ARTICLE AD BOX
عكست الاحتفالات التي عمّت المدن السورية، مساء أول من أمس الثلاثاء، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن دمشق، حالة تفاؤل كبير لدى عموم السوريين بقدرة بلادهم على تجاوز تحديات جمّة، وخاصة اقتصادية ومعيشية، كانت هذه العقوبات سبباً رئيسياً لها، إضافة إلى إحياء الآمال ببدء عملية إعادة الإعمار وتطوير البنى التحتية.
والعقوبات الأميركية الاقتصادية والسياسية ليست وليدة سنوات الثورة السورية (2011–2024)، إذ إن بعضها يعود إلى ما قبل 46 عاماً، إلا أن تأثيرها لم يكن بفداحة تلك التي فُرضت رداً على وحشية النظام المخلوع في محاولاته، التي لم تجد نفعاً، في القضاء على الثورة.
أما العقوبات التي أرهقت السوريين فهي الاقتصادية، التي فرضت قيوداً على تصدير السلع والتكنولوجيا إلى سورية، وقانون حظر المساعدات الاقتصادية الأميركية لسورية (تم رفع جزء منه أخيراً)، وتلك التي طاولت مؤسسات الدولة، والتي جُمدت أصولها في الولايات المتحدة، وحُظر الاستيراد والتصدير بين البلدين. وتسببت هذه العقوبات في تعطيل الوصول إلى المساعدات الإنسانية الدولية، ونقص الموارد وتدهور قطاعي الصحة والتعليم، وتعميق الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية.
فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي السوري من 67.5 مليار دولار في عام 2011 إلى تسعة مليارات دولار في عام 2023، أي بانكماش قدره 85%. كما تراجعت قيمة الليرة السورية بنسبة 141% مقابل الدولار، وسط زيادة التضخم المحلي بنسبة تصل إلى 93%.
ونتيجة لذلك، انخفضت القوة الشرائية لليرة السورية بشكل كبير، وارتفع معدل الفقر إلى 69%، ما ترك ملايين السوريين غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية. وبلغت احتياطيات النقد الأجنبي 18.5 مليار دولار في عام 2010، لكن لم يتبقَّ منها سوى 200 مليون دولار، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية الواردات لمدة شهر.
تتخذ العقوبات أشكالاً متعددة. بعضها يستهدف قطاعات حيوية، كالطاقة والبنوك والاتصالات، بالإضافة إلى مؤسسات حيوية، بما فيها البنك المركزي. والعقوبات الأميركية أحادية الجانب هي الأشد صرامة، فهي تمنع جميع التعاملات بين الكيانات الأميركية والسورية، بالإضافة إلى منع استخدام الدولار في المعاملات المتعلقة بسورية. ولا يقتصر هذا الحظر على الأميركيين فحسب، بل يواجه الأفراد والشركات الأجنبية عقوبات شديدة في أميركا إذا تعاملوا تجارياً مع سورية.
مسار العقوبات الطويل
وبدأت العقوبات الأميركية على سورية منذ عام 1979، حيث أُدرجت سورية على قائمة الدول الراعية للإرهاب، بسبب الوصاية السورية على لبنان ودعمها حزب الله وجماعات أخرى. وفي الفترة ما بين مارس/ آذار وأغسطس/ آب 2004، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الحكومة السورية.
وجاءت هذه العقوبات في إطار متابعة سياسة "مكافحة محور الشر" التي انتهجتها إدارة جورج بوش الابن، والتي "تدين حيازة النظام السوري المزعومة لأسلحة الدمار الشامل، وتدين سيطرته على لبنان واستعداده لزعزعة استقرار العراق، فضلاً عن دعمه لمنظمات قوى التحرير مثل حزب الله وحماس".
ثم توالت العقوبات في الكثير من المنعطفات التي مرت بها العلاقة بين نظام الأسد الأب (حافظ) والولايات المتحدة، والتي شهدت تراجعاً كبيراً في الثمانينيات من القرن الفائت.
وخلال العقد الأول من الألفية الجديدة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات أخرى على نظام بشار الأسد، لعل أبرزها الأمر التنفيذي 13399، الذي جاء رداً على اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وفرض عقوبات إضافية ضمن حالة الطوارئ المعلنة. ومع بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011، ورفض النظام التعاطي مع كل مبادرات الحل، ولجوئه إلى استخدام القوة المفرطة لقمع معارضيه، صدرت أوامر تنفيذية جديدة قضت بفرض عقوبات تُضاف إلى ما سبقها، وهو ما أدى إلى فرض حظر اقتصادي شبه شامل، منع أي صفقات أو تعاملات مالية مع النظام المخلوع، وحظر استيراد النفط السوري، ومنع أي استثمار أميركي في سورية.
في 29 إبريل/ نيسان 2011، فُرضت أولى العقوبات على سورية بعد اندلاع الثورة بإصدار الرئيس الأميركي باراك أوباما أمراً تنفيذياً بتجميد ممتلكات المتورطين في الانتهاكات.
وفي أغسطس 2011، فرضت الولايات المتحدة حظراً على قطاع النفط، وتجميد الأصول المالية لعدد من الشخصيات، فضلاً عن الأصول المالية للدولة السورية نفسها. وبالإضافة إلى ذلك، تحظر الولايات المتحدة تصدير السلع والخدمات الآتية من أراضي الولايات المتحدة أو من شركات أو أشخاص من الولايات المتحدة إلى سورية. ويتعلق هذا الحظر بأي منتج تأتي على الأقل 10% من قيمته من الولايات المتحدة أو من مواطنيها. ولهذا التدبير تأثير واسع النطاق على السكان السوريين وعلى أسعار السلع الأساسية والمنتجات الطبية.
أصدرت الولايات المتحدة الأميركية أمرين رئاسيين، رقم 13606 و13608، في إبريل ومايو/ أيار 2012 على التوالي، فرضت بموجبهما عقوبات إضافية على الأفراد والشركات الأجنبية التي تحاول التهرب من العقوبات الأميركية. في إبريل 2017، فرضت الولايات المتحدة تجميداً مالياً وحظراً للسفر والخدمات المالية ضد 270 موظفاً حكومياً تابعاً للحكومة السورية، في أعقاب هجوم خان شيخون.
وأخذت هذه العقوبات أبعاداً أوسع مع صدور قانون "قيصر" الذي دخل حيّز التنفيذ في عام 2020 بعدما استغرق إنجازه نحو ست سنوات، ونص على فرض عقوبات على الأسد وأركان حكمه، وعلى أي جهة تقدم الدعم أو تتعامل مع النظام المخلوع.
ومع تصاعد عمليات تهريب الكبتاغون من سورية من قبل النظام المخلوع، صدر عن الإدارة الأميركية قانونان عُرفا بـ"الكبتاغون 1" و"الكبتاغون 2"، وسّعا دائرة العقوبات على المتورطين بتجارة الكبتاغون، وخاصة الأسد وشقيقه (ماهر) وآخرين.
قدرات ترامب
وبيّن الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن للرئيس الأميركي سلطة إلغاء أغلب العقوبات المفروضة على سورية من دون الرجوع إلى المؤسسة التشريعية، باستثناء قانون "قيصر"، مضيفاً: يمكن للرئيس الأميركي منح مساعدات للشركات الأميركية لتنفيذ برامج مع الحكومة السورية، التي يصبح بإمكانها الشراء والبيع بعد رفع العقوبات.
وفي السياق، قال الدبلوماسي السوري السابق والمقيم في العاصمة الأميركية بسام بربندي لـ"العربي الجديد"، إن العقوبات الرئاسية وعددها ثمانية أوامر إدارية، أصدرها رؤساء بدءاً من عام 2004 وحتى عام 2019 وتشمل معظم العقوبات على الاقتصاد السوري، يمكن للرئيس ترامب إلغاؤها أو تجميدها دون الحاجة للرجوع إلى الكونغرس للحصول على موافقته.
وتابع: "أما العقوبات التشريعية مثل قانون قيصر، فهي أكثر تعقيداً، فالإدارة الأميركية عليها أن تثبت أن سورية حققت الشروط الموجودة في القانون"، موضحاً أنه يمكن للرئيس إلغاء بعض المواد فيه من دون موافقة، كما بيّن أن هناك عقوبات "تستند إلى حالة طوارئ وطنية تُجدد سنوياً"، مضيفاً: "إذا لم يجددها الرئيس، تُعلّق بعضها بعد ستة أشهر".
