ARTICLE AD BOX
لا تزال حركة "طالبان" الأفغانية نموذجاً لفهم تحولات الجماعات الدينية من القاعدة إلى رأس السلطة، إذ لا تزال تحافظ على قوة أيديولوجيتها خشية تآكل قاعدتها إذا ما انتقلت إلى المرحلة السياسية، لكن هذا لا ينفي أنها تجيد التفاعل مع عالمها الخارجي من أجل دعم أهدافها.
عادت "طالبان" إلى السلطة وهناك متغير مهم اتضح مع الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب، ألا وهو أُفول الديموقراطيات في العالم في ظل تأكيد قوة رأس المال والمصالح الاقتصادية ولوبيات صنع القرار، وإن كانت عواقب هذا الأمر خطيرة بتحقيق بيئة غير مستقرة، لكن واقعياً استفادت الحركة الدينية من منطق العالم الجديد في إدارة مصالحها بما يعزز تمكينها من السلطة.
سنتعامل مع قضايانا!
اجتمعت منظمة الدول التركية في بودابست المجرية، وطالب بيان تلك الدول التي بمعظمها تحوط أفغانستان في آسيا الوسطى، حكومة الأمر الواقع في كابول بتشكيل حكومة شاملة تعكس التنوع العرقي والاجتماعي في البلاد، مع التشديد على القضايا الحقوقية والحريات ومكافحة الإرهاب والمخدرات، بخاصة أن تلك الدول تشعر بالأثار السلبية لطبيعة السلطة الحاكمة هناك على أمنها القومي. لكن جاء رد "طالبان" بما يؤكد سياستها الداخلية والخارجية، قائلةً: "سنتعامل مع قضايانا الداخلية بأنفسنا".
إن "طالبان" تدرك أن لا أحد يرحب برحيلها طالما ليس هناك بديل يحافظ على تماسك الداخل الأفغاني، ولذلك تعمل على عدم ظهور تلك القوة البديلة، فعندما استعادت السيطرة على كابول قامت بتطهير الإدارات الحكومية من الموظفين السابقين واستبدال أنصارها بهم. وإن كانت المنظمة التركية قد أعلنت عن تأسيس "مجموعة عمل خاصة بأفغانستان" من أجل تشكيل موقف مشترك حيال هذا البلد، لكن الجماعة الحاكمة تدرك أن تركيا، المحرك الأول لهذه المنظمة، لديها مصالح معها، وهي تعرف جيداً كيفية إدارتها.
ولاء البيعة ولوبيات المصلحة
داخلياً، تُرسخ "طالبان" نظامها الديني والقبلي الذي ساعدها في تشكيل قاعدتها الاجتماعية، فالنظم الحديثة هي الطريق إلى زوالها، ولذلك تعتمد على مفهوم "البيعة" وهي مسألة تفهمها الجماعات الدينية بشكل جيد لتأسيس مبدأ "الولاء"، وإن كان مفهوم البيعة يدور حول الحقوق المتبادلة، في ما يُعرف في نظم الدولة الحديثة بالعقد الاجتماعي، لكن بالنسبة إلى هذه الجماعة فإن تغليف البيعة بالأوامر المقدسة كاف للقضاء على أي محاولة للتمرد. إضافة إلى أن السنوات التي عاشتها أفغانستان محرومة التعليم والتطور الاجتماعي كانت فرصة لتعظيم روح القبيلة القائمة أيضاً على البيعة والولاء، بخاصة أن معظم رجال الجماعة من قبائل البشتون. ولذلك خلال هذه السنوات، ركزت السلطة في كابول على توسيع التعليم الديني وعملت على مضاعفته، إلى جانب إعلاء روح القومية البشتونية على بقية القوميات، واتخاذ لغتهم رمزاً للهوية الأفغانية.
وخارجياً، فإن "طالبان" التي ظنت أنها خدعت العالم بترويج إنتاج أول سيارة في عهدها، هي تعرف أن لوبيات إدارة مصالحها التي تجول في الخارج، بما في ذلك مكتبها في قطر، كفيلة ترويج مثل تلك الكذبة، فقد استطاعت أن تدفع حقوقيات أفغانيات شهيرات مثل محبوبه سراج ومدينه محبوبي، الى الدفاع بقوة أمام المجتمع الدولي عن أولوية الاعتراف بالسلطة الفعلية والتعامل معها من أجل حل أي أزمة تواجه المجتمع الأفغاني.
ومن خلال اللوبيات أيضاً استطاعت "طالبان" أن تدير مصالحها الاقتصادية مع دول مثل روسيا والصين والهند، بل حتى مع الولايات المتحدة التي حاربت قواتها لسنوات، وهو ما يمكن اكتشافه من خلال مراقبة شخصية مثل زلماي خليل زاد، الديبلوماسي الأفغاني-الأميركي، الذي لُقب بعراب عودة "طالبان" إلى السلطة!