سوريات معيلات يعُدن إلى بيوتهن لبناء حياة جديدة وسط الخراب

1 day ago 4
ARTICLE AD BOX

غادرت نساء معيلات في سورية حياة المخيّمات المزدحمة والخيام البالية خلفهنّ، وعدن إلى قراهن المدمرة ليبدأن حياتهنّ من الصفر، بعد أن أصبحن في مواجهة الفقر، وغياب الخدمات الأساسية، يحملن ذكريات النزوح الأليمة. يقفن اليوم شامخات، يبنين جدران بيوتهنّ المهدمة بأيديهنّ، ويزرعن الحقول، ويوفرن لقمة العيش لأطفالهنّ. لم يخترن طريق المعاناة، لكنهن وجدن أنفسهن في مواجهة واقع قاسٍ فرض عليهن دور الأم والمعيل معاً. ومع كل حجر يضعنه في جدران بيوتهنّ المدمرة، لا يبنين فقط مأوى لأسرهن، بل مستقبلاً جديداً يملؤه الإصرار على البقاء.

تجلس علياء النهار، وهي أم لأربعة أطفال، أمام بيتها المهدم جزئياً في قرية كفرنبل جنوب إدلب، وتقول لـ"العربي الجديد": "لم يكن النزوح سهلاً، في المخيّمات كنا نفتقد كل شيء، لكنّني كنت مصرة على العودة، وعندما عدنا وجدت بيتي خراباً، بدأت بترميمه وزراعة الأرض القريبة، وأقمت مشروعاً صغيراً لصناعة الأجبان". ومع كل صباح، تشعر علياء، التي فقدت زوجها في قصف سابق لنظام الأسد البائد، أنها تعيد بناء حياتها من جديد. "صحيح أنّنا نعيش بالكاد، لكنّنا نعيش بكرامة. أعيل أطفالي وحدي، وعدت إلى قريتي رغم الدمار لأنني لا أريد لهم أن يكبروا في المخيّمات".

أما خلود النعسان، أرملة فقدت زوجها في سجون نظام الأسد، وهي أم لخمسة أطفال، فقد عادت إلى قريتها حيش بعد أن تهدم بيتها بالكامل. تقول لـ"العربي الجديد": "بعض الأقرباء ساعدوني في إعادة بناء غرفة صغيرة من الطوب. أعمل في الحقول وأبيع الخبز والخضار لأعيل أطفالي. صحيح أن الحياة صعبة، لكنّني مصمّمة على أن يعيش أبنائي في قريتهم ويكملوا تعليمهم بعيداً عن ضنك العيش في المخيّمات المنسية"، وتضيف النعسان: "عندما عدت، لم يكن لديّ شيء. زرعت قطعة أرض صغيرة بالخضروات تكفينا ذاتياً، وأطفالي يساعدونني في العناية بها"، وتتابع: "عدنا لأن لا خيار لنا إلا الصمود، واكتشفنا أن العودة ليست نهاية المأساة، بل بدايتها"، وتطالب منظمات المجتمع المدني والمعنيين بإنشاء مبادرات لدعم النساء العائدات، مثل مشاريع صغيرة في الخياطة والزراعة، ودورات تدريب على المهارات الحرفية، لمساعدة النساء المعيلات اقتصادياً واستعادة ثقتهنّ بأنفسهنّ.

من جانبها، قالت المرشدة الاجتماعية ربا الحسون لـ"العربي الجديد" إن النساء المعيلات لم يعدن إلى بيوت تنتظرهنّ، ولا إلى حقول مزدهرة، بل عدن ليواجهن واقعاً قاسياً، وسط بيوت مهدمة، ومدارس مغلقة، وأراضٍ قاحلة، ومجتمعٍ فقد الكثير من مكوناته. ومع ذلك، بدأن بمفردهنّ يعملن على إعادة بناء حياتهنّ بأدوات بسيطة، "يد تعمل في الأرض، وأخرى تطبخ وتخيط وتزرع الأمل في نفوس أطفالهن"، وأشارت إلى أن ما يجعل قصص هؤلاء النساء جديرة بأن تروى، ليس لشجاعتهنّ الشخصية فحسب، بل أيضاً الرسالة التي يحملنها، إذ إنّ الإعالة ليست مجرد مسؤولية اقتصادية، بل هي فعل مقاومة. كل امرأة تعود وتزرع الأرض أو تؤسّس مشروعاً صغيراً، ترسل رسالة بأن الحياة أقوى من الموت، وبأن الوطن يمكن أن يُعاد بناؤه من خلال الأمل والعمل.

وأوضحت لـ"العربي الجديد" أن المجتمع غالباً ما ينظر إلى هؤلاء النساء بصفتهنّ ضحايا أو عالة تحتاج إلى دعم، لكنّ الحقيقة التي تكشفها قصصهنّ اليومية تقول العكس؛ هؤلاء النساء هن عماد إعادة البناء، وهنّ من يثبتن أن الكرامة الإنسانية لا تقاس بما يُعطى لها، بل بما تصنعه بأيديها، وتابعت: "هؤلاء النساء لا يحتجن إلى شفقة، بل إلى دعم فعّال، مشاريع صغيرة، فرص عمل، تعليم لأطفالهنّ، وخدمات أساسية وبنى تحتية تعيد الحياة إلى قراهنّ، فدعمهنّ ليس مجرد عمل إنساني، بل هو استثمار في المستقبل".

Read Entire Article