ARTICLE AD BOX
قبل عام 2011، كانت دول الخليج، مثل الإمارات وقطر والسعودية، تستثمر بشكل واسع في سورية لا سيما في العقارات والسياحة والمصارف والصناعة. مشاريع مثل "البوابة الثامنة" لشركة إعمار الإماراتية و"مدينة بنيان" كانت جزءًا من الجهود الخليجية لدعم النمو الاقتصاد السوري. لكن بعد اندلاع الثورة السورية، تراجعت هذه الاستثمارات بشكل كبير نتيجة للعقوبات الدولية والقيود السياسية والاقتصادية وانسحب معظم المستثمرين الخليجيين، وتركزت الاستثمارات في بعض القطاعات المحدودة، أو عبر قنوات غير رسمية.
في السنوات الأخيرة، ومع تحسن العلاقات بين سورية ودول الخليج، ظهرت توقعات بإمكانية عودة الاستثمارات، لا سيما السعودية التي أبدت اهتمامًا متزايدًا بدعم الاقتصاد السوري. بعد إعلان رفع العقوبات الأميركية، بدأت الشركات السعودية النظر إلى مشاريع جديدة، خاصة في التحول الرقمي والقطاع المصرفي وصناعة الإسمنت، ما يشير إلى توجه محتمل نحو إعادة الاستثمار في البنية التحتية السورية.
في هذا الصدد، أكد رئيس هيئة الاستثمار السورية الدكتور أيمن حموية لـ"للعربي الجديد" أن الهيئة تعمل على تطوير تشريعات قانونية وإدارية تهدف إلى خلق بيئة استثمارية جاذبة تتماشى مع المرحلة الجديدة التي تمر بها سورية، بما يسهم في استقطاب رؤوس الأموال والمستثمرين. وأوضح أن هناك جهودًا لتحديث الخريطة الاستثمارية وإقرار قانون عصري يتناسب مع التوجهات الاقتصادية الراهنة، وهو ما يعزز فرص الاستثمار الأجنبي ويمنح الشركات مساحة أوسع للدخول في مشاريع استراتيجية.
وأشار إلى أن الهيئة تقدم محفزات للاستثمارات الجديدة، تشمل الإعفاء من الضرائب والرسوم على استيراد خطوط الإنتاج والصادرات مدة سنتين، فضلًا عن توفر اليد العاملة المؤهلة، وتخفيض أسعار الكهرباء للمنشآت الصناعية، إضافة إلى توفر منظومات الطاقة البديلة التي تدعم استدامة المشاريع الاستثمارية.
وكشف حموية عن تلقي الهيئة عشرات الطلبات يوميًا من شركات سورية وتركية وخليجية، إضافة إلى شركات أوروبية أبدت اهتمامها بالدخول في مشاريع متنوعة، منها بناء المستشفيات واستغلال طاقة الرياح والتطوير العقاري، مشيرًا إلى أن سورية تُعدّ وجهة استثمارية واعدة في ظل التحولات الاقتصادية الجارية. وختم بالتأكيد أن تهيئة بيئة استثمارية مستقرة وإجراء إصلاحات تشريعية واقتصادية سيكونان عاملين أساسيين في دعم مرحلة إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد السوري.
الاستثمارات الخليجية في سورية بالأرقام
يؤكد تقرير صادر عن هيئة الاستثمار السورية أن الاستثمارات الخليجية شكلت جزءًا رئيسيًا من الاقتصاد السوري قبل عام 2010، حيث بلغت قيمتها الإجمالية 250 مليار دولار، وتمركزت في قطاعات العقارات والسياحة والمال، مستفيدة من إعفاءات ضريبية ساهمت في توسع المشاريع العمرانية.
وأشار التقرير إلى أن الاستثمارات الأجنبية تركزت بشكل أساسي في قطاع النفط والغاز، حيث بلغ حجمها 77 مليار ليرة سورية عام 2010، أي ما يعادل 1.5 مليار دولار وفق سعر الصرف حينها، وكانت السعودية المستثمر الخليجي الأكبر في سورية، بمساهمة بلغت 77.8 مليون دولار، تلتها الكويت بـ 25.6 مليون دولار، ثم الإمارات بـ 21.3 مليون دولار، وأخيرًا البحرين بـ6.4 ملايين دولار، لتشكل مجتمعة 10.6% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في البلاد.
ومع بداية عام 2011، شهدت الاستثمارات الخارجية تراجعًا كبيرًا، حيث لم يتجاوز عدد المشاريع الاستثمارية التي حصلت على الموافقة الأولية 48 مشروعًا في عام 2012، و49 مشروعًا في 2013، وفقًا لبيانات الهيئة التي أكدت أن الأوضاع السياسية والاقتصادية كانت العامل الرئيسي وراء هذا التراجع.
إزالة العقبات وتعزيز التعاون
عن هذا الموضوع، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الكريم الحموي أن سورية تُعدّ اليوم سوقًا واعدة للاستثمارات الخارجية، خاصة من دول الخليج العربي التي تسعى للمساهمة في إعادة الإعمار ودعم الاقتصاد السوري. وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد" أن العلاقات التاريخية والقرب الجغرافي يمنحان دول الخليج فرصة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع سورية، ما قد ينعكس إيجابًا على الطرفين.
ورغم هذه الفرص الواعدة، أشار الخبير الاقتصادي إلى وجود تحديات عدة تعيق تطور العلاقات الاستثمارية، أبرزها الوضع الأمني والسياسي الذي يتطلب استقرارًا أكبر لضمان حماية الاستثمارات، إضافة إلى الحاجة لتحديث البنية التشريعية واللوائح التنظيمية لتحفيز المستثمرين الأجانب، كما شدد على ضرورة تحسين الخدمات اللوجستية وتسهيل عمليات النقل والتجارة بين سورية ودول الخليج.
كما لفت إلى أن هذه العقبات ليست مستعصية، إذ يمكن تجاوزها عبر تعاون وثيق بين الحكومات والقطاع الخاص، وخلق شراكات استراتيجية تسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي. وختم بالقول إن العلاقات الاقتصادية بين سورية ودول الخليج تحمل فرصًا كبيرة للتطور، وإذا جرى العمل على إزالة العقبات وتعزيز التعاون، فيمكن أن تصبح سورية شريكًا استراتيجيًا لدول الخليج في العديد من المجالات.
تجهيز فرص استثمارية
ومع الحديث عن استراتيجيات جديدة لإعادة الإعمار، تعمل هيئة الاستثمار السورية على تجهيز فرص استثمارية جاذبة ضمن خطة 2025، التي تهدف إلى تحقيق انفتاح اقتصادي واستثماري مع الدول العربية والعالمية، واستعادة ثقة المستثمرين ببيئة الأعمال في البلاد، مشيرة إلى أن الخطة تعتمد على تطوير البنية المؤسساتية واللوائح التنظيمية، إلى جانب دراسة تشريع جديد للاستثمار يوفر مناخًا أكثر تحفيزًا وجاذبية لرؤوس الأموال الأجنبية.
كما أن العمل جارٍ لتجهيز فرص استثمارية جاذبة، وتنفيذ إصلاحات داخلية من شأنها تسهيل دخول الاستثمارات الخارجية وضمان استقرارها، إضافة إلى إعطاء الأولوية لعودة رؤوس الأموال المهاجرة من خلال سياسة اقتصادية جديدة شفافة ومشجعة، توفر بيئة آمنة للاستثمار، وتعزز القدرة التنافسية لسورية في المشهد الاقتصادي الإقليمي، حيث يُرتقب أن يكون لدول الخليج دور محوري في استعادة النشاط الاقتصادي والاستثماري في سورية.
نقطة تحول رئيسية في سورية
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عمار اليوسف أن قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية يمثل نقطة تحول رئيسية، حيث يفتح الباب أمام عودة الاستثمارات الخليجية إلى السوق السورية بعد سنوات من العزلة والتحديات. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تكلفة إعادة الإعمار في سورية تُقدر بنحو 300 مليار دولار، ما يفتح المجال أمام استثمارات ضخمة تشمل إعادة بناء البنية التحتية وتأهيل الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم. وأشار إلى أن دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات وقطر، أبدت اهتمامًا واضحًا بالمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار، حيث تسعى للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في مجالات الطاقة والنقل والتطوير العمراني.
ومع تحسن البيئة الاستثمارية، يُرتقب أن يكون لدول الخليج دور محوري في استعادة النشاط الاقتصادي والاستثماري في سورية، لا سيما في ظل الجهود الحكومية لتوفير بيئة استثمارية مستقرة، وإجراء إصلاحات تشريعية واقتصادية لضمان استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والمستثمرين الخليجيين.
أهم المشاريع الخليجية قبل 2011
ومن أبرز هذه الاستثمارات، فندق فور سيزنز دمشق الذي افتتحه الأمير السعودي الوليد بن طلال عام 2006 باستثمارات بلغت 100 مليون دولار، حيث يمتلك 55% منه بينما تملك الحكومة السورية 35%. كما يُعد مشروع "البوابة الثامنة" التابع لإعمار العقارية الإماراتية، الذي بلغت تكلفته 500 مليون دولار، أحد أكبر المشاريع العقارية، إذ جرى تسليم المرحلة الأولى منه عام 2010 ليشكل مركزًا تجاريًا وسياحيًا رئيسيًا في منطقة يعفور.
وفي السياحة، شهدت سورية مشاريع ضخمة مثل "منتجع ابن هاني" الذي أطلقته شركة الديار القطرية عام 2008 في اللاذقية بتكلفة 250 مليون دولار، لكنه واجه تحديات تتعلق بالآثار والأملاك الخاصة أدت إلى توقفه. كما برز مشروع كيوان السياحي التابع لمجموعة الخرافي الكويتية، وهو مجمع سياحي وفندقي وتجاري في وادي بردى بريف دمشق، بتكلفة 217 مليون دولار بالشراكة مع وزارة السياحة السورية.
كما اتجهت الاستثمارات الخليجية نحو تطوير المدن السكنية والمناطق التجارية، إذ أُطلقت مشاريع ضخمة مثل "مدينة بنيان" السياحية في جبل الشيخ، التي تبلغ تكلفتها الاستثمارية 15 مليار دولار، و"مدينة الشام الاقتصادية" التي شاركت فيها المدينة للتمويل والاستثمار الكويتية بنسبة 50%، بإجمالي استثمارات 3 مليارات دولار. لكن هذه المشاريع واجهت تحديات كبيرة بعد عام 2011، حيث تراجع النشاط الاستثماري بشكل ملحوظ، وتوقف العديد من المشاريع أو شهد تباطؤًا في التنفيذ، فيما اتجهت بعض الشركات إلى مراجعة استراتيجياتها بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية.
