شركات صينية تلتهم تسلا "حيّة".. هل باتت الشركة الأميركية عاجزة؟

1 day ago 5
ARTICLE AD BOX

في تحول دراماتيكي لموقعها في أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم، تواجه شركة تسلا ضغوطًا متزايدة في الصين، بعدما فقدت موقعها القيادي لصالح منافسين محليين صاعدين استلهموا نموذجها وتجاوزوه. فبعد سنوات من التوسع والريادة، كشفت بيانات رابطة سيارات الركاب الصينية (CPCA) أن مبيعات تسلا من مصنعها في شنغهاي تراجعت بنسبة 15% في مايو/ أيار 2025، في استمرار لسلسلة من التراجعات امتدت لثمانية أشهر متتالية، وسط صعود متسارع لعلامات تجارية صينية مثل BYD وشاومي، التي تقدم طرازات تجمع بين التقنية العالية والأسعار التنافسية.

ويمثل مصنع تسلا في شنغهاي، الذي افتتح عام 2019، أكبر قاعدة إنتاج لتسلا عالمياً، ويسهم بنحو 40% من إجمالي الإنتاج الكلي للشركة العالمية، ويخدم السوق المحلي ويصدر إلى أوروبا وآسيا. غير أن معدل استخدام الطاقة الإنتاجية للمصنع تراجع إلى نحو 76% في مايو/ أيار الماضي، مقارنة بأكثر من 86% في الفترة نفسها من 2024، ما يعكس ضغوطاً تشغيلية واضحة وتراجعاً في كفاءة الاستثمار، كما أنه يعني ارتفاعاً غير مباشر في التكاليف الثابتة لكل سيارة منتجة، وهو ما يُضعف من تنافسية الشركة في سوق تعتمد بصورة متزايدة على التسعير المرن والابتكار التقني.

هيمنة تسلا تتآكل

وفي مواجهة هذا التباطؤ، لجأت تسلا إلى إعادة تفعيل برنامج المكافآت للإحالات في الصين، مقدمة اقتطاعات تصل إلى 8,000 يوان (حوالي 1,110 دولارات) على خيارات الطلاء للمشترين الجدد الذين يستخدمون رموز إحالة من مالكي تسلا الحاليين. كما قدمت الشركة تمويلاً بنسبة 0% لشراء الطراز "موديل واي" في السوق الصينية، وهو ما يشير بوضوح إلى سعيها لتعويض الانخفاض في الطلب من خلال محفزات مالية. وتعد هذه الإجراءات انعكاساً لتغير جذري في استراتيجيتها التي كانت تعتمد سابقاً على قوة العلامة التجارية من دون الحاجة إلى عروض ترويجية.

ووفقاً لبيانات من غولدمان ساكس ونيو أوتوموتيف، تقلصت حصة تسلا من سوق السيارات الكهربائية المعتمدة على البطاريات في الصين إلى نحو 10% فقط بحلول إبريل/ نيسان 2025، مقارنة بأكثر من 20% قبل أربع سنوات. وعند احتساب السيارات الهجينة القابلة للشحن، تهبط الحصة إلى 5.8%، في حين تستحوذ بي واي دي (BYD) الصينية على 27% من سوق المركبات الجديدة للطاقة. في غضون ذلك، فاجأت شركة شاومي (Xiaomi) السوق بإطلاق سيارتها الكهربائية الجديدة YU7، وهي سيارة رياضية متعددة الاستخدامات ذات تصميم مستوحى من سيارات بورشه وفيراري، وبسعر منافس أقل من تسلا موديل واي، مع تقنيات متطورة في القيادة الذكية والشحن فائق السرعة. التحرك المفاجئ من شركة شاومي الصينية، المعروفة سابقاً بإنتاج الهواتف الذكية، يعكس مدى سهولة اختراق السوق من قبل لاعبين جدد مستفيدين من بيئة الابتكار المفتوحة في الصين.

الشركات الصينية تلتهم تسلا "حية"

وقال المحلل الاقتصادي ليام دينينغ في مقال رأي نشرته "بلومبيرغ"، اليوم الخميس، إن شركة تسلا تواجه ما وصفه بأنه "هجوم استهلاكي شرس" من شركات السيارات الكهربائية الصينية التي استلهمت نموذجها وبدأت في تجاوزه، حتى أصبحت "تلتهمها حيّة". وأوضح أن تسلا التي كانت "المحفز الأساسي" إلى نهضة السيارات الكهربائية في الصين، أصبحت الآن "عنصراً متفاعلاً تم استهلاكه بالكامل". فالشركات الصينية التي استلهمت نجاح تسلا لم تكتف بالتقليد، بل طوّرت طرزها الخاصة بسرعة، وبأسعار تلائم السوق، وبإبداع تقني أكثر محلية ومرونة في التكيف. وبينما توقفت تسلا عن طرح نماذج جديدة ميسورة التكلفة منذ سنوات، ركزت على نماذج ضخمة مثل سايبر تراك، التي أثارت الجدل ولم تحقق انتشاراً واسعاً بعد. أما برنامج السيارة الاقتصادية التي وعد بها ماسك مقابل 25 ألف دولار، فما زال في خانة التسريبات غير المؤكدة.

ومع نهاية الربع الأول من 2025، سجلت تسلا انخفاضاً حاداً في هوامش الربح الإجمالي، مدفوعاً بعوامل تشمل: تراجع المبيعات في الصين، أوروبا، وكاليفورنيا، وزيادة الإنفاق على التحفيزات، وتآكل الكفاءة الإنتاجية، إلى جانب تباطؤ التوسع في فئة السيارات ذاتية القيادة. ويتوقع محللو "بلومبيرغ إنتليجنس" أن تظل الضغوط مستمرة في الربع الثاني، ما قد يؤثر على تقييم الشركة المرتفع في الأسواق المالية، والذي لا يزال يُسند إلى وعود مستقبلية، أبرزها إطلاق خدمة الروبوتاكسي (Robotaxi) في أوستن، تكساس، والتي تفتقر حتى الآن إلى جدول زمني مؤكد للإطلاق التجاري الواسع.

ولم تعد السوق الصينية اليوم الأكبر عالمياً للسيارات الكهربائية فقط، بل أصبحت أيضاً مختبراً لصياغة معايير المنافسة: من التصنيع منخفض الكلفة، إلى الشحن السريع، إلى التكامل الرقمي، وصولاً إلى التحول الكامل نحو الطاقة الخضراء. ومع تزايد الاعتماد على سلاسل توريد محلية بالكامل، تفقد تسلا جزءاً من مزاياها التنافسية في بيئة أصبحت تحت سيطرة صناع محليين مدعومين حكومياً. وبينما كان من الممكن أن تستفيد تسلا من الصين بوصفها قاعدة استراتيجية للتوسع في آسيا، تُستبعد الآن تدريجياً من مراكز التأثير، فيما يزداد قلق المستثمرين بشأن قدرتها على استعادة زمام المبادرة.

Read Entire Article