سرقة التاريخ

2 weeks ago 7
ARTICLE AD BOX

أول ما يبادر إلى أذهاننا، في سياق الحديث عن المتاحف، هو ما جرى عام 2003 في العراق من سطو على المتحف ونهب له. حادث كهذا قد يكون الأبرز، لكنه ليس الوحيد بالطبع. الثروة الأثرية في المنطقة العربية مفرّقة على المتاحف العالمية. التراث الآشوري والسومري والفرعوني موزّع على المتاحف العالمية، بل يمكننا القول إن أهم هذه القطع وأدلّها وأشهرها موجودة هناك، في اللوفر والمتحف البريطاني وسواهما. نتعرّف هناك على تراث كامل، بل نتعرّف أكثر على تاريخنا، وليتنا نفعل ذلك من دون أن نتأكد من علاقتنا بهما.

أهم قطعنا الأثرية، من دون رأينا، موجودة هناك. تاريخنا الأساسي، وأصولنا، وآثارنا الضاربة في القدم مطروحة في عواصم الدنيا، بحيث يمكن أن تُعدّ تاريخاً للبشرية أكثر مما هي لنا، حتى إننا نكاد نكون منفصلين عن هذه الأصول. نراها ولا نعرف إن كانت حقاً لنا، ما هي صلتها بنا، لا نفهم كيف بدأنا بها، كيف كانت إرثنا وكيف تواصلت في ماضينا القريب أو البعيد، وماذا أحدثت فينا بعد ذلك.

نهب المتحف العراقي الوطني في بغداد ليس الأول ولا الوحيد. قد تكون البدايات الاستعمارية في المنطقة مسؤولة عن نهب تاريخي استمرّ لعقود وقرون، وأبعدنا عن تاريخنا الذي صرنا لا نفهم موقفنا منه، ولا تأثيره في ما تلاه وعقبه، بل أيضاً عن حضوره في ثقافتنا وحاضرنا. لقد تمت سرقات تاريخية هائلة وباهظة، سرقات قد يكون الاستعمار قد رسّخها، لكنها لم تتوقف عنده.

ما هي حقاً صلتنا بالتراث، ودرجة حضوره في يومنا ومستقبلنا؟

سطا الغرب على هذا الكنز، وكانت أداته في ذلك استعمارُه وهيمنتُه. لكن ما الذي يفسّر استمرار هذه السرقة؟ ما الذي يفسّر دوامها واتصالها؟ في كل يوم تظهر آثار جديدة في السوق العالمية. في كل يوم نفاجأ بجزء آخر من تراثنا معروضاً للبيع. تستمر قطع آشورية وفرعونية وبابلية في الظهور في العالم، والسبب ببساطة هو التهريب والسرقة المتجددة.

السبب في ذلك، هذه المرة، هو الفساد الطاغي، فساد يجعل الدولة هي اللصة، والمسؤولين هم اللصوص. إنهم يبيعون تاريخنا وتراثنا، يبيعون ثقافتنا التي لم نعد نعرف مكاننا منها، ولا استمرارها فينا. مع ذلك، يبقى السؤال جليّاً: ما هي حقاً صلتنا بهذا التراث، ودرجة حضوره في يومنا ومستقبلنا وشخصيتنا المعاصرة؟ وإلى أيّ درجة نستحقّه ونواصله؟ إلى أيّ درجة نحن فراعنة أو آشوريون أو فينيقيون أو إسلاميون؟

نحن الذين لا نعرف الآن صلتنا الفعلية بالتراث العربي. لا نعرف، أو نتخيل، أو نختلف، أو نتوهّم، فكيف لنا أن نعقد صلة واضحة بتراث لا نعرف كيف نقرؤه؟ كيف نستطيع أن نجد أنفسنا فيه؟ كيف يستطيع فنان عراقي، على سبيل المثال، أن يسترد النحت الآشوري أو الخط العربي؟ الأغلب أننا تلقينا فانتازيا "ألف ليلة وليلة" أو الأرابِسك والكاليغرافيا العربية من أجانب. لقد وصلنا تاريخنا عن طريق غربي في الغالب، وهكذا استرددنا أنفسنا من طرف غربي. هكذا ورثنا الخط العربي، وكذلك الأرابسك، عن طريق غربي. ما الذي يؤكد أن تماريننا على الخط العربي هي هدية من التراث واسترداد لأنفسنا؟

هل تماريننا الزخرفية هي عودة إلى أصولنا؟ لا شيء يؤكد أننا هكذا التقينا ذاتَنا. قد لا تكون هذه أكثر من استعارة، من مضاعفة جهلنا بما نحن، من اغترابٍ مركّب عن حالنا.

* شاعر وروائي من لبنان

Read Entire Article