفاق لإنهاء العدوان بشكل كامل، سواء وفق المقترح الأميركي أو المطالب الإسرائيلية، خصوصاً أن بنيامين نتنياهو ليس جدّياً في وقف العدوان، وهو دائم الحديث عن استعادة المحتجزين واستئناف الحرب، وهو ما يدفع حركة حماس إلى التمسّك ببقاء المحتجزين لديها، وعدم إبرام اتفاق قبل الحصول على ضمانات كاملة بألا تعود إسرائيل إلى مهاجمة غزّة وتنسحب من الأراضي التي احتلتها في القطاع.

وللحصول على هذه الضمانات، هناك شروط لا يبدو أن "حماس" مستعدّة لتلبيتها، وفي مقدّمتها "نزع السلاح"، وهو الوارد في المقترح الأميركي، والذي يتحدّث عن لجنة لإدارة قطاع غزّة في اليوم التالي، على غرار "لجنة الإسناد المجتمعي" التي اتفق عليها في مفاوضات القاهرة بين حركتي حماس وفتح. وفي وقتٍ لا يبدو فيه أن هناك مشكلة لـ"حماس" مع هذه اللجنة، وهي قابلةٌ للنقاش، فإن نقطة نزع السلاح تشكّل "خطّاً أحمر" للحركة، بحسب تصريحاتٍ كثيرةٍ خرجت من مسؤوليها، فالحركة ليست في وارد التخلي عن فكرة المقاومة، خصوصاً أن فكرة تحوّلها إلى حزب سياسي فقط ليست مقبولة أميركياً وإسرائيلياً، ولهذا أدرج بند نفي قادة "حماس" من قطاع غزّة، وهو ما ترفضه الحركة.

على هذا الأساس، لن يكون إنهاء العدوان الإسرائيلي عبر أي جولة مفاوضات مقبلة، في حال بقيت الشروط على حالها. وأي إعلان عن لقاءات جديدة لن يكون ذا جدوى إذا لم يجر تقديم تصوّر جديد بالكامل للهدنة واليوم التالي لقطاع غزّة، وهو ما يبدو مستبعداً جداً، بفعل التعنّت الإسرائيلي الذي عبر عنه نتنياهو قبل أيام، باستمرار العمليات لاحتلال القطاع وتهجير سكانه وفق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

في ظل هذا الأفق المسدود لوقف جريمة الحرب المستمرّة، يبقى الرهان على تبدّل في الموقف الأميركي والدولي تجاه دعم إسرائيل، وهو ما بدأنا نشهده في الأيام الماضية، وأثمر دخولاً لبعض المساعدات الغذائية للغزّيين الذين يعانون مجاعة. الحديث عن الخلاف المتصاعد بين نتنياهو وترامب وانعكاسه على الدعم الأميركي للعدوان لا يمكن التعويل عليه كثيراً، خصوصاً أن أي إجراءاتٍ فعليةٍ لم تتخذ أميركياً للضغط على إسرائيل، في حال كانت هناك رغبة فعلية لدى واشنطن لوقف العدوان. بل على العكس، ما ظهر في المفاوضات هو وحدة النظرة الأميركية والإسرائيلية لشروط وقف العدوان، وإن اختلفت الصياغات قليلاً. لا شك أن هناك تصدّعاً في العلاقة بين نتنياهو وترامب، إلا أنه مرتبط بشكل أساس بالملف الإيراني، وليس بقطاع غزّة. والرهان على توسّع هذا التصدّع مرتبط بتصاعد الضغط الدولي، والأوروبي تحديداً، على إسرائيل، وهو ما بدأ يظهر عملياً في الفترة الماضية، مع اتّخاذ بريطانيا خطوة غير مسبوقة بفرض عقوباتٍ ضد مستوطنين، وتعليق بيع أسلحة، وكذلك وقف مفاوضات للتجارة الحرّة، وهو ما ينوي أيضاً الاتحاد الأوروبي القيام به ردّاً على تصاعد المجازر والتجويع ونية إسرائيل توسيع عمليتها العسكرية في القطاع.

من شأن هذا الموقف الغربي الجديد وزيادة عزلة إسرائيل أن يشكلا فرصة حقيقية لإنهاء إسرائيل عدوانها "حرصاً على العلاقات الدبلوماسية"، وهو التعبير الذي استخدمه نتنياهو لتبريد قبول دخول المساعدات الغذائية، وهو قد يستعمله أيضاً لتبرير إنهاء العدوان في حال انضمام الولايات المتحدة فعلياً إلى الضغوط الغربية.

Read Entire Article